التعاملات المالية الصغيرة على الإنترنت.. ظاهرة تجذب الملايين

يستفيد منها قطاع الوسائط المتعددة والألعاب الإلكترونية

التعاملات الالكترونية بمبالغ صغيرة تسمح لك بشراء فصل من كتاب اعجبك
TT

انتشرت في الأوساط الإلكترونية في السنوات الأخيرة ظاهرة مثيرة للاهتمام لم تكن ممكنة في السابق، هي التعاملات المالية الصغيرة Microtransactions، التي يتم بموجبها دفع مبالغ صغيرة لقاء تطوير خدمة ما (عادة ما تكون صغيرة) أو الحصول على مزايا غير ممكنة بالطرق الاعتيادية. وأثرت هذه الظاهرة على المستخدمين وشركات التوزيع على حد سواء، حيث أصبح بإمكان المستخدم التميز عن الآخرين وتعديل الشخص للتجربة حسب هواه واختيار وشراء أصغر وحدة مهمة له، بينما استطاعت شركات التوزيع الحصول على أرباح أكبر من دون دفع مبالغ إضافية. ويعود الفضل في انتشار هذه الظاهرة لتزايد اتصال المستخدمين بالإنترنت وانخفاض الأجور المترتبة على ذلك، وتقديم وسائل الحماية ضد السرقة الإلكترونية. ومن الأمثلة على ذلك، أصبح بالإمكان شراء فصول محددة من مجلة أو كتاب أعجبك (مثل مقال معين، أو قسم طريف، أو للتعرف على رواية قبل شرائها كاملة، أو حتى وصفة أعشاب طبية)، أو أغنية واحدة من ألبوم كامل، أو مشاهدة فيلم أعجبك، أو الحصول على قدرات متطورة في لعبة تلعبها أو حتى مراحل كاملة.

* استخدامات متنوعة

* ويذكر أن متجر «أمازون» الإلكتروني يبيع الموسيقى الرقمية بشكل منفصل، حيث يمكن شراء أغنية تحبها من ألبوم لفنان ما، وذلك حتى لا يضطر المستخدم إلى دفع مبلغ كبير لقاء الألبوم كله. ولا ننسى الانتشار الكبير الذي حققه متجر «آي تونز» الذي يوفر الموسيقى وعروض الفيديو بأسعار منخفضة. ويمكن للمستخدمين «استئجار» الأفلام الرقمية من الكثير من المواقع الإلكترونية، لقاء أجور بسيطة، وذلك حتى لا يضطروا إلى الذهاب إلى المتجر مرتين في حال استئجار الأقراص الليزرية، والحفاظ على قرص الفيلم خوفا من تخريبه من دون قصد ودفع أجور التأمين، حيث يمكن تحميل الفيلم ومشاهدته ومن ثم مسحه، لقاء مبلغ بسيط، وفي أي وقت من النهار أو الليل أو أيام العطل. هذا ومن الممكن مشاهدة مباراة رياضية واحدة لفريق تحبه، عوضا عن الاشتراك مع المحطة لشهر كامل، أو أكثر. ويستخدم قطاع الترفيه هذا النظام في الدفع، حيث يمكن استخدام الاشتراك الذهبي في شبكة «إكس بوكس لايف» Xbox Live لشركة «مايكروسوفت» للتنافس مع الأصدقاء عبر الإنترنت في الألعاب الإلكترونية على جهاز «إكس بوكس 360» لقاء 50 دولارا في العام الواحد، أي نحو 4 دولارات أميركية في الشهر، أو 14 سنتا أميركيا في اليوم الواحد. هذا ويمكن شراء إضافات إلى الألعاب الإلكترونية من الشبكة المذكورة، وشبكة «بلايستيشن»، مثل موسيقى إضافية لفرق معروفة، سواء على شكل أغان منفصلة أو ألبومات كاملة، وبأسعار منخفضة (مثل سلسلة ألعاب «غيتار هيرو» Guitar Hero و«روك باند» Rock Band)، بالإضافة إلى القدرة على شراء ملابس جديدة للشخصيات (مثل لعبة «ستريت فايتر 4» Street Fighter IV)، وشخصيات جديدة (مثل لعبة «سول كاليبر 4» Soul Calibur IV)، وأسلحة مميزة (مثل لعبة «ديد سبيس» Dead Space)، ومراحل كاملة (مثل ألعاب «ماس إيفكت» Mass Effect و«برينس أوف بيرشيا» Prince Of Persia)، بل ولاختصار الوقت (مثل القدرة على شراء السيارات الإضافية الموجودة في لعبة «بيرنآوت بارادايس» Burnout Paradise، علما بأنه يمكن الحصول عليها مجانا عند إتمام بعض الشروط الخاصة).

ولعل هذه الظاهرة تبدو أكثر انتشارا في ألعاب تقمص الأدوار عبر الإنترنت MMPRPG التي غيرت من طبيعة قوانين بيع الألعاب، حيث أصبحت الألعاب مجانية للجميع، بينما يمكن شراء إضافات كثيرة لقاء مبالغ مالية، مثل تسريع عملية بناء القرية في لعبة «ترافيان» Travian التي لاقت شعبية كبيرة جدا، أو تسريع التطور لفترات محدودة.

* أحجام المبيعات

* وبالنسبة للأرقام، فإن متجر «آي تونز» استطاع بيع 3.5 مليون أغنية في كل شهر في العام الأول من بدء الخدمة (عام 2003) مستخدما 200 ألف أغنية فقط، واستطاع في منتصف عام 2007 بيع 2.5 مليار أغنية و50 مليون برنامج تلفزيوني و1.3 مليون فيلم سينمائي، مستخدما 5 ملايين أغنية مختلفة و350 برنامجا تلفزيونيا و400 فيلما. هذا واستطاعت لعبة «روك باند» بيع 1.4 مليون أغنية في كل شهر في الأشهر الأربعة الأولى لطرحها في الأسواق مستخدمة 70 أغنية فقط، ووصل العدد إلى 28 مليون أغنية في نهاية عام 2008، باستخدام 345 أغنية. هذا ووصل عدد المشتركين بخدمة «إكس بوكس لايف» الذهبية إلى 5 ملايين مشترك في منتصف العام الماضي. وبالنسبة للأفلام الرقمية، فقد وصل الرقم إلى 412 ألف نسخة في بريطانيا وحدها في عام 2008، مقارنة بـ10 آلاف في عام 2007، بالإضافة إلى أن معدل نمو مبيعات أفلام الأقراص الليزرية انخفض من 9.3% إلى 1.2%. وأفادت شركة «آتلانتيك ريكوردز» Atlantic Records بأنه للمرة الأولى في تاريخها، تجاوزت أرباح المبيعات الرقمية أرباح الأقراص الليزرية الموسيقية في نهاية عام 2008.

* آفاق وتحديات

* ومن الممكن جدا أن نشهد طرح محركات بحث تقدم خدمات إضافية لقاء أجور بسيطة جدا، مثل ترجمة نتائج البحث بين لغات عديدة وبدقة مرتفعة، أو فلترتها (ترشيحها) بشكل يناسب احتياجاتك، أو حتى تحويل مجموعة من المواضيع الموجودة في نتائج البحث إلى ملفات صوتية بشكل فوري، ليصبح بإمكانك تحميلها ووضعها على مشغل الموسيقى الخاص بك والاستماع إليها أثناء السفر أو التجوال. كل ذلك لقاء 5 سنتات أميركية. هل سيؤثر هذا المبلغ البسيط على المستخدمين أو يمنعهم عن استخدام هذه الخدمة؟ على الأغلب لا، حيث إن المبلغ زهيد لدرجة أن المستخدم لن يفكر به على الإطلاق. ولكن إن استخدم 20 مليون شخص هذه الخدمة بشكل شهري (لمرة واحدة في الشهر على الأقل) فإن الشركة ستحصل على مليون دولار أميركي في الشهر الواحد، بالإضافة إلى الإيرادات الممكنة من الإعلانات التي قد توضع في الموقع.

وكعادة جميع التعاملات المالية في الدول التي تفرض ضرائب دخل ومبيعات، يجب على المستخدم دفع نسبة معينة من قيمة ما يشتريه في هذه المعاملات الصغيرة، ويجب على الشركة الموزعة احتساب قيم هذه المبيعات الإلكترونية الصغيرة ودفع ضرائب الدخل عليها. وعلى الرغم من أن الشركات ستتأثر من هذه الضرائب، فإنها لن تمانع ذلك، حيث إن توزيع الملفات بشكل رقمي يعتبر شبه مجاني، ذلك أنه لا توجد أشياء مادية تخسرها الشركة، بل مجرد كلفة البنية التحتية المكونة من حجم الملف على القرص الصلب وسعة اتصال الإنترنت، الأمور التي لا تشكل مشكلة للشركة بسبب أن الأقراص الصلبة الموجودة لديها ذات سعات تخزينية ضخمة (ناهيك عن أن أسعار الأقراص الصلبة منخفضة جدا، وهي تتسع لأعداد كبيرة جدا من هذه الملفات، مثل الموسيقى والتحديثات التي لا تتجاوز 5 ميغابايت في حال الموسيقى الرقمية، وبضع مئات من الميغابايت في حال الألعاب الإلكترونية، و1 غيغابايت في حال عروض الفيديو)، وتكاليف الإنترنت الشهرية شبه ثابتة. ويمكن تشبيه هذه العملية بالنسبة للشركات المنتجة بالإعلان في المطبوعات أو الراديو، حيث إن الإعلان في المطبوعات يترتب عليه طباعة الصحيفة أو المجلة، وتوزيعها إلى مراكز البيع، وبالتالي فإن التكاليف تتناسب طرديا مع حجم التوزيع وتزداد بعدد النسخ المطبوعة، بينما تكون عبارة عن مبلغ ثابت في حالة الإعلان في الراديو، نظرا لأن المحطة تبث الإعلان لقاء كلفة ثابتة، سواء استمع إليه شخص واحد أو مليون.

ومن أجل الاستفادة من هذه العملية، يجب على المستخدم الاتصال بالإنترنت بسرعات متوسطة نسبيا، ذلك أن أحجام الملفات التي يجب تحميلها ليست بالصغيرة (عدا الموسيقى الرقمية)، وقد يتطلب الأمر ساعات طويلة إن استخدم أجهزة المودم العادية التي تعمل بسرعات بطيئة (قد يتطلب تحميل فيلم بحجم 700 ميغابايت من الإنترنت نحو 56 ساعة عبر أجهزة المودم العادية، بينما يتطلب نحو ساعتين بسرعة 1 ميغابت).

ومن العناصر الضرورية في هذا النظام المالي المصغر توفير سبل بديلة للدفع، حيث إن خصم دولار واحد من بطاقة المستخدم الائتمانية سيكون أمرا غير مربح للشركة، نظرا للأجور المفروضة لاستخدام شبكات البطاقات الائتمانية. ولذلك، تقدم غالبية الشركات محافظ إلكترونية خاصة بها، يجب إضافة المال إليها بطريقة ما (إما عن طريق بطاقات مسبقة الدفع متوفرة في الأسواق، أو عبر البطاقات الائتمانية). ويضاف مبلغ أدنى إلى محفظة المستخدم، عادة ما يكون أكثر من 15 دولارا أميركيا، ليصبح بالإمكان استخدام ذلك المبلغ لشراء الخدمات المصغرة. وتحاول الكثير من الشركات الابتعاد عن طرح بطاقاتها الخاصة لهذه العمليات، نظرا لأن طرح هذه البطاقات يتطلب أجورا مالية لطباعتها وتوزيعها وتفعيلها والتأكد من عدم استخدامها مرة أخرى.