تقنية «الندّ للندّ» تجمّع الملفات الكبيرة من الأطراف البعيدة

تسهل تنزيل مقاطع الفيديوهات مباشرة بدلا من استخدام الخادمات عالية الكلفة

(كي آر تي)
TT

تقنية الند الى الند، او الطرف الى الطرف (P2P) Peer-to-Peer تلقت الضربات منذ سنوات. لكن مجموعة من الشركات المزودة لخدمة الانترنت وعلى رأسها «فيريزون كوميونيكيشنس» تعمل على تسخير هذه التقنية لتقليل «الزحام» في حركة المعلومات وتدفقها على شبكة الانترنت، وتسريع انزال الفيديوهات من الشبكة.

ومنذ ايام شبكات المشاركة بالملفات مثل «نابستر» التي أتاحت للاشخاص تبادل الاغنيات المخزنة على الاقراص الصلبة في كومبيوتراتهم مع الآخرين على الانترنت، ظلت تقنية «الند الى الند» موضوعا للهجوم في الاعلام، كما ان قطاع التسلية ندد بها كأداة للقرصنة، واخيرا قامت الشركات المزودة لخدمات الانترنت ISP بوضع الملامة عليها لقيامها بخنق شبكاتها. وكانت هذه التقنية التي جرى تطويرها في الاصل لخدمة مجموعات الابحاث للمشاركة في الملفات الكبيرة عبر الانترنت، قد شرع باستخدامها بشكل متزايد من قبل خدمات توزيع الفيديوهات الشرعية مثل خدمات مشغل «آي بلاير» من «بي بي سي»، وخدمة «سكايب» التي توفر تطبيقات نقل الصوت عبر بروتوكول الانترنت وغيرها من الخدمات. ومع قيام المزيد من التطبيقات التي تتطلب نطاقات عريضة مثل الفيديوهات التي شرعت تشق طريقها الى الشبكة فان تقنية «الند الى الند»، او الطرف الى الطرف، او P2P كما يحلو للبعض ان يدعوها كاسم شائع، باتت مرشحة للاستخدام على نطاق اوسع. وهذا يعني ان على مزودي خدمة الانترنت ومالكي المحتوى، العثور على اساليب للعمل مع تقنية P2P القوية، سواء شاءت او ابت، هذا ان رغبت في البقاء والاستمرار.

* مشاركة مباشرة بالملفات

* وتقول سينثيا برومفيلد رئيسة «ميردينغ ميديا دايناميكس» لاستشارات الاسواق التي نشرت تقريرا عن اسواق P2P اخيرا «ان هذه التقنية قد دخلت المعترك الاساسي للانترنت». واضافت «يجري استخدام التقنية من قبل الشركات الكبيرة والصغيرة لاغراض تجارية مشروعة وسبب مفيد. وهي تقنية توزيع فعالة جدا، لكن يتوجب ادارتها، وهذا ما ينبغي القيام به». وللخروج بحل قامت شركتا «فيريزون كوميونيكيشنس» و«باندو نيتوركس» المزودتان لتقنية P2P بتوحيد جهودهما في العام الماضي مع باحثين في جامعة ييل الاميركية للخروج باسلوب لاستخدام تقنية المشاركة بالملفات على افضل وجه. وشكلت هاتان الشركتان، والجامعة، مجموعة «بي 4 بي وركينغ غروب» P4PWG ضمن جمعية توزيع الصناعة الكومبيوترية DCIA. وقامت هذه المجموعة بضم تسعة اعضاء جدد الى الهدف هذا الذي تعمل من اجله شملت شركات كبرى للهاتف مثل «إيه تي & تي» و«تيليفونيكا» وشركات تقنية كبرى مثل «سيسكو سيستمس» و«فيريساين». وعن طريق استخدام معلومات الاشتراك الاساسية من الشركات المزودة ISP يزعم الباحثون انهم طوروا حلا يمكن ان يخفض استهلاك عرض نطاقات تقنية P2P الخاصة بمزودي الخدمة على شبكاتهم بنسبة 60 في المائة، في الوقت الذي يسرعون فيه ايضا عملية تنزيل P2P بنسبة الثلث. وشرعت «فيريزون» و«باندو» هذا الشهر باختبار النظام الجديد على شبكة حقيقية في الولايات المتحدة. وتنوي كل من «إيه تي & تي» و«تيليفونيكا»، مزودة خدمة الانترنت الاسبانية، القيام باختبارات في هذا المجال.

وكان مزودو خدمة النطاق العريض لا سيما مشغلي الكوابل قد اشتكوا من ان حركة P2P تستهلك الكثير من شبكاتهم. وقالوا ان استخدام P2P الذي يقوم بتجميع وتركيب ملفات معلومات كبيرة مثل الفيديوهات عن طريق طلب شذرات قليلة من المحتوى (المضمون) من جميع الاطراف في الشبكة، من شأنه شل شبكاتهم.

ونتيجة لذلك شرعوا في انخاذ تدبير معين. وفي العام الماضي قامت «كامكاست» اكبر مشغل للكابلات في الولايات المتحدة باغلاق تطبيق P2P المدعو «بت تورينت» في شبكاتها. لكنها انكرت انها اغلقت حركة السير، بل اقرت انها ابطأت حركة رزم «بت تورينت» في مسعى لادارة شبكتها بشكل افضل. غير ان المشتركين الذين لم يرضهم هذا الحل المفروض بالقوة، استشاطوا غضبا، ورفعوا شكوى الى لجنة الاتصالات الاتحادية FCC في اميركا التي تقوم حاليا بالتحقيق في اجراءات الشركة المذكورة.

وتقوم شركات اخرى مزودة للخدمة باتخاذ اجراءات ايضا. وتقول «إيه تي & تي» انها تقوم حاليا باختبار تقنية ترشيح المحتوى للتعرف على المواد ذات حقوق النشر والتوزيع، لتخفيض حركة P2P. في حين تقول «تايم ورنركايبل» ثاني اكبر مشغل للكابلات في الولايات المتحدة، انها تجرب مع نموذج جديد بحيث يجري قياس الاستخدامات الثقيلة لعرض النطاقات لتخفيض استخدامات P2P. ويقول اليكس ديودلي الناطق الرسمي لـ«تايم ورنر» ان «حركة P2P هي مشكلة كبيرة بالنسبة الى شبكتنا، لكن الاهم من ذلك كله فانها قد تشكل ازعاجا لزبائننا نظرا لانها تبطئ خدماتهم. واذا كان القليل منهم يستخدمون قدرا غير اعتيادي من عرض النطاقات عليهم تسديد اجر ذلك».

* تقنية «الندّ للندّ»

* والسبب ان P2P هي مشكلة كبيرة لبعض مزودي الخدمة، هو انهم لم يصمموا شبكاتهم للسماح بنقل كميات كبيرة من المعلومات، سواء في التنزيل او التحميل. وتعمل تطبيقات P2P عن طريق تفعيل الملفات الموزعة في جميع ارجاء الشبكة. لذلك وبدلا من قيام مشتركي النطاق العريض بتنزيل فيلم سينمائي من خادم مركزي، يستدعي تطبيق P2P تنزيل اجزاء وقطع من الفيلم السينمائي من «الاطراف» المختلفة في الشبكة أي من الجهات التي قامت سلفا بتنزيل الفيلم ذاته. ونموذج التوزيع هذا هو اكثر فعالية واقتصادا على صعيد الكلفة لتوزيع ملفات كبيرة، من الاسلوب العادي الذي يعتمد على الخادم التقليدي. لكنه، اي النموذج الاول، يتطلب من المستخدمين وصلات تنزيل وتحميل عالية السرعة.

وشبكات النطاق العريض اليوم، وشبكات الكوابل العريضة النطاق بشكل خاص، مصممة لتوفير الكثير من السعة في التنزيل مقارنة بالتحميل. ومثال على ذلك تقوم «تايم ورنر كايبل» بتسويق خدمة نطاق عريض تتيح تنزيلا يصل الى 10 ميغابت في الثانية، لكن سرعة التحميل لا تتعدى الـ 512 كيلوبت في الثانية. وبالمقابل فان «فيريزون» التي تقوم حاليا بنشر الياف ضوئية مباشرة الى منازل المستخدمين تقدم خدمة تنزيل تبلغ 15 ميغابت في الثانية، وخدمة تحميل تبلغ 2 ميغابت في الثانية. وبغض النظر ما اذا كانت البنية الاساسية قادرة على دعم حركة P2P، فان ابواب الطوفان قد فتحت على مصراعيها الآن ولا نظن انها ستغلق ابدا.

وهذا ينطبق على المزيد من الفيديوهات التي باتت موجودة على الشبكة. ونظرا الى ان P2P تقوم بتفعيل «الاطراف» في الشبكة بغية استضافة قطع من المحتوى، فان شركات الوسائط وخدمات توزيع الفيديو ليست بحاجة الى انفاق ملايين من الدولارات على تشييد مزارعها من الخادمات وبنيتها الاساسية العالية السرعة.

ويقول دوغ باسكو الذي يمثل «فيريزون» في مجموعة «بي 4 بي» ورئيسها المشارك، ان «P2P تتيح تسليم المحتوى (المضمون) الذي قد يكون عالي الكلفة لو جرى تسليمه عبر الانترنت، كالفيديو العالي الوضوح. من هنا فان P2P تخفض الكلفة وتسهل الامور قليلا، وهذا يعني انه لو اراد شخص قابع في مرآب السيارات في منزله انتاج الافلام السينمائية وتوزيعها، فانه بمقدوره ان يفعل ذلك تماما مثل الستوديوهات الكبيرة». وبسبب الطبيعة الاقتصادية لـ P2P فان شركات وسائط كبيرة مثل «نيوز كورب» و«بي بي سي» و«إن بي سي يونيفيرسال» تستخدم هذه التقنية لتوزيع محتوى فيديوهاتها. كما انه نظرا الى الطبيعة الاقتصادية فانها، اي هذه التقنية، تمكن ايضا مجموعة من الشركات الجديدة مثل «جوست» و«فيوز» الى دخول سوق توزيع الفيديو. كذلك فانها تقدم بعض التوفير الى الشركات المزودة لخدمات الانترنيت.

وتقول مارتي لافيرتي المديرة التنفيذية لشركة «دي سي آي إيه» في حديث لمجلة «سي نت» الالكترونية «ان P2P تتبع الاقتصاديات ذاتها لدى انشاء الشبكات الاذاعية. ففي النموذج الاذاعي يجري انفاق المال ذاته لتسليم الفيديو، سواء كان هناك مشاهد واحد، او 20 مليون مشاهد. لكن في الانترنت فان كل وحدة بت من المعلومات تكلف مشغل الشبكة مالا. في حين ان P2P تتيح تنزيل الملف مرة ليتشارك به العديد من الاشخاص مرات عديدة. وفي الواقع يصبح التوزيع افضل واكثر كفاءة مع تزايد الناس الطالبين لهذا الملف».

* «ذكاء شبكي»

* ومثل هذه الامكانية لاستخدام الشبكة بصورة اكثر فعالية هي التي اثارت في البداية اهتمام مهندسي «فيريزون». وتدرس الشركة حتى استخدام P2P في علبها التي توضع فوق اجهزة التلفزيون لتحسين فعالية توزيع الافلام حسب الطلب على حد قول «باسكو» من «فيريزون». وعلى الرغم من ان P2P في شكلها الحالي تقدم بعض الفوائد لمزودي الخدمة، الا ان باسكو يقول ان البروتوكول هذا يمكن تهذيبه وصقله ليعمل بفعالية اكبر. واليوم غالبا ما تسافر حركة P2P مسافات طويلة غير ضرورية حتى تصل الى وجهتها. ومثال على ذلك ان كان احدهم في نيويورك مثلا يقوم بتنزيل حلقة ما فقد يحصل على جزء من الملف من طرف في سنغافورة، حتى ولو كانت هناك اطراف اخرى تحتفظ بالملف ذاته في الشارع القريب. من هنا فان الحل هو اضافة ذكاء شبكي الى عملية الاتصال بالاطراف بحيث يمكن لتطبيق P2P ان يتخذ قرارات ذكية بشأن الاماكن التي يحصل منها على المحتوى (المضمون). واذا استطاعت خدمة P2P ان تستوعب كيفية طلب الملفات من الاطراف القريبة، بدلا من الحصول عليها من الاماكن والمناطق البعيدة، فان هذا من شأنه ان يوفر الكثير من المصادر على حد قول باسكو. «فكل «بت» من المعلومات التي تعبر او تمر عبر الوصلات تكلف شيئا، خاصة البعيد منها، في الوقت الذي يمكن الحصول عليها من المصادر القريبة بدلا من سنغافورة او تايوان»، كما يقول.