تنافس كبير للحصول على أرباح «الشبكة الجوالة»

غوغل تتعاون مع 33 شركة كبرى لتطوير نظام «اندرويد» المفتوح لتشغيلها

(كي آر تي)
TT

التزمت شركتا «أيه تي أند تي» و«فيرزون وايرليس» اخيرا بفكرة اعطاء المستهلكين قدرة اكبر على التحكم بالاجهزة اللاسلكية والتطبيقات التي يستخدمونها مثل البريد الالكتروني وعمليات التنزيل من الشبكة والمشاركة في الصور.

واستعدادا لتحقيق هذه الرغبات قامت هاتان الشركتان لسنوات بدفع الاجهزة اليدوية الرخيصة الممولة جزئيا من اطراف اخرى، لكي تنمي وتعزز اعمالهم في الحقول اللاسلكية، لكنهما قامتا بمعاقبة الزبائن ذاتهم عن طريق فرض مجموعة من القيود على الاجهزة والتطبيقات.

في هذا الوقت تحاول «غوغل» ابلاغ الشركات التي تقدم الخدمات الهاتفية الجوالة كيفية القيام باعمالها اللاسلكية ومعاملة الزبائن.

ولكن من: غوغل؟ التي رغم انها عملاقة في عمليات البحث بالنسبة الى الاجهزة التي توضع على المكاتب، الا انها ما هي سوى اداة اخرى صغيرة في الاجهزة اليدوية الجوالة، «ياهو» مثلا، او البريد الالكتروني، فهي، اي «غوغل»، لا تملك اي خبرة لاسلكية، او حتى وحدة خاصة للعناية بالزبائن.

اذن، هل يبدو ان العالم اللاسلكي بات عالما مجنونا؟ الجواب نعم.

لكن يبدو ان الارباح الكبيرة هي المحرك. ففي الوقت الذي شرعت فيه شبكة الانترنت الجوالة بترسيخ قدمها فان حصة كبيرة من الارباح والعائدات على الشبكة قد تذهب الى القطاع اللاسلكي. وهذا اغراء مالي لجميع اللاعبين من مختلف الاحجام، ابتداء من اولئك الذين يحتضنون التقنيات اللاسلكية مثل «أيه تي أند تي»، الى القادمين الجدد الى العالم اللاسلكي مثل «غوغل».

ولنأخذ في الاعتبار التسوق بواسطة الانترنت، اذ تقدر «جوبيتر ريسيرتش» للابحاث ان المستهلكين انفقوا في موسم اعياد نهاية العام الماضي 39 مليار دولار على مشترياتهم من الشبكة. وكانت حصيلة المشتريات من الشبكة للعام الماضي 2007، 116 مليار دولار. والشركات التي تعرف كيف تحشد الزبائن الذين يبتاعون من الشبكة في وقت مبكر من شأنها جني ارباح كبيرة في وقت لاحق، كما يقول مورغان غيلس المدير التنفيذي لمؤسسة «ليمو فونديشن» وهي مجموعة اقتصادية كرست ذاتها لايجاد نظام تشغيل اساسه «لينوكس» لخدمة الاجهزة الجوالة. «والفرصة هنا مهمة للغاية» كما يقول.

* شبكة جوالة

* والعمليات اللاسلكية في تزايد مستمر طوال الوقت. فسكان العالم يتزايدون بمعدل ثلاثة اشخاص في الثانية الواحدة استنادا الى «إنترناشنال دايتا بايس» الذراع الايمن لدائرة الاحصاء الاميركي. لكن في الثانية ذاتها هذه يجري بيع 38 جهازا لاسلكيا. وبهذا المعدل، وخلال 24 شهرا فقط، سيجري اضافة مليار جهاز اخر الى 2.5 مليار جهاز هي الان قيد التداول.

في هذا الوقت تستمر «الشبكة الجوالة» التي هي مختصر تعبير «تصفح الانترنت بواسطة الاجهزة الجوالة» في النمو. والذي يدفع في هذا الاتجاه هو الطوفان الحاصل في الهواتف الجوالة الذكية والاجهزة اللاسلكية الاخرى التي تجعل من الابحار في الشبكة اثناء التجوال والترحال، عملية غاية في البساطة. وخلال خمس سنوات من الان سيصبح الانترنت اللاسلكي اكبر من الانترنت المكتبي، كما يتوقع راجيف شاند كبير المحللين اللاسلكيين في «روثبيرغ & كومباني» المصرف الاستثماري في سان فرانسيسكو.

ويقول كيفن مارتن رئيس لجنة الاتصالات الاتحادية (إف سي سي) في اميركا، ان الثورة اللاسلكية هي مفيدة للمستهلكين وللولايات المتحدة ككل. ويلاحظ ان مقدمي خدمة النطاق العريض يميلون الى التركيز على المناطق المأهولة بكثافة، بحيث يمكنهم تحقيق الارباح بسرعة. اما المناطق الريفية فقد توجب عليها تدبير امرها بالتي هي احسن لسنوات مع النطاقات العريضة البطيئة. في حين ان بعض الاسواق الصغيرة لا يزال ادارة قرص الهاتف هو الاسلوب الرئيسي لديه للاتصال بالانترنت.

واضاف ان النطاقات العريضة التي اساسها اللاسلكي هي ارخص واكثر فعالية للنشر من النطاقات المكتبية التقليدية وبمقدورها المساعدة على ردم الهوة الفاصلة، كما ان التقنية من شأنها ان توفر للولايات المتحدة الفرصة للقفز الى الامام على صعيد نشر النطاقات العريضة. وكانت «إف سي سي» تحت ادارة مارتن قد دفعت بالصناعة اللاسلكية الى المزيد من الحرية التي يتمتع بها الزبون. ومع وجود هذا الهدف في البال، فهي تتطلب من المشترين في المزادات المقبلة الخاصة بالطيف اللاسلكي، استخدام هذه الحرية لاغراض الشبكات التي تتيح للمستهلكين استخدام اي جهاز او تطبيق.

وقوانين «إف سي سي» تنطبق فقط على الخدمات التي تستخدم مثل هذه الموجات الجديدة التي هي مثالية للنطاقات العريضة اللاسلكية، نظرا الى قدرتها على اختراق الجدران والعوائق الاخرى. وكان هذا الطيف قد اعتمد من قبل الاذاعات التلفزيونية اثناء سعيها للتحول الى البث الرقمي.

ومع ذلك يقول مارتن انها خطوة في الاتجاه الصحيح، «لكون المستهلكين سيجنون الكثير من هذه الفوائد» لا سيما اذا قامت المؤسسات المقدمة للخدمات بتوسيع هذه الحريات لتشمل القطاعات الاخرى من اعمالها واشغالها اللاسلكية، ونأمل ان تسرع هذه المزادات الخاصة بالطيف مثل هذا النوع من التغييرات.

ويقول المستشار كرايغ سيتليس رئيس Successful.com ان التطور اللاسلكي، اذا ما اخذنا في الاعتبار نهجه الحالي، سيترك الزبائن «بخيارات افضل وموثوقية اقوى، فعالمك لن يكون محكوما من قبل الشركات المقدمة للخدمات اللاسلكية، او الشركات الصانعة للاجهزة والعتاد كما هو الوضع الحالي».

ومع توفر مثل هذه الفرص الكثيرة تتسابق الشركات بقوة للحصول على المراكز الاولى في هذا السباق.

* خيار المستهلك

* وبالنسبة الى اعلان «اندرويد» فقد اعلنت «غوغل» في نوفمبر الماضي خططا للعمل مع 33 شركة على نظام تشغيل اساسه «لينوكس» يدعى «اندرويد» خاص بالاجهزة الجوالة. وهدف هذه المجموعة ايجاد خيار للمستهلكين عن طريق تسهيل استخدامهم لأي تطبيق لاسلكي يرغبونه. ودعت «غوغل» المطورين الى كتابة تطبيقات لـ «اندرويد»، وبالتالي جعل ادوات التطوير متوفرة مجانا.

وتقول «تي-موبايل» العضوة في هذا الائتلاف من الشركات انها ستقوم ببيع خدمة اساسها «اندرويد» في اواخر العام الحالي. كما ان اول النماذج الاولية من انتاج «ايه لا موبايل» التي مقرها سان رومان في كاليفورنيا قد جرى كشف النقاب عنه قبل اسبوع.

وعلى الرغم من ان «خيار المستهلك» هو ما ينشده هذا التحالف من الشركات، الا انه له غرض اخر اكثر اهمية بالنسبة الى «غوغل»، كما تقول «جاين زويغ» المديرة التنفيذية لمجموعة «شوستيك غروب»، التي تقوم بتعقب نشاطات الصناعة اللاسلكية. وغرض «غوغل» من ذلك هو بسط نفوذها نحو حياة الاشخاص تحت ستار ان الصناعة اللاسلكية لا تقوم بتأمين البيئة المفتوحة بالنسبة الى التطبيقات، على حد قولها. ويوافق على هذا القول تشارلز غولفن كبير المحللين في الشؤون اللاسلكية في مؤسسة «فوريستر» بقوله «ان الامر يتعلق بحصول «غوغل» على منفذ الى المستهلكين».

ويبدو ان الاعلان عن «اندرويد» قد عزز من مكانة العالم اللاسلكي، فقد سارعت «فيريزون وايرليس» (في زد) التي طالما ابقت الزبائن مقيدين الى الاعلان، عن انها هي الاخرى ستروج مسألة «خيار المستهلك» عن طريق فتح شبكة تصلح لجميع الاجهزة والتطبيقات المتطابقة والمتلائمة.

ويقول لويل ماك ادم المدير التنفيذي لـ«فيريزون وايرليس» ان هذا الاتجاه ليس وراءه «غوغل» بقدر ما هو اغراء الارباح، فقد لاحت فرصة تحقيق نمو اضافي للاعمال التي لم نكن نطرقها قبلا.

اما إيريك شمدت المدير التنفيذي لـ «غوغل» فقد قام اخيرا بدعوة «فيريزون» لكي تنضم الى هذا التحالف وقال «ما زلنا نبحث في المعلومات وقد ادهشنا ذلك حتى الآن، ولكننا لسنا مستعدين بعد للقيام بمثل هذه القفزة. واحد الامور التي تقلق «فيريزون» هي مسألة «خصوصية الزبون». واضاف ان الشيء الذي يرضي اكثر الشركات التي تقدم خدمات الهاتف الجوال في اميركا هي الاعمال التي اساسها الاعلانات التجارية.

وعلى الرغم من ان مستخدمي الكومبيوتر قد تعودوا على قصفهم باستمرار بالاعلانات والبريد المتطفل، الا ان الهواتف الجوالة ظلت تاريخيا بعيدة عن مثل هذه الاساليب والاجراءات.

وهذا ما يشكل مشكلة بالنسبة الى «غوغل» التي يقوم بقاؤها واستمرارها على العائدات المتزايدة من الاعلانات، لان قاعدتها الواسعة من الزبائن شرعت تهاجر الى قطاع اللاسلكيات. وهو قطاع، حيث اساسه التقني لا تأثير له على صعيد الارباح بشكل عام. ولكن عن طريق تسهيل وصول الزبائن اللاسلكيين الى خدماتها عبر نظام «اندرويد» تأمل هذه الشركة التقنية العملاقة بأن تؤمن مستقبلها. وبمقدور «غوغل» تحمل تبعات اختبار نظرياتها الاعلانية في مضمار اللاسلكيات. فهي لا تتعامل مع الزبائن بشكل مباشر، لذلك فهي لا تقلق من شكاوى الزبائن المتذمرين الذين يعترضون على تحويل اجهزتهم اللاسلكية الى لوحات اعلانية متنقلة. لكن «فيريزون» و«إيه تي اند تي» من الناحية الاخرى قد يخسران الكثير. فقد قامت كل منهما بانفاق المليارات لتشييد العلاقات مع الزبائن مع التركيز الشديد على تخفيض عدد الاشخاص الذين يتخلون عن خدماتهم شهريا.

ويقول ماك ادم «عندما تقوم بتشييد صيتك على خبرة موثوق بها، فأنت لا ترغب بمفاجأة الزبائن بأمور لا يرغبونها ولا يتوقعونها. وقد يجادل البعض بأننا نسير ببطء شديد، لكن لدينا ولاء كبيرا لنا من ناحية الزبائن، وقليل منهم يتخلون عن خدماتنا، ونحن راغبون في الاستمرار بذلك».

ويؤيد هذا القول رالف دا لا فيغا الرئيس التنفيذي لقسم الاعمال اللاسلكية في «إيه تي اند تي» بقوله: «نحن نتخذ جانب الزبون للتأكد من عدم تحويل الجهاز اليدوي الى موقع آخر للاعلانات من قبل البريد المتطفل والاشياء الاخرى».

في اي حال فان زبائن الخدمات اللاسلكية التي تقدمها «إيه تي اند تي» يمكنهم الوصول الى «غوغل»، والى اي تطبيق يرغبونه في هواتفهم الجوالة، كما يلاحظ دا لا فيغا. ومثل هذه الحرية هي بفضل تقنية «جي إس إم» في شبكة الشركة المستخدمة قياسيا من قبل 85 في المائة من زبائن الخدمات اللاسلكية في العالم.

من هنا فان دا لا فيغا غير متأكد من كيفية قيام «أندرويد» بمساعدة زبائن «إيه تي اند تي» الذين يربو عددهم عن 67 مليونا، اذ يمكن استخدام اي تطبيق في شبكتنا، بما في ذلك «غوغل» من دون محاولة منع ذلك او مراقبة هذا الاستخدام. ويقول دان اولسشوانغ المدير التنفيذي لـ «جامب تامب» الشركة المبتدئة التي قامت بتطوير محرك للبحث ومنصة اعلانات مرتبطة بها مخصصة للهواتف الجوالة، ان مشكلة «غوغل» الكبرى هي ليس عدم وجود نظام تشغيل مفتوح مخصص للهواتف الجوالة، بل هي حسابات البحث الكومبيوترية الاساسية الخاصة بها وكيفية قيامها بالبحث التي ينبغي عليها ترميمها بشكل جدي، لكي تخدم مستخدمي الهواتف الجوالة.

* نجاح وفشل

* ومثال على ذلك اذا سأل احدهم في عالم الانترنت الجوال «ما هي اقرب محطة بنزين؟» فانه بحاجة الى المعلومات الآن، وليس بحاجة الى 20 الف نتيجة تظهر جميعها معا. ويتوقع اولسشوانغ ان «غوغل» لن تفشل تماما في نهاية المطاف في عالم اللاسلكيات، ولكن لا اعتقد انها ستكون ناجحة كما هي في انترنت المكاتب. ورفضت «غوغل» الاجابة عن كل الاسئلة والاستفهامات، لكن احدى الشركات الاعضاء في هذا التآلف وهي «تي-موبايل» سلطت الضوء على الاستراتيجية التي تتبعها بلسان كبير موظفيها للتطوير كول برودمان الذي قال ان هدف «غوغل» الاساسي في المضمار اللاسلكي هو استخدام «اندرويد» في توجيه الاعلانات بشكل افضل الى الزبائن الذين يستخدمون الخدمات اللاسلكية، بحيث يمكنها من فرض رسوم اعلى على المعلنين. فعن طريق الدمج بين المعلومات الفريدة عن الزبائن من الشبكة، مع المعلومات الاخرى التي يجري جمعها من الاجهزة الجوالة مثل المواقع، تعتقد «غوغل» ان الاستجابات لعمليات البحث تكون اكثر توجيها وتصويبا بالنسبة اليها، وان القيمة التي يمكن العودة بها الى المعلنين تكون اكثر قيمة، كما يقول. لكن من الجانب الايجابي للمستهلكين يقول برودمان ان نظام «اندرويد» لن يقوم بتفضيل «غوغل» على «ياهو» او على اي من محركات البحث المنافسة. وسيكون بمقدور المستهلكين الخروج من كعكات «غوغل» التي تستخدم لتعقب تحركاتهم على الشبكة. كما انه، بغض النظر عما سيحصل مع «اندرويد»، فلن تقوم «تي-موبايل» بتغطية زبائنها او اغراقهم بالاعلانات من «غوغل»، او من اي شركة اخرى على حد قوله. فالهواتف الجوالة هي من الاشياء الخاصة التي تحافظ على الخصوصيات، ولا نرغب في أن تنهمر الاعلانات على المستهلكين مع نتائج اي بحث، استنادا الى برودمان. ويبقى الانتظار ما اذا كان نظام «اندرويد» سيسجل نجاحا كبيرا، او فشلا ذريعا. ولكن بغض النظر عن كل الاشياء المذكورة، هناك الكثير من الوزن، كما تعتقد «تي-موبايل» المعولة على اكبر محرك للبحث في العالم، كما يقول برودمان الذي اختتم حديثه بالقول بالنسبة الينا كان خيارنا ان نكون جزءا من «تحالف غوغل» ونراقب الشيء الكبير الذي يحصل.

* خدمة يو اس ايه توداي ـ خاص بـ «الشرق الأوسط»