«أمازون» ترسم مستقبل الحوسبة السحابية

مئات الآلاف من الطلاب يدرسون عبرها ومئات الشركات تستفيد منها

آندرو جاسي رئيس قسم «خدمة الويب» في «أمازون»
TT

في غضون بضع سنوات، ربما يكون «التدمير الإبداعي» الذي تمارسه «أمازون» في مجال نشر الكتب وتجارة التجزئة، مقدمة لمناورة أكبر وأكثر سرية؛ وهي إتاحة قوة هائلة في مجال الحوسبة لا يمكن تصورها، لجميع البشر على سطح الكرة الأرضية.

وفي هذا الميدان، تقدم مثلا شركة ناشئة تسمى «كلايمت كوربوريشين» يوميا ما يزيد على 10 آلاف تجربة محاكاة لحال الطقس المتوقع على مدى العامين المقبلين في أكثر من مليون موقع في الولايات المتحدة، ثم تجمع ذلك بالبيانات الخاصة بهيكل الجذور ومسامية التربة لعمل تأمين للمحاصيل لآلاف الفلاحين.

وهناك شركة ناشئة أخرى اسمها «كيو» تجري عمليات مسح على رسائل بريد إلكتروني ومشاركات على «فيس بوك» ووثائق شركات يصل عددها إلى 500 مليون من أجل تقديم خدمة عمل سيرة عن شخص قابلته، أو تنذرك بضرورة العودة إلى المنزل لتلقي طرد أو إرسال رسالة نصية إلى ضيف على الغداء تفيد بأنك ستتأخر.

تنفذ كل هذه الشركات الناشئة مهام تتعلق بالكومبيوتر كانت تعد مستحيلة منذ عقد لولا إقامة استثمارات ضخمة في مجال الكومبيوتر. مع ذلك، لا تمتلك أي من الشركتين سوى عدد قليل جدا من أجهزة الكومبيوتر، حيث تستأجر هي وآلاف الشركات الأخرى حاليا مخزن بيانات ووقت تزويد الخدمة من «أمازون» عبر قسم خدمات الحوسبة مقابل مبلغ أقل كثيرا من تكلفة امتلاك وتشغيل أجهزة كومبيوتر خاصة بهم. يقول دانييل غروس، المشارك في تأسيس «كيو» التي أتمت العشرين: «لدي 10 مهندسين، لكن من دون قسم خدمة الحوسبة من (أمازون)، أنا متأكد من أنني كنت سأحتاج إلى 60. ولذلك، فإن سعر الخدمة يقل أكثر فأكثر».

ويعتقد أن «كيو» تنفق أقل من 100 ألف دولار شهريا بفضل «أمازون»، لكنها على الأرجح كانت لتنفق مليوني دولار إذا اضطلعت بهذه المهمة بنفسها، هذا إلى جانب أنها لم تكن لتقوم بها بالسرعة والمرونة التي تنفذها بها «أمازون». ويعترف قائلا: «لا أعرف العدد التقديري لقدرة مزود الخدمة، فالذي يهمني هو السعر». وظهرت خدمة الحوسبة السحابية منذ سنوات، لكنها الآن تدعم كل أنواع المشروعات والأعمال حول العالم بسرعة وبسعر أقل. وتفادت شركة «إنستغرام»، التي تعمل في مجال المشاركة بالصور ويعمل بها 12 شخصا واشترتها شبكة «فيس بوك» مقابل مليار دولار فقط بعد 19 شهرا من إطلاقها، نفقات وعناء إعداد أنظمة الكومبيوتر الخاصة بها. ودرس أكثر من 120 ألف طالب في برنامج «إيديكس» التعليمي العالمي على الإنترنت من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا وجامعة هارفارد من خلال خدمة الحوسبة من «أمازون». وتوكل ما يزيد على 185 هيئة حكومية أميركية جزءا من مهامها إلى أمازون. ويشتري ملايين الناس في أفريقيا السيارات عبر الإنترنت باستخدام هواتف ذكية رخيصة متصلة بمزودات خدمة حوسبة «أمازون» في كاليفورنيا وآيرلندا.

يقول آندرو جاسي، رئيس خدمة الحوسبة في «أمازون»: «نحن نشهد تحولا يتسم بالزخم، وهو أساسي مماثل للتحول إلى استخدام الشبكة الكهربائية. إن الأمر يسير بخطى أسرع مما كان يتوقع أي منا».

ودشنت «أمازون» خدمة الحوسبة عام 2006 بنحو ثلاث دوزينات من الموظفين. ولن تعلن «أمازون» عدد الذين يعملون على خدمة الحوسبة الخاصة بها حاليا، لكن الموقع الإلكتروني للشركة يتيح 600 فرصة عمل. محاولات «أمازون» ما هي إلا بداية للتنافس العالمي بين الشركات العملاقة في مجال الكومبيوتر.

في يونيو (حزيران) دشنت «غوغل» خدمة كاملة تشبه خدمة «أمازون». كذلك تدخل «مايكروسوفت» المجال من خلال تقديم خدمة «ويندوز أزور».

ولا تصرح «أمازون» بكثير عن خدمة الحوسبة التي تقدمها لأسباب تتعلق بالتنافس. مع ذلك، من المفترض أن يدر ذلك عليها أرباحا تقدر بنحو مليار دولار. ويتكون كل مركز من المراكز العملاقة الثلاثة لـ«أمازون» في الولايات المتحدة، التي تقع في فيرجينيا وأوريغون وكاليفورنيا، من عدد من المباني التي تحتوي على الآلاف من مزودات الخدمة. وهناك مراكز أخرى في اليابان وآيرلندا وسنغافورة والبرازيل. وتسارعت وتيرة توسع الشركة، حيث افتتحت فروعها في تلك المناطق عام 2011، ويُعتقد أنها بصدد بناء عدد مماثل حاليا. ويهتم جيف بيزوس، الرئيس التنفيذي لـ«أمازون»، بإنشاء وحدات حوسبة سحابية لحكومات دول أخرى.

يضم مركز واحد من بين 10 مراكز بيانات في منطقة شرق الولايات المتحدة التي تعمل بها «أمازون»، مزودات خدمة مخصصة للحوسبة السحابية أكثر من وحدات الحوسبة السحابية في شركة «راك سبيس» التي تقدم خدماتها لـ180 ألف مؤسسة ولديها ما يزيد على 80 ألف مزود خدمة؛ حسب مسؤول تنفيذي مطلع على عمل «أمازون» ورفض ذكر اسمه لعدم السماح له بالحديث علنا.

مع ذلك، في النهاية يقول جاسي: «نحن نعتقد على مستوى القيادة أن خدمة الحوسبة من «أمازون» قادرة على أن ترقى إلى مصاف الشركات التي نتعامل معها على أقل تقدير». وتعد التكلفة المنخفضة للحوسبة إضافة إلى استخدام الآلات خلال ساعات الليل هي ما يحفز هذا المجال على الازدهار. ودفعت مؤسسة «شبيغل تي في» الألمانية المال لخدمة «أمازون» من أجل عمل نسخ رقمية لـ20 ألف برنامج، وكانت التكلفة أقل من تكلفة الكهرباء اللازمة لتشغيل مزودات الخدمة الخاصة بها.

وتقوم «غود داتا»، ومقرها سان فرانسيسكو، بتحليل بيانات 6 آلاف شركة على خدمة «أمازون» بحثا عن أهداف محددة مثل مسؤولي المشتريات.

يقول رومان ستانيك، الرئيس التنفيذي لـ«غود داتا»: «في السابق كانت كل شركة تحتاج إلى خمسة أشخاص على الأقل من أجل إنجاز العمل. إذا كانت هناك حاجة إلى 30 ألف شخص للقيام بالعمل، فأنا أقوم به بـ180 فقط. لا أعلم ما الذي سيقوم به الآخرون الآن، لكن لن يكون بمقدورهم القيام بهذا العمل بعد الآن. إن هذا تطبيق للمبدأ القائل بأن الفائز يحصل على كل شيء».

ويمكن أن يكون لكل هذه البيانات التي تمر عبر «أمازون» قيمة. إن الناس يتركون بعض المعلومات عن أنفسهم، ويقوم آخرون بتحليلها. ويوجد على خدمة «أمازون» في أي وقت نحو مليون مستخدم لقاعدة بيانات قوية تسمى «إلاستيك ماب ريديوس» التي تستخدم في التوقعات. ويشير البعض إلى فيلم جديد أو لعبة من ألعاب الفيديو، في الوقت الذي يشارك فيه البعض بسلوك للإعلان أو سجل الائتمان أو اقتراحات. على الشركات السماح بتحليل البيانات، وتقول «أمازون» إنها تطبق معايير الأمن نفسها التي تستخدمها على موقع البيع بالتجزئة. وتساعد فعالية هذه البيئة التي تتسم بالوعي الكبير في إتاحة فرص العمل لكثيرين مرة أخرى، ومن المرجح أن تحدث المزيد من التغيرات.

يقول غراهام سبنسر، شريك في «غوغل فينشرز» التي تستثمر في الشركات الناشئة الزاخرة بالبيانات التي تعتمد على الحوسبة الرخيصة من خلال «غوغل» و«أمازون»: «يمكنك الآن اختبار أي من المنتجات أمام ملايين المستخدمين مقابل بضعة آلاف من الدولارات أو إنشاء شركة بشخص أو اثنين. إنه تغيير ضخم في وادي السيليكون».

تتوافق هذه الرؤية مع الطريقة التي يرى بها بيزوس خدمة الحوسبة من «أمازون» حسب مسؤولين تنفيذيين عملوا معه عن قرب. ويقول ديفيد ريشير، مسؤول تنفيذي سابق رفيع المستوى في «أمازون»: «يفكر جيف على مستوى الكوكب». ويرأس جيف حاليا جمعية «وورلد ريدير» التي تستعين بخدمة «أمازون» في الحوسبة على تنزيل الكتب على الآلاف من أجهزة الكومبيوتر في أفريقيا. وأضاف: «إن خدمة الحوسبة من (أمازون) فرصة عظيمة في مجال الأعمال والمشروعات، لكنها أيضا فلسفة تمكين الآخرين من إنشاء أنظمة ضخمة. هذه الطريقة هي التي ستمكن (أمازون) من التأثير في العالم».

* خدمة «نيويورك تايمز»