كعكات الإنترنت، ما مدى صلاحيتها؟

«الكوكيز» ما لها وما عليها، ومدى مسؤوليتها عن تسريب معلومات زوار مواقع الويب

TT

وليد الأصفر [email protected] لم أكن سعيدا ذلك اليوم عندما زرت أحد المواقع العربية ووجدته قد أظهر لي في صفحته الرئيسية أنني كنت قد زرته قبل ذلك، وأن هذه هي المرة الثانية التي أزوره فيها. ومع أن صاحبه قد يكون قد قصد أن يوحي لي بأن موقعه يتذكرني، وبالتالي أشعر بأنه «لطيف»، لم أشعر حينها إلا بذلك الشعور المزعج الذي يصيبك عندما تكتشف أن شخصا ما يطل من وراء ظهرك ليراقب ماذا تعمل. إلا أنني سرعان ما هدأت بعد أن تذكرت أن كل ما أزعجني لم يكن له ما يبرره، إذ عدا عن معرفة هذا الموقع بأنني قد زرته من قبل لم يكن لديه أية معلومات أخرى، فأنا لم أسمح له سوى أن يخزن «كعكة» من كعكات الإنترنت الخفيفة داخل جهاز الكومبيوتر الذي أعمل عليه، تلك الكعكات الصغيرة التي يعرفها الانترنتيون باسم «كوكيز».

ما هي الكوكيز؟

«كوكيز» (Cookies)، أو الكعكات إذا جازت الترجمة، نصوص صغيرة يرسلها العديد من مواقع الويب لتخزنها في جهاز من يزور تلك المواقع، ثم تربطها ببرنامج الاستعراض التي تمت من خلاله تلك الزيارات، وعندما تعود لزيارة أيا من هذه المواقع فإن هذه «الكعكة» ستذكر الموقع بك، حيث أنها كانت قد سجلت معلومات تتعلق بك وتتعلق بالموقع نفسه، وأنك زرته واستعرضت صفحاته، وربما أمورا أكثر من ذلك كنت قد سمحت أنت بتزويدها للموقع الذي زرته. ومع أنها جميعا تخزن في ملفات نصية إلا أنه من الصعب عليك أن تفهم محتويات ملفات الكوكيز لو حاولت أن تفتحها.

وتخزن الكوكيز في القرص الصلب في أماكن مختلفة تعتمد على المستعرض نفسه، ففي حين يخزن «نيتسكيب» جميع الكوكيز التي ترتبط به في ملف واحد هو cookies.txt، يخزنها «إنترنت إكسبلورر» بشكل متفرق بحيث يحتل كل منها ملفا خاصا به تخزن جميعها في حافظة واحدة باسم cookies في دليل ويندوز نفسه على القرص الصلب. وتلاحظ في الكوكيز التي تخزن في «إكسبلورر» على سبيل المثال أن أسماءها تضم غالبا اسم صاحب الجهاز والموقع الذي زاره، أما النص الذي في داخل أي من ملفات الكوكيز فلا يمكن فهمه، فهو سلسلة طويلة من الرموز تضم فيما بينها عادة عنوان الموقع الذي قمت بزيارته.

لماذا تستخدم الملفات؟

يختلف كل موقع من مواقع الويب في أسلوب استغلاله لهذه الملفات الصغيرة، فمنها ما يستخدمها لإظهار الصفحات بما يتناسب مع زائرها، خاصة في المواقع التي تطلب معلومات شخصية عن زائرها، كعمره أو بلده أو لغته، ونوع برنامج الاستعراض الذي يستخدمه، وغيرها من المعلومات، بحيث تظهر له الصفحة ومحتوياتها وربما إعلاناتها، بما يتناسب وهذه المعلومات.

كما تعتمد على الكوكيز الشركات التي تسمح بوضع اللافتات الإعلانية في صفحاتها، فعلى سبيل المثال إذا كانت هناك شركة عربية يهمها الإعلان عن منتج يهم العرب فقط، أو حتى سكان دولة عربية معينة، فإنها تفضل أن لا يظهر إعلانها للجميع، بل لزبائنها المفترضين فقط، وبالتالي يمكن للموقع الذي يعتمد على الكوكيز أن يفحص مثلا فيما إذا كان نظام التشغيل الذي يعمل من خلاله المستعرض الذي يستخدم لزيارة ذلك الموقع يدعم اللغة العربية، ليسمح للإعلان المطلوب بالظهور له، وعدا عن ذلك فقد يظهر له إعلانا آخر.

وتتميز الكوكيز بأنها دائمة، إلا إذا قام صاحب الكومبيوتر بحذفها بنفسه، ويعني ذلك أن الموقع الذي تزوره «سيتذكرك» حتى ولو عدت لزيارته بعد أشهر وربما أكثر، وحتى لو أنك قمت بترقية برنامجك لإصدار أحدث أو حتى غيرت مزود الخدمة الذي تتصل من خلاله بالإنترنت.

هل هي خطيرة؟

يمكن أن تستخدم الكوكيز في أمور أكثر تعقيدا مما سبق، كجمع معلومات عن عدد من يزور كل صفحة من صفحات موقع ما، وأسلوب التحرك في الصفحات والتنقل في ما بينها، وأية إعلانات تجذب زائر الصفحة للنقر عليها بماوسه، وبالتالي إعداد تقارير عن هذه التصرفات. إلا أنه يمكن استخدام الكوكيز لسرقة المعلومات المخزنة على القرص الصلب أو حتى الاطلاع عليها، في الوقت الحالي على الأقل (على ذمة منتجي المستعرضات)، خاصة بعد المراجعات العديدة التي تمت على برامج الاستعراض التي كانت تحتوي على ثغرات تسمح بذلك، فهذه الكوكيز لا ترسل إلا المعلومات التي زودت الموقع الذي تتبعه بها، خاصة في المواقع التي تطلب منك أن تملأ نموذجا بمعلوماتك، كاسمك وعنوان بريدك الإلكتروني وما شابه من معلومات. أما سبب شعور الناس بالانزعاج من الكوكيز فيعود لوجود شركات عديدة بدأت تبني قواعد بيانات تجمع فيها كل ما تستطيع جمعه بشكل مباشر أو غير مباشر عن زوارها اعتمادا على الكوكيز، بحيث تصبح هذه الكوكيز أشبه بمؤشرات تعريف تستخدم لاستخراج هذه المعلومات عند الحاجة إليها. ثم المتاجرة بهذه البيانات، من دون إذن أصحاب البيانات، لشركات أخرى تعتمد على هذه البيانات لاستهداف أصحابها بحملات إعلانية. ولذلك يشكو البعض من وجود كوكيز مخزنة في أجهزتهم تخص مواقع لا يتذكرون بأنهم زاروها من قبل، ويفسر ذلك بأنه نتيجة لتعاون الشركات، خاصة التي تعمل في مجال الإعلان، حيث تتفق مع الشركات التي تجمع البيانات باستغلال الكوكيز الموجودة على أجهزة المستخدمين لإرسال معلومات المستخدمين لهذه الشركات كذلك. كما أن هناك أمرا آخر يتسبب بانزعاج البعض، وهو اعتبار استغلال بعض المواقع لهذه الكوكيز لمتابعتهم أثناء زيارتهم لها وتسجيل تحركاتهم فيها نوعا من أنواع انتهاك الخصوصية.

وبالتالي فإن الكوكيز بحد ذاتها ليست خطيرة، فهي مجرد نصوص وليست برمجيات، خاصة أن العديد من المعلومات الرئيسية ترسل من برنامج الاستعراض نفسه بشكل تلقائي وبدون تدخل الكوكيز، مثل نوع البرنامج، ونظام التشغيل الذي يعمل من خلاله وعنوان بروتوكول الإنترنت IP الخاص بالجهاز، مزود الخدمة، نوع معالج الكومبيوتر، بل وفي بعض الأحيان دقة الشاشة.

في العالم العربي قد لا نكون معرضين في العالم العربي حاليا لسلبيات الكوكيز، خاصة أن الدافع التجاري هو الأساس، إلا أن الانفتاح المتزايد على الإنترنت، وإمكانية وصول البضائع التي تمثلها الاعلانات المختلفة للدول العربية، بالإضافة إلى التزايد المتوقع لاعتماد التجارة الإلكترونية في العالم العربي، ورغبة تجار غير عرب باختراق السوق العربية، سيجعل بيانات زوار الإنترنت من العرب، ذات قيمة ستشجع الكثيرين على محاولة الحصول عليها. ولا يمكن نفي أن هناك شركات عربية قد تنبهت منذ فترة ليست بالقصيرة لأهمية تخزين قواعد بيانات عن الناس في البلدان العربية، خاصة تلك التي تتمتع بعدد كبير نسبيا من الزوار. وللعلم فإن قواعد البينات هذه تعتبر من الأسرار شبه العسكرية بالنسبة لهذه المواقع، خاصة لأنها ستصبح مصدر دخل لا بأس به بالنسبة لهم. والسؤال من منكم سيعجبه ذلك؟

كيف تمنع المستعرضات من قبول الكوكيز؟

تتيح لك مستعرضات مواقع الإنترنت، إعدادها بحيث تسمح بمرور الكوكيز أو أن تمنعها أو أن تطلب منها أن تستأذنك قبل أن تدخلها إلى جهازك. ويتميز الإصدار 0.5 فما بعد من «إنترنت إكسبلورر» بإمكانية تحديد ذلك لجميع مواقع الإنترنت، أو لمواقع مختارة، سواء من ناحية المنع أو من ناحية القبول. ويمكن تنفيذ ذلك باختيار الأمر Internet Options من قائمة Tools، ثم اطلب بطاقة Security من النافذة التي ستظهر، أشر على رمز الكرة الأرضية ثم أضغط على زر Custom Level، عندها ستظهر لك قائمة طويلة، انزل فيها إلى الأسفل إلى أن تصل إلى الأمر Cookies، وحدد هناك ما ترغب به، سواء المنع Disable، أو السماح Enable، أو الاستئذان Prompt. اضغط على OK، ثم على Ok مرة أخرى.

أما إذا كان لديك «نيتسكيب كوميونيكاتور» فاذهب إلى الأمر Edit ثم خذ من قائمته Preferences ، ثم اختر Advanced، حيث ستجد على يمينك مجموعة من الخيارات، أشر على ما ترغب منها، سواء Accept بخياريها الشامل أو المحدد، أو Disable للمنع، وهناك طبعا خيار الاستئذان Warn me Before Accepting a cookie. من أين جاءت التسمية؟ جاءت الكلمة «كوكيز» أو الكعكات» من مصطلح Magic Cookies والذي يدل على أحد عناصر نظام التشغيل «يونيكس» التي تتميز بأنها تلتصق بالبرنامج وتتغير حسب المناطق التي يدخل بها هذا البرنامج. وكان أول من كتب مواصفات «كوكيز» كان لوو مونتولي، وكان ذلك في الإصدار الأول من برنامج استعراض الإنترنت «نافيغيتور» الذي كان أول برنامج استخدم هذه التقنية. ويذكر أن مونتولي كان مسؤولا أيضا عن كتابة برنامج لاستعراض الويب اسمه «لينكس»، وعن مبدأ البروكسي في الويب، كما كان من مؤسسي شركة «موزايك» التي تحولت في ما بعد إلى «نيتسكيب»، حيث كان مسؤولا عن العديد من التطورات التي ميزت برامج الاستعراض التي أنتجتها هذه الشركة. عدا عن كونه من المشاركين في وضع أسس ومواصفات «إتش تي أم أل».