التقنيات الإلكترونية.. فنون الترويج لكسب قلوب المستهلكين

الشركات المنتجة تركز على الجوانب غير المهمة للأجهزة وتهمل الأساسي منها

TT

تجري أشياء كثيرة غير عادية في صناعات المنتجات التقنية الاستهلاكية. فمثلا ومع أن قوة الأجهزة الإلكترونية وسرعتها ومميزاتها ترتفع وتتحسن، فإن أسعارها لا تزال تنخفض باستمرار عاما بعد عام. وربما لا توجد قطاعات صناعية مماثلة لهذه الصناعات.

وهناك عامل يعبر عن الولع بالأمور الذي بلغ مستويات عالية في ذلك اليوم من صيف 2007، يوم جرى طرح «آي فون» في الأسواق، إذ لم نر قبلا قيام ألف شخص مثلا يعسكرون أمام سلعة معينة، ليكونوا أول من يشترون بنطال جينز مثلا، أو نوعا جديدا من الحلوى، كما يقول ديفيد بوغ الكاتب التكنولوجي في «نيويورك تايمز». ولكن أكثر المظاهر سحرا في التقنيات الاستهلاكية هي في كيفية تسويقها. ففيما عدا الهواتف الجوالة، هل رأيت أو سمعت بأجهزة إلكترونية يجري الإعلان عنها في الإذاعات الرئيسية؟ وهل تتذكر أنك رأيت أي إعلان تلفزيوني يتعلق بجهاز يجيب على المكالمات الهاتفية، أو كاميرا تسجيل الفيديو (كامكوردر)، أو نظام سمعي صوتي؟ أو حتى بمشغل لأقراص «دي في دي بلو ـ راي»؟

لا، إن أغلبية عمليات تسويق الأجهزة عالية التقنية تأخذ أشكالا أكثر ذكاء، وأرخص تكلفة، كالإعلانات في المجلات، أو في المعارض، ومواقع الشبكة. وتقوم بعض الشركات، لا سيما «آبل» بالكشف عن منتجاتها الجديدة على الشبكة، أو خلال الفعاليات الخاصة، كما تحصل على دعاية أكثر لدى إحاطة هذه المنتجات بالسرية الشديدة التي تكشف عنها في النهاية.

والأمر الذي يثير الاهتمام في كل ذلك هو ما يقوله التسويق فعلا. فمن الواضح أنه ما من شركة تقوم بالإعلان عن المآخذ والعيوب الخاصة بمنتجاتها. لكن المميزات والحسنات التي تبرزها أحيانا تكون بعيدة كل البعد عن الأمور المهمة والأساسية، مما يدعو إلى الضحك فعلا. وهذا نوع من سوء التوجيه من قبل الشركات المنتجة، وقد حان الوقت للفت نظرها إلى ذلك.

وإليكم، لغرض الاطلاع فقط، لائحة بعمليات الغش. وهي تعتبر من أساليب التسويق والترويج العادية في ما يتعلق بكل فئة من المنتجات التقنية التي تتباين مع أهم المميزات التي ينبغي إبرازها في كل حالة، التي يتفادى المعلنون ذكرها.

* الكاميرات التسجيلية

* بالله عليكم لماذا تعتبر عملية التقريب والتكبير مهمة جدا؟ بالتأكيد إن تقريب صورة طفلك، وهو في منتصف مسرح المدرسة، أو ملعب كرة القدم هو من الأمور المستحسنة. ولكن كم من التقريب والتكبير هو كاف؟ عشرون ضعفا، ثلاثون، خمسون؟ والواقع أنه كلما قمت بزيادة التقريب والتكبير، أصبح الشريط الذي تصوره غير ثابت. فكل تكبير تقوم به يضخم أيضا ارتجاج اليد ويجعل من الفيديو شريطا سيئا لا يمكن مشاهدته. وخذ بنصيحة المحترفين بأن لا تقوم أبدا بتقريب المشاهد وتكبيرها. المهم هنا فقط الزاوية العريضة.

لقد قمت مؤخرا باختبار كاميرات تسجيل من ثلاث شركات كبرى منتجة لها. وكان عليّ أن أتأكد كم علي أن أقف بعيدا حتى أستطيع أن أضع شخصا بطول ست أقدام في إطار الصورة. صدق أو لا تصدق توجب علي مع أفضل هذه الكاميرات التي تتصف بزوايا عريضة، أن أتراجع 15 قدما إلى الخلف لأقوم بذلك. والمشكلة هنا أنه في الوقت الذي تتراجع فيه مثل هذه المسافة عن هدفك يكون من الصعب على الميكروفون التقاط صوته. وفكر هنا في جميع الأوقات التي كنت تتمنى فيها الحصول على مشهد عريض في كاميرتك، سواء كان الأمر يخص مسرحية ما، أو مباراة كرة قدم، أو حفل زفاف. لكن توسيع حقل الرؤية في الكاميرا يعني تحديد مقدار التقريب والتكبير. غير أنه بعد عقود من ترديد قدرة التكبير والتقريب التي تبلغ 20 ضعفا، لم تتمكن الشركات المنتجة للكاميرات بعد من التركيز على أمر أهم من ذلك بكثير.

* الميغابيكسل

* استطاعت هذه الصناعة بشكل ما إقناع المستهلكين بأن الحصول على المزيد من النقاط يعني الحصول على صورة أفضل. وقد يكون ذلك صحيحا في الأيام الأولى عندما كانت الكاميرات بقوة 2 ميغابيكسل تحكم الأرض. واللقطات الموسعة التي جاءت من كاميرات 4 ميغابيكسل بدت أكثر وضوحا وحدّة من سابقاتها الأوائل. لكن مثل هذا الفرق المرئي تبخر فورا حالما وصلت الكاميرات إلى خمسة وستة ميغابيكسل. واليوم حتى الستة ميغابيكسل هي رقم كبير بالنسبة إلى صور الملصقات الكبيرة المطبوعة. فبالنسبة للكاميرات الصغيرة ذات الميغابيكسلات الكثيرة المحشورة في شريحة إلكترونية صغيرة من شأنها تخفيض جودة الصورة ونوعيتها، نظرا لأنها تسخن وتسبب التبقع، أو ما يسمى بالضجيج الضوئي. الذي يهم هنا هو أن يكون حجم المستشعر الضوئي في الكاميرا أكبر، الذي يعني حساسية أفضل للضوء، الذي يعني بدوره أنه لا ضرورة بتاتا لأن يبقى المصراع مفتوحا مدة طويلة، مما يعني في النهاية عددا أقل من البقع.

لكن الشركات المصنعة للكاميرات لا ترغب أن تعلم الجميع بهذه الحقائق، فهي تخفيها ولا تبرزها على علبة الكاميرا، ولا في الإعلانات، لأنه من الأسهل والأرخص إبراز مسألة الميغابيكسلات، أكثر من إبراز حجم المستشعر. ويمكنك البحث عن هذا الحجم على الإنترنت، ولكن حتى هناك فإنك ستواجه بسيل من القياسات والمعلومات التي يصعب فهمها أو مقارنتها.

* الهواتف الجوالة

* نعم تقوم شركات الخدمات الهاتفية بالإعلان عن الأمور الصحيحة. لكن التغطية هي كل ما يهم الناس، أي القدرة دائما على إجراء المكالمات من دون أي عوائق، ومن دون انقطاع المكالمات، أو وجود أماكن تموت فيها الاتصالات. لكن الواقع غير ذلك. والدليل على ذلك أننا لا نزال نشكو من تغطيتنا الهاتفية.

الدليل الثاني أن جميع الشركات الهاتفية تزعم الأمر ذاته وهو «المزيد من إمكانية الاتصالات في أكثر الأماكن»، فضلا عن الزعم بامتلاك «أوسع الشبكات» و«أكثرها موثوقية» و«أقلها تعطلا». وهذه كلها لا يمكنها أن تكون سليمة في جميع الأوقات. الدليل الثالث هو أنه إذا حصل واطلعت على خرائط التغطية الخاصة بكل شركة لوجدت أن هناك كثيرا من الولايات الأميركية التي تمتلك مناطق «ميتة» تتلاشى فيها الاتصالات مقابل المساحات الحية، خاصة في ولايات مثل وايومينغ ومونتانا وايدهو وآريزونا ونيفادا.

بالطبع ليس سهلا على شركة أن تكون شركة للخدمات الهاتفية. إذ يتطلب منها نشر الصواري الخليوية، وهذا أمر مكلف بالنسبة إلى المناطق غير المكتظة بالسكان. وحتى بالنسبة للمناطق كثيفة السكان عليك التغلب على معارضتهم بالنسبة لتشييد الأبراج الكبيرة قبيحة المنظر على سطوح منازلهم وعماراتهم.

* أجهزة الكومبيوتر

* العامل الأساسي في الإعلانات الخاصة بترويج الكومبيوتر هو التركيز على أسعاره الرخيصة، ومثال على ذلك، فإن إعلانات «مايكروسوفت» الحالية على التلفزيون تركز على ما يسترده المشتري من السعر الأصلي، وهو 1000 دولار لدى شرائه جهاز «بي سي».

والرخص بالتأكيد عامل مهم بالنسبة لقطاع واسع من الناس، لكن الأهم هو القيمة. فعندما يجري إنتاج سلعة ما خصيصا لأن تكون رخيصة الثمن، فإن هناك ثمنا آخر يتوجب تسديده مقابل ذلك، سواء كان ذلك على صعيد الدعم من بعد المبيع الذي يجري من مكان بعيد خارج البلاد، أو الرقع الرخيصة الملصقة على الجهاز، أو الشعارات والألواح في أسفله، أو حجمه الكبير من دون أي فائدة، أو في ما يتعلق بالاشتراك السنوي بالبرامج المضادة للفيروسات، أو على صعيد أشياء أخرى كثيرة غير ذلك. وبإيجاز هناك نوعان من البشر؛ أولئك الذين يقيمون الأناقة والبساطة والجمال، وأولئك الموجودون على النقيض.