انتشار وسائل مراقبة نشاطات الأفراد الشرائية على المواقع الاجتماعية

الرصد التجاري على شبكة الانترنت يخلّ بآداب المعاملة

(كي آر تي)
TT

منذ اكثر من عقد من الزمن والافراد الذين يتصفحون الانترنت باستمرار يرفعون شعار: «نرغب ان نكون احرارا». لكن في اواخر نوفمبر الماضي اكتشف موقع «فايسبوك» الاجتماعي ان اغلبية اعضائه الـ 58 مليون شخص لا يشعرون هكذا. ففي مثل هذه المواقع الاجتماعية بمقدور الاشخاص تبادل الصور والرسائل والمعلومات مع الاشخاص الذين يعرفونهم و«اصدقاء» هؤلاء الذين لا يعرفونهم. لقد نما موقع «فايسبوك» في الحجم والضخامة والغنى بحيث باتت قيمته تقدر بنحو 15 مليار دولار، ومن القدرة على الاستقطاب والجاذبية بحيث بات يوفر لمستخدميه اساليب جديدة لتبادل المعلومات والاخبار الشخصية الحميمة بين الاشخاص الذين يودون بعضهم بعضا. وفي اوائل نوفمبر الماضي اطلق مارك زغربيرغ المدير التنفيذي لـ «فايسبوك» البالغ من العمر 23 سنة برنامجا اعلانيا يدعى «بايكون» الذي يقوم بتتبع المستخدمين الى مواقع شركاء «فايسبوك» التجاريين مثل كوكاكولا، و«إن. بي. إيه». ونيويورك تايمز و«فيريزون» وغيرها، وبالتالي ابلاغهم ماذا يشترون هناك ويفعلون؟

لكن جرى التمادي بهذا الامر بعض الشيء. فقد اشترى شخص من ولاية مساتشوسيتس خاتما ماسيا لزوجته بمناسبة اعياد نهاية العام من overstock.com ليرى بعد ذلك ان ما اشتراه بسعر متهاود قد جرى الاعلان عنه الى 720 شخصا في شبكته على الانترنت. ولنفترض جدلا انه لم يشتر هذا الخاتم لزوجته بل لغيرها؟ ولنفترض انه اشترى دهونا لمعالجة حب الشباب؟ او مجلة خلاعية؟ او حتى باروكة للشعر؟ او غيرها ولا يحب الاعلان عنها. لقد وجد الباحثون في «كومبيوتر أسوشييت» المؤسسة التي تتخصص في تقنية المعلومات ان «بايكون» باتت اكثر حشرية وتوسعا مما هو معلن عنه. من هنا شرعت MoveOn.org في جمع تواقيع 75 الفا من مشتركي «فايسبوك» لرفع عريضة ضد «بايكون».

إشهار أم تشهير

* لقد قام «فايسبوك» بتصميم «بايكون» بحيث يمكن للاعضاء الخروج من رقابته عن طريق النقر على نافذة تظهر فجأة. لكن هذه النوافذ هي من الصعب رؤيتها، لانها تختفي بسرعة بلمحة البصر، فاذا لم تكن سريعا بما فيه الكفاية فان مشترياتك سيجري اعلانها للعالم كله، او على الاقل لشبكتك. ولكون الناس يكونون راغبين احيانا ان يكونوا احرارا، فان المحبذين لهذه الحرية يلحون ان تقوم «بايكون» بوضع برنامج للقبول، بحيث يوافق الاعضاء بوضوح بموجبه في الاشتراك به ام لا للاعلان عن مشترياتهم ونشاطاتهم. وفي اوائل الشهر الماضي وافقت «فايسبوك» على مثل هذا المسعى.

وفشل «بايكون» هذا من شأنه ان يقدم ملامح عما ستبدو عليه النزاعات المستقبلية على الانترنت. فسواء كان الخيار للاشتراك ام لا في عمليات الرصد هذه، فانه سيكون له تأثير كبير على كيفية استخدام الناس لهذا الامر. فالذي يتحكم بـ«خيار الامر الساري، او المعمول به» default، اي الاسلوب الذي يعمل بموجبه البرنامج اذا لم تقم بتعديله، يكون هو صاحب الامر والنهي. وعلى صعيد الشبكة يكون الامر مغريا لتفادي الحصول على الموافقة في الامور التي تتطلب ذلك. ومثل هذا الاغراء يكون قويا عادة في امور الخصوصيات. خرق الخصوصيات

* على سبيل المثال فان «خيار الامر الساري، او المعمول به» في العصر الذي سبق الانترنت، هو انه من الخطأ قراءة بريد الآخرين. لكن «غوغل» تقوم اليوم بتفحص كل حرف في بريد المشتركين في خدمتها «جي مايل» املا في امطارهم بالاعلانات بشكل افضل. في حين تقوم وكالة الامن القومي «إن. إس. إيه» بالبحث عن الارهابيين، لا بالاسلوب التقليدي فحسب، عن طريق الحصول على تفويض لمراقبة خطوط الافراد والجماعات، بل عن طريق تجميع كميات كبيرة من المعلومات عنهم ايضا عن طريق اتصالاتهم. وهكذا الامر بالنسبة الى «بايكون» من «فايسبوك». لقد كنا نعيش في عالم عندما كان احدهم يتتبعك ويلاحقك سرا من مخزن الى آخر لتسجيل مشترياتك، كان الامر يعتبر عملا مخالفا للأدب، ان لم يكن عملا غريبا شائنا. اما اليوم فان مثل هذا الخيار يمكن اعادة تحديده وتعريفه على انه سلوك «حسب الامر الساري، ما لم يطلب عكس ذلك». والسؤال هنا: لماذا يحصل ذلك؟ ان سمعة الفرد وصيته يفوقان اي شيء، ولا بد من قلب هذه المعادلة، وشطب هذا الخيار ووقف اي عمليات للرصد.

وبالنسبة الى مالكي مواقع الشبكات الاجتماعية فقد يكون ذلك ثمنا جديرا بتسديده. فبفضل تقنيات جمع المعلومات فإن خيارات التبضع وما هو مفضل منها، لها قيمتها. والذي يملك مثل هذه الخيارات حسب المنطق الشائع هو انت. فاذا رغبت شركة ما في استخدامك للاعلان عن منتجاتها بمقدورها ان تدفع لك تماما مثلما تفعل شركة «نايك» مع تايغر وود احد ابطال الغولف. والفكرة هنا ان ما تفضله، واي خيارات اخرى تملكها بالنسبة الى المنتجات (وحتى حديثك عنها) هي ملكك الخاص حسب العقد الواضح ضمنيا والمعمول به على الصعيد الاجتماعي. والاشخاص الذين يحاولون الاخلال بهذا العقد واستغلاله لمصلحتهم غالبا ما يجنون ثروات طائلة.

والفكرة حول «العقود الضمنية» جرى تطويرها في ورقة عام 1988 الشهيرة التي تقدم بها الاقتصاديان اندريه شليفر ولورانس سمرس. وكان موضوعهما الاستيلاء العدواني على الشركات الاخرى، والذي يبدو بعيدا كل البعد عن الخصوصية في الفضاء المعلوماتي. ولكن ليس كذلك ابدا. فقد اظهر هذان الاقتصاديان ان الزيادة في اسعار الحصص والاسهم التي تعقب عادة مثل عمليات الاستحواذ هذه ليس مردها الى زيادة الفعالية والكفاءة، كما يزعم عادة المدافعون عن عمليات الاستحواذ هذه. فهذه الزيادة ليس مصدرها الارباح بقدر ما هي ناجمة عن النكث بالعقود الضمنية بالقول بان الامور قد تتحسن في المستقبل. واذا لم تتحسن، فان بمقدور الشركات الشارية، او المستحوذة القول ببساطة «اننا لم نتعهد بشيء، ولم نقدم اي وعود او ضمانات».

وفي الوقت الذي تنتقل فيه التجارة والاعمال من الشارع الرئيسي الى الشبكة، فان الكثير من رجال الاعمال هم في مثل هذا الموقع. فهم مستعدون لكل انواع الاعمال والعمليات، ويبحثون عن اساليب جديدة للحصول على الاموال عن طريق التجارب والاخطاء. وهم في بعض الحالات يضيفون قيمة الى الاقتصاد حتى عن طريق الاخلال بالعقود الضمنية المعمول بها اجتماعيا. وما يهمهم هنا هو الارباح ليس الا.