برامج رصد حديثة للحماية من النسخ

صراع متواصل بين شركات البرمجة والقراصنة.. يدفع المستخدم ثمنه

برامج حماية صارمة ضد نسخ الأقراص
TT

تدور منذ عدة عقود حرب خفية بين شركات البرمجة واستوديوهات الموسيقى والأفلام ضد قراصنة العالم، إذ إن القراصنة يريدون نسخ كل شيء يصل إلى أيديهم، بينما تريد الشركات الحفاظ على حقوقها وبيع اكبر كمية ممكنة. ومع تفاقم الصراع هذا، تطورت سبل الحماية ووصلت إلى مستويات أصبحت فيها عبارة عن إزعاج مستمر وخرق لخصوصيات المستخدمين وتهديد لأمان كومبيوتراتهم.

ومن أكثر مشاكل الحماية شهرة التي ارتدت عكسيا على الشركات، قيام شركة «سوني» بوضع برامج حماية على أقراص الموسيقى الليزرية، تنسخ نفسها على كومبيوتر المستخدم عند تشغيل القرص الليزري، ومن دون علمه، وذلك لمنع المستخدم من نسخ محتوى القرص. لكن هذه العملية جلبت معها ثغرات أمنية خطيرة هددت كومبيوترات المستخدمين، مثل قدرة العديد من الفيروسات على إصابة الكومبيوترات التي تحتوي على هذه البرامج، الأمر الذي أجبر الشركة على استرداد جميع الأقراص واستبدالها بأخرى لا تحتوي على برامج الحماية، بالإضافة إلى طرح الشركة برنامجا منفصلا يزيل برنامج الحماية من الكومبيوترات «المصابة».

تجدر الإشارة إلى أن الكثير من المستخدمين لجأوا إلى القانون بعد غضبهم من استخدام الشركة لهذه الطريقة الخفية، الأمر الذي تُرجم في النهاية على شكل تخلي «سوني» عن جميع أساليب حماية الأقراص من النسخ، بل جعل الشركة تبيع موسيقاها على شكل ملفات «إم بي 3» سهلة النسخ على الإنترنت (عبر خدمة «أمازون»).

ولا يخلو عالم الألعاب الإلكترونية من هذه البرامج، حيث أعلنت شركة «إلكترونيك آرتس» الشهر الماضي، عن عزمها طرح نظام حماية جديد في لعبة «ماس إيفيكت» Mass Effect على الكومبيوترات الشخصية، يطلب من المستخدم تأكيد شرائه للنسخة الأصلية كل أسبوع، والاتصال عبر الإنترنت بأجهزة الشركة للتأكد من ذلك، وإلا فإن اللعبة ستتوقف عن العمل. واستشاط اللاعبون غضبا بعد معرفتهم لهذه الآلية المزعجة، وامتلأ بريد الشركة بالشكاوى والتهديدات بمقاطعة اللعبة وعدم شرائها، الأمر الذي أجبر الشركة على ترك هذه الطريقة «الجديدة» لضمان حقوقها، عوضا عن دخول اسمها في تاريخ العالم الرقمي بصورة سلبية.

* تاريخ الحماية

* يعود تاريخ نظم الحماية المختلفة إلى أول أيام الكومبيوترات الشخصية، حيث كانت البرامج توزع على شكل دارات إلكترونية Cartridge (قبل ظهور الأقراص المرنة المغناطيسية Floppy Disk)، التي يتطلب نسخها معرفة تقنية في هندسة الإلكترونيات، بالإضافة إلى الحاجة إلى أجهزة متخصصة في قراءة هذه الدارات وكتابة المعلومات الموجودة فيها على دارات فارغة. وحتى لو تمكن القراصنة من شراء الآلات المذكورة ونسخ البرامج، فإن انتشار النسخ المقرصنة كان محصورا، نظرا لعدم وجود وسيلة توزيع سريعة (مثل الإنترنت).

لكن هذا الأمر اختلف عند طرح الأقراص المغناطيسية، إذ إن نسخ المعلومات أصبح سهلا جدا وبمقدور جميع مستخدمي الكومبيوترات، ومن دون التأثير في محتوى المعلومات أثناء عملية النسخ. هذا الأمر سهل على المبرمجين الحصول على المعلومات ودمجها في برامجهم، أو طرح أقراص إضافية لتحديث برامجهم. إلا أن جيلا جديدا من المستخدمين بدأ بمحاولات النسخ ونشر البرامج والألعاب، خصوصا أن أسعار الأقراص الفارغة لم تكن مرتفعة.

وبدأت مشاريع بدائية لتنظيم عملية النسخ بعد الثغرات الأمنية التي حصلت، مثل ثقب الأقراص في أماكن محددة والتعرف عليها بواسطة سواقة الأقراص، أو تعديل محتوى الأقراص بعد تشغيلها لأول مرة وجعلها لا تعمل بعد تثبيتها على الجهاز، بالإضافة إلى سؤال البرنامج عند تشغيله للمستخدم عن كلمات موجودة في كتيب الإرشادات (يجب تصوير الكتيب وإرفاقه مع كل نسخة)، وغيرها من الطرق المختلفة. وكان بعض الألعاب الإلكترونية ترفع من مستوى الصعوبة فيها مع كل محاولة فاشلة لإدخال المعلومات الأمنية، لدرجة أن اللعبة تصبح فيها مستحيلة ولا يمكن إتمامها. إلا أن القراصنة كانوا دائما يستطيعون تجاوز هذه العقبات، وتطوير أدواتهم وجهودهم الإبداعية والسلبية. ويمكن تسمية هذه الفترة بفترة الحماية غير المتصلة بالإنترنت Offline Protection.

وازدهرت في هذه الفترة جهود المبرمجين والقراصنة، لكن كلفة البرمجة ارتفعت بشكل كبير، الأمر الذي جعل الخسائر الناجمة عن القرصنة مهمة وتؤخذ في عين الاعتبار. وتزامنت هذه الفترة مع طرح الأقراص الليزرية بشكل تجاري. وأراح هذا الأمر الشركات بشكل كبير، حيث إن ناسخات الأقراص كانت مكلفة جدا، وليس بمقدور أي شخص أن يشتريها، بالإضافة إلى أن أسعار الأقراص الفارغة كانت مرتفعة.

لكن هذه الأمور اختلفت مع مرور الزمن، حيث انخفضت الأسعار وانتشرت الناسخات، ليعود كابوس القرصنة يهدد أعمال شركات البرمجة. واضطرت الشركات إلى اللجوء إلى حلول تقنية مرة أخرى لحماية منتوجاتها، مثل كتابة معلومات خاطئة عن القرص على القرص نفسه، الأمر الذي جعل الناسخات ترفض نسخ القرص. لكن القراصنة طوروا البرامج التي تنسخ المعلومات كما هي، حتى لو كانت خاطئة Raw Reading/Writing.

وتحولت الشركات بعد ذلك إلى برامج أكثر تطورا، مثل «سيف ديسك» SafeDisc و«سيكيوروم» SecuROM التي لا تسمح للقرص بالعمل إن كان منسوخا. لكن هذه البرامج أدخلت الشركات في عالم خطير، وقدمتها إلى مشاكل تقنية لم تكن في الحسبان، مثل عدم توافق الأقراص المحمية مع جميع السواقات الليزرية أو برامج الحماية من الفيروسات التي ظن بعضها أن هذه البرامج هي فيروس يحاول اختراق أمن الكومبيوتر، وأوقفها عن العمل (وأوقف البرامج أيضا). ومن نظم الحماية الفعالة (والمزعجة) نظام «ستارفورس» StarForce، الذي يصعب اختراقه، لكن تصعب إزالته من الكومبيوتر بعد إزالة البرنامج. وأدى هذا الأمر إلى ابتعاد المستهلكين الذين لا يريدون قرصنة البرامج والألعاب عن منتجات الشركة التي تقدم نظام الحماية المذكور، وذلك بسبب استيائهم من انخفاض مستوى أداء أجهزتهم بعد تثبيت البرنامج.

* عصر الإنترنت

* وجلبت شبكة الإنترنت جيلا جديدا من القراصنة الذين استطاعوا التحادث مع بعضهم بعضا وتبادل الخبرات حول كيفية فك حماية البرامج المختلفة، ووزعوا العمل بينهم لتقليل الوقت، ولكي لا يعمل اثنان منهم على فك الجزء نفسه من نظام الحماية. واستطاعت مجموعات أخرى نشر البرامج المنسوخة عبر الإنترنت وشرح كيفية فك حمايتها عن طريق تحميل برامج صغيرة Crack من صنعهم وتشغيلها على أجهزة المستخدمين. إلا أن بعض القراصنة استغلوا الأمر لتحقيق أطماعهم، وأضافوا فيروسات وبرامج تستعبد كومبيوترات المستخدمين الذين يحملون برامج فكّ الحماية، الأمر الذي عرض أجهزة المستخدمين إلى الخطر.

وتوجهت بعض شركات البرمجة إلى استخدام أسلوب التأكد من نسخة المستخدم عبر الإنترنت، حيث إن البرنامج أو اللعبة سيتأكد من أن النسخة المستخدمة أصلية ومسجلة عبر أجهزة الشركة المركزية. وقررت بعض الشركات السماح للمستخدم بتثبيت البرنامج مرة واحدة على كومبيوتره، وإرسال تأكيد آلي بأن العملية تمت بنجاح، لتُمنع بعدها أي محاولة تثبيت أخرى. ويمكن للمستخدم إزالة البرنامج في وقت لاحق، الأمر الذي سيرسل رسالة إلكترونية مخفية إلى أجهزة الشركة المركزية للسماح للمستخدم بتثبيت البرنامج مرة أخرى. لكن بعض المستخدمين عانوا من مشاكل تقنية بعد تثبيت برامجهم (مشاكل غير مرتبطة بالبرنامج المحمي) اضطرتهم إلى مسح محتوى القرص الصلب كله من دون إزالة البرنامج المحمي (مثل تعطل نظام التشغيل وتوقفه عن العمل)، الأمر الذي جعلهم يريدون تثبيت البرنامج مرة أخرى، لكن من دون أن تسمح لهم الشركة بذلك، نظرا لأنهم لم يزيلوا البرنامج بالطريقة المفترضة. وغضب الكثير من المستخدمين لأنهم اشتروا نسخا أصلية لا يستطيعون استخدامها لأسباب أمنية غير مرتبطة بهم.

* وسائل رصد حديثة

* ومن الطرق الحديثة لتقفي أثر البرامج المنسوخة تقديم تحديثات كثيرة للبرامج التي تُجبر المستخدم على تحميلها، لتكتشف هذه التحديثات إن كان البرنامج المستخدم منسوخا أم لا. وكمثال على ذلك، فإن خدمة «إكس بوكس لايف» Xbox Live التابعة لشركة «مايكروسوفت» تطلب من المستخدم تحديث برمجة جهاز الألعاب «إكس بوكس 360» بشكل متكرر. وتستطيع هذه التحديثات معرفة إن كان المستخدم يلعب بلعبة مقرصنة أم لا، وتمنع جهازه من الدخول إلى الإنترنت إن كان يستخدم ألعابا منسوخة أو إن عدل برمجة الجهاز الداخلية، وذلك لمخالفته شروط الخدمة.

ولا يمكن السماح للجهاز بالدخول إلى الإنترنت بعد ذلك إلا بتغيير دارات إلكترونية داخلية وباستخدام أجهزة مكلفة. وحتى لو طور القراصنة طريقة تتجاوز نظام كشف النسخ، فإن الشركة ستطور تحديثا جديدا (بعد فترة) يستطيع تجاوز طريقة القراصنة، وهكذا.

أما شركة «سوني»، فقد استخدمت وسيلة حماية فعالة (لغاية الآن)، حيث إنها طورت تقنية أقراص «بلو راي» التي تحتاج إلى سواقة خاصة لقراءة المعلومات من الأقراص. ووضعت الشركة الأفلام والألعاب على هذه الأقراص وجعلتها الوسط المستقبلي للأفلام عالية الوضوح والألعاب المتطورة على جهاز «بلايستيشن 3». تجدر الإشارة إلى أن ناسخات هذه الأقراص مكلفة، وأسعار الأقراص الفارغة تقارب سعر الفيلم واللعبة الأصلي، بالإضافة إلى أن تحميل المحتوى الضخم من الإنترنت (سعة القرص الواحد تصل إلى 50 غيغابايت) يحتاج إلى وقت كثير جدا، وسرعة اتصال عالية. هذه الوسيلة فعالة في هذه الفترة فقط، وستفقد قدرتها على الحماية بعد انخفاض أسعار الناسخات والأقراص الفارغة.

* الموسيقى والأفلام الرقمية

* ولعل الموسيقى والأفلام الرقمية هي الأكثر قرصنة عبر الإنترنت، حيث يستمع الجميع إلى الموسيقى ويشاهدون الأفلام، بالإضافة إلى أن حجم الملفات الموسيقية صغير ويمكن تحميله من الإنترنت بسرعة، أما تحميل الأفلام من الإنترنت فيأخذ بضع ساعات فقط. وطورت الشركات وسائل متنوعة لحماية هذه الملفات، مثل نظم «إدارة الحقوق الرقمية» Digital Rights Management DRM، التي لا تسمح إلا بتشغيل الملف بعد دفع ثمنه، أو تشغيله لعدد محدود من المرات. واستفاد قطاع تأجير الأفلام الرقمية بشكل كبير من هذه الخدمة، حيث إنه يضيف معلومات مشفرة إلى ملف الفيلم، تسمح له بالعمل لفترة زمنية محدودة، ومن ثم تجعله غير صالح للعمل، وبيع هذه الملفات بأسعار رخيصة. وانتشرت مواقع كثيرة متخصصة بتأجير هذه الأفلام، مثل «أمازون» و«فودو» Vudu و«آي تونز ستور» iTunes Store و«فونغو» Vongo وغيرها من المواقع الأخرى.

وطورت استوديوهات الموسيقى، بالتعاون مع شركات تقنية، أنواعا من الملفات الجديدة تضمن حماية الأغاني من النسخ، مثل «دبليو إم إيه» WMA و«إيه إيه سي» AAC التي تمنع تشغيل الملفات إلا بعد شرائها. لكن جميع استوديوهات وشركات إنتاج الموسيقى تخلت عن نظم الحماية هذه بعد إعلان «ستيف جوبز»، المدير التنفيذي والمؤسس لشركة «آبل»، في بداية هذا العام عزم شركته بيع نسخ غير محمية من جميع ملفات الموسيقى الموجودة لديها، وبيعها بشكل عادي للمستهلكين.