«البداوة الرقمية».. تزداد رواجا في العالم

الشبكات اللاسلكية أدت إلى هجرة المكاتب والعمل في المقاهي والمتنزهات

TT

يقع مقر عمل فرانك غروبر الذي يعمل مع «أميركان أون لاينز» في دالس في ولاية فيرجينيا في أميركا، ولكنه قد يكون متنقلا إلى أي مكان آخر، من هناك إلى بانغيلور مثلا، بسبب جو مكتبه الخانق والكئيب الذي قد لا يجلس فيه كثيرا. ولذا يعمل غروبر غالبا من المقاهي والمكتبات والمنتزهات، ومن ردهات الفنادق في نيويورك، أو غيرها من الأماكن البعيدة. وغالبا ما يصحب معه في جولاته جين كونسالفو إحدى الشخصيات المهمة في عالم الشبكات والإنترنت.

«بداوة رقمية» وهذان الرجلان بدويان رقميان وهما يرتديان السراويل القصيرة والصنادل والقمصان الخفيفة ويعملان أينما يجدان وصلة لاسلكية للانترنت بغية التواصل مع زملائهم عبر التراسل الفوري، وشبكات «تويتر»، و«فيسبوك»، والبريد الالكتروني، وأحيانا عبر الصوت عن طريق هاتف الانترنت، أي «سكايب». وهذه البداوة الرقمية كما يقول الخبراء تمثل تطورا طبيعيا في عالم الاتصالات. فالانترنت أتاح للملايين من الأشخاص العمل من منازلهم عن طريق شبكات «واي فاي» اللاسلكية المنتشرة كثيرا. وقد قطع العديدون أسلاكهم وغادروا منازلهم، أو مكاتبهم المقيتة، للعمل من أي مكان يسرهم، لا سيما قرب أشخاص غرباء عنهم تماما. وبالنسبة إلى هؤلاء البدو فإن المنافع هي بدائية وعملية في الوقت ذاته.

* منافع بدائية: عمل توم فولكس مبرمج الذكاء الصناعي قبل أسابيع في مقهى «جافا شاك» في مقاطعة أرلينغتون في ولاية فيرجينيا لكونه من الأشخاص المتفتحين على الناس، الذين يعملون في أعمال انطوائية. وهو يقول: «أمقت العمل لوحدي من المنزل، وأنا بحاجة إلى أشخاص يحيطون بي». لذلك فهو يتردد على المقاهي ويفرش أوراقه وعدته هناك.

* منافع عملية: مارلين مويزيه موظفة في شركة «إيزنيا إنك» تبيع برمجيات افتراضية للشركات. وغالبا ما تعمل من مقهى «بانيرا بريد» الواقع قرب منزلها في الكسندريا في ولاية فيرجينيا، وليس من مكتبها في منطقة «بوندوكس». لماذا؟ لأنه لا أمل في أن توصلني الطرقات إلى هناك. وعندما سئلت عن زملائها في العمل أجابت «لا أدري، وهذا لا يهم بعد الآن».

تبادل الأفكار وحياة البداوة الرقمية شرعت تتطور. فهناك من يرغب في الاجتماع إلى زملائه في الأماكن العامة، أو في منازل الغرباء. وهم يعملون بكومبيوتر «لاب توب قرب الآخر» متبادلين نصائح وإرشادات العمل والدردشات مع أشخاص ينتمون إلى شركات مختلفة. وهذه الاجتماعات تسمى «جيليس» jellies على اسم الحلوى المغلفة بالسكر التي هي على شكل حبات الفاصوليا التي توضع في أوعية كبيرة والتي تقدم في الاجتماعات هذه عادة.

وعلى الرغم من انه من الصعب إحصاء عدد البدو الرقميين لأنهم في حركة دائمة ومستمرة، ولا يمكن تحديد مكانهم، إلا أن الأدلة والبراهين تزداد عن تغير أمكنة عمل الأميركيين. ويقول ميشيل روزنولد في صحيفة «لوس أنجليس تايمز» إن شركة «ديل» أفادت أن موقعها الخاص بالبداوة الرقمية، شرع يتلقى آلاف النقرات شهريا. وسجل مقهى «بانيرا» 1.5 مليون جلسة «واي فاي» شهريا.

ومن الحقوق الطبيعية والمطلقة للبدو الرقميين هؤلاء أنهم يبدأون عملهم اليومي بعد قضاء العديد من زملائهم ساعات في تهيئة أنفسهم للتوجه إلى مكاتبهم. فقبل أسابيع نشر غروبر، 31 سنة، هذا، الذي كان يستعد لأسبوع جديد حافل بالعمل على صفحته في «تويتر» ما يلي: «انه يوم الاثنين والساعة الآن 9:15 صباحا، وينتظرني أسبوع آخر من العمل المرهق». وبعد 22 دقيقة نشر صورة لطعام فطوره المكون من بيضتين مقليتين. ولكنه لم يصل إلى بركة السباحة في فندق هيلتون مع رفيقته كونسالفو شريكته في العمل، إلا في الساعة الحادية عشرة.

وكانت كونسالفو، 37 سنة، تعمل مع AOL خلال رواج الأسهم المالية وارتفاعها. وهي تملك قاربا بحريا، إلا أنها تقوم حاليا مع غروبر في تأسيس موقع على الشبكة يدعى «شايني هارت فينتشرز» (أي مشاريع القلب البراق). وعند فترة الغداء نشرا صورة لبركة السباحة على «فليكر» بشرح لها يقول «شكرا، التقنيات وغيرها من (الأشياء البراقة) التي تجعل من العمل في أي مكان نسمة ريح جميلة».

ولكن ما هو قصدهما بالأشياء البراقة. إنهما يقصدان معداتهما التي يصحباها معهما دائما في رحلاتهما وتجوالهما والتي تبلغ قيمتها نحو 10 آلاف دولار. وهي تتألف من هواتف «آي فون»، وأقراص صلبة للدعم، ومصادر للطاقة، والعديد من وصلات المهايأة لـ«يو إس بي».

العمل مع التسلية وسحر العمل قرب برك السباحة هو كبير. ولكن لماذا يسمح رب العمل لموظفيه بالعمل في أماكن للتسلية والترفيه، بدلا من أماكن للإنتاج؟ السبب هو الكسب والمنفعة المجتناة من ذلك، كما تقول ماري بارنس مديرة غروبر في AOL. «فهو، أي غروبر، سعيد بما يفعله، ونحن بدورنا نكسب من ذلك الكثير من ناحية الأعمال والمعرفة الصناعية الكبيرة والمعارف والأفكار والاتصالات». وهي تتوقع ازدياد عدد البدو من هذا النوع. فالقوة العاملة من الشباب تطلب ذلك. فهم هكذا يعيشون».

ويقول كارستين سورنسين الأستاذ في كلية لندن للاقتصاد الذي يدرس مسألة البداوة الرقمية إن الأشخاص الذين يعملون خارج مكاتبهم يشعرون غالبا أنهم مطالبون بالعمل أكثر لحماية حريتهم. «وهذا ما قد يجمع بين العمل الشاق والتسلية، وقد يؤدي حتى إلى الإرهاق والتلف في نهاية المطاف»، كما يقول.

وقبل أسابيع اجتمع في بز بيكري في الكسندريا في ولاية فيرجينيا بضعة من البدو حول وعاء من الحلوى في جلسة نظمتها لاسي هوبكنز، وهي كاتبة فنية. وقالت عن ذلك «إن الأشخاص المتفتحين مثلي يحصلون على طاقاتهم من الأشخاص الآخرين».

وتدريجيا افتتح المزيد من المراكز الرسمية للعمل المشترك من هذا النوع على نطاق البلاد كلها، وحتى ضمن مكاتب الشركات ذاتها، للذين لا يرغبون في الجلوس داخل مكاتب رسمية، ولكنهم يرغبون بالعمل بين جمع من الناس يتبادلون وإياهم الأفكار والآراء والدردشات.