«الواقع ـ إكس».. نظام مصمم لدمج العوالم الافتراضية والحقيقية

فوائده كثيرة منها مراقبة المصانع وأجهزتها عن بعد

«أم سي تي»
TT

تبقى العوالم الافتراضية مثل "الحياة الثانية" بالنسبة الى السواد الاعظم من مستخدمي الانترنت ارضا غريبة خالية من الابنية مليئة بالاشياء الغريبة. لكن جو باراديسو يعتقد ان العوالم الافتراضية قد تتتحول الى شيئ ما اكبر من وسيلة، او فكرة حية، وهي تحتاج فقط الى جرعة من الواقع.

ويعمل باراديسو الاستاذ في مختبر الوسائط "ميديا لاب" في معهد ماساشوسيتس للتقنية (إم آي تي) لتطوير ما يسميه "الواقع - إكس" ( إكس - ريالتي)، او "الواقع الهجين" (كروس ريالتي) الذي هو عبارة عن نظام مصمم لجلب العوالم الافتراضية والواقعية الى نوع من التلاقي والتراصف. وعن طريق تمويل من الشركة الام ل"الحياة الثانية" "ليندين لاب" يرمي باراديسو الى استخدام المستشعرات واجهزة العرض والبرمجيات لجلب المعلومات الخاصة بالعالم الحقيقي الى العوالم الافتراضية، ومن ثم جعل الدخول الى العوالم الافتراضية متكاملا مع الاوضاع السائدة في العالم الحقيقي.

في اواخر شهر نوفمبر الماضي تحول فريق باراديسو المؤلف من سبعة طلاب دكتوراه الى 45 جهازا بحجم المنظمات الشخصية "بي دي أيه" مركبة على جدران بناية "ميديا لاب". وقد جهز كل جهاز من هذه بشاشة تعمل باللمس، وبنسخة من برنامج "الحياة الثانية"، وبوصلات لاسلكية، وكاميرات مع تشكيلة منوعة من الاجهزة السمعية والصوتية ومستشعرات تعمل بالاشعة ما دون الحمراء خاصة بالحركة.

واستنادا الى باراديسو فان اي شخص موجود في المبنى يرتدي شارة الكترونية صغيرة، يمكنه من التوجه الى واحدة من الشاشات الصغيرة ويتطلع الى المناظر الطبيعية في "الحياة الثانية" والتواصل مع مستخدميها. أما مستخدمي الحياة الثانية فيقومون من جهتهم ايضا باستخدام الشاشات للنظر الى العالم الواقعي عن طريق نوافذ عائمة في العالم الافتراضي مراقبين العابرين من اصحاب السبيل، او حتى الجلوس معا عن بعد لعقد اجتماع.

"ومثل هذه الاجهزة مصممة كثقوب الديدان التي تتيح لك الدخول عبر انفاق صغيرة الى "الواقع الثاني"، لكون "الحياة الثانية" هي امر منفصل تماما، لذلك نحاول ربطه مع العالم الفعلي" على حد قوله.

دمج الواقعين

* وتكون النتيجة، كما يقول باراديسو، عمارة، او بناية طبيعية، يمكن للمستخدمين دخولها من اي مكان في العالم. وخلافا ل"الاجتماعات الافتراضية" الاخرى حيث الرموز الرقمية للمستخدمين يجلسون بشكل غريب حول طاولة مؤتمرات افتراضية في "الحياة الثانية"، او عالم اخر جرى انشاؤه، فان اجتماع "الواقع - إكس" يجري بشكل كبير في العالم الحقيقي مع قيام بعض مستخدمي العالم الافتراضي بالمشاركة عبر ثقوب الدود الخاصة بباراديسو. ويقول الاخير "إننا نقوم فقط بتوسيع الادراك البشري عبر هذه العقد عن طريق ضخ اجزاء من العالم الافتراضي ذهابا وايابا".

والآمال المعلقة على "الواقع - إكس" تذهب ابعد من مجرد الاجتماعات. فجوش ليفتون احد طلاب باراديسو السابقين استخدم اطروحة شهادة الدكتوراه في العام الماضي لاظهار كم ان بمقدور الحياة الثانية ان تعكس الواقع. ففي مشروع يدعى "شادو لاب" (مختبر الظل) قام ليفتون بانشاء 35 شريطا ذكيا من الطاقة واوصلها الى جميع انحاء "ميديا لاب". وقد جهز كل شريط بمستشعرات لالتقاط الاصوات والحركة والضوء والرطوبة ودرجة الحرارة، اضافة الى استخدام الطاقة من قبل الاجهزة الكهربائية الاخرى التي كانت تسحب الكهرباء من الشريط هذا.

وقام ليفتون بتمثيل المعلومات بالزمن الحقيقي من مستشعرات شرائط الطاقة هذه في "الحياة الثانية" التي اعيد انتاجها في "ميديا لاب" مع مجسات عائمة من الخطوط الزرقاء التي تمثل كل عقدة. وعندما يمر الطالب، او الاستاذ عبر اداة الاستشعار في العالم الفعلي، فان المجس الذي يمثل هذه الاداة في العالم الافتراضي يبدأ بالتماوج. كما ان درجة الحرارة تسبب تغييرا في لون السائرين، مع سكب او نفخ درجات مختلفة من الدخان الافتراضي لاظهار كم من الطاقة يجري سحبها من المنفذ. وبمقدور المستخدمين السير متمهلين، او التحليق حول الخريطة، للحصول على شعور سريع في انهم متوجهون الى مختبر وسائط "ميديا لاب" في العالم الحقيقي.

خدمة العالم الواقعي

* ويحاجج ليفتون ان تركيبة "المختبر الخيالي" او "الظلي" يمكن توسيعها الى سيناريو اكثر تعقيدا مثل نظام الاستجابة لحالات الطوارئ في المباني. ففي حال اندلاع حريق على سبيل المثال يمكن للمستجبين رسم خريطة او تخطيط لدرجة حرارة المبنى، وحتى العثور على القاطنين فيه في العالم الافتراضي قبل المجازفة بحياتهم في العالم الحقيقي. ويقدم باراديسو مثالا اكثر واقعية لحضيرة المصنع او المعمل المجهزة بمستشعرات موجودة في جميع الاماكن التي تتيح لاي مدير مراقبة ورصد انتاجه في العالم الافتراضي.

وقد لا تكون الافكار هذه لردم الهوة بين العالمين الافتراضي والواقعي مثيرة للخيال كما تبدو، ففي فبراير الماضي قامت شركة "آي بي إم" بانتاج مثل هذا النوع من تمثيل العالم الافتراضي لرسم خريطة لمركز المعلومات والبيانات في "إمبلينيا" الشركة السويسرية للعقارات والبناء والعمران.

وكانت إعادة التشييد الافتراضي لمركز المعلومات في الشركة المذكورة هذه قد قامت بسحب المعلومات حول تخطيط وترتيب الخوادم ومراكز الحفظ والتخزين، ودرجات حرارة الاجهزة، واستهلاك الطاقة، ومعالجة المعلومات عبر الانترنت وارسالها الى خوادم "آي بي إم"، التي تحولت هناك الى نموذج ثلاثي الابعاد من العالم الافتراضي. وهكذا سيكون باستطاعة مهندسي "إمبلينيا" استخدام هذا التقليد الافتراضي للتعقب ومن بعيد لمدى استهلاك الطاقة في مركز المعلومات وكفاءته بأساليب قد تكون معقدة جدا من دون زيارة الموقع.

"ويمكن من بعيد الدخول الى مركز المعلومات والبيانات وسماع فعلا هدير اجهزة الطاقة ومنظوماتها للتأكد من ان مراوح التبريد تعمل فعلا، او بشكل سريع او بطيء. وبذلك يمكن من الناحية التدقيقية تصليح امر ما في العالم الحقيقي"، كما يقول كولن باريس نائب رئيس شركة "آي بي إم" للشؤون الرقمية. "ومثل هذا الجمع بين الحقيقي والافتراضي هو امر نعلم انه سيشكل لعبة كبرى وان "إم آي تي" تنظر في امكانيات ذلك" كما يقول.

مستشعرات داخل الواقع الافتراضي

* ان وضع معلومات وبيانات حساسة من العالم الحقيقي في العالم الافتراضي يمثل مشكلات على صعيد الخصوصية، وان كانت ليست بتلك الكثرة، كما يقر براديسو. والاختبارات التي يقوم بها، أو اخنبارات مختبر ليفتون الخيالي ستمكن الاشخاص في الخارج من تعقب حركة قاطني البنايات وسلوكهم. وتنفيذ "الواقع - إكس" شأنه شأن اي نظام كومبيوتر، كما يقول براديسو، سيتطلب مستويات مختلفة من الدخول على اساس التحقق من هوية المستخدمين. وفي نهاية المطاف عليك ان تثق بالوكيل الذي سيقوم بعملية التعقب والمراقبة هذه.

في هذا الوقت انتقل ليفتون الى تطبيقات اقل تهديدا للخصوصيات من تجربته في "الواقع - إكس". ولكونه يعمل باحثا لحساب المقاول "النعجة الكهربائية" (إليكتريك شيب)، فانه يعمل مع شركة كبيرة للالعاب لتشييد منتج سيوجد في كلا المناخين الحقيقي والافتراضي.

لكن ليفتون يرفض تقديم اي تفاصيل عن اللعبة المذكورة، لكنه يقارنها بشكل بعيد الى روبوت يمكنه تذكر تجاربه السابقة في "الحياة الثانية"، فأي فوز في لعبة في العالم الافتراضي على سبيل المثال، فاذا باللعبة تكسب قدرة جديدة على العمل في العالم الفعلي. ومثل هذه التطبيقات الضيقة النطاق في عمليات التسلية والترفيه، كما نقلت مجلة "فوربس" عن ليفتون، قد تكون اكثر واقعية على المدى القصير من احلام باراديسو الواسعة النطاق مثل "الواقع - إكس"، "لان التسلية والترفيه هما حتما المكان الذي سيحدث فيه هذا اولا". غير ان لباراديسو خططا اكبر، فهو يعتقد في الواقع ان العوالم الافتراضية كمجموعة قد تحتاج الى حقنة من التواصل مع العالم الحقيقي قبل ان تنزلق الى المجهول والغموض. "فالكل مفتون بالعوالم الافتراضية، لكنهم شرعوا يملون منها ويتعبون" كما يقول. وأضاف" كيف تقوم بربط العالم الافتراضي بالحقيقي؟ ليس بالضرورة باسلوب من الاساليب، بل عن طريق سلسلة كاملة متصلة، وهنا يكمن اللغز!"