الإنترنت.. تغزو السيارات رغم كل الأخطار

الموجة الأولى من النظم المعلوماتية تدخل في تصاميمها هذا العام

نظام «أودي» الجديد
TT

على الرغم من قلق الحريصين على سلامة قيادة السيارات الذين يخشون عواقب إلهاء السائق وتشتيت انتباهه، فقد وجدت الشركات المنتجة للسيارات وشركات التقنيات العالية مكانا جديدا لوضع الكومبيوترات المعقدة التي تتواصل مع الإنترنت، ألا وهو المقعد الأمامي.

ويبدو أن الشركتين العملاقتين في التقنيات «إنتل» و«غوغل» شرعتا تحولان اهتماماتهما من سطح المكتب إلى لوحات القيادة في السيارات أملا في توصيل قدرة الكومبيوترات إلى السيارة، فهما تريان فرصة كبيرة لجني الأرباح عن طريق العمل مع منتجي السيارات لتطوير الجيل المقبل من الأجهزة التي لا يمكن مقاومة جاذبيتها.

وخلال معرض الإلكترونيات الاستهلاكية السنوي الذي أقيم أخيرا في لاس فيغاس عرضت الشركات ما تطمح إليه، وهو شاشات قياس 10 بوصات تعتلي السطح الموجود فوق ذراع ناقل الحركة لعرض الفيديوهات العالية الوضوح، والخرائط الثلاثية الأبعاد، وصفحات الإنترنت.

* نظم معلوماتية للسيارة

* والموجة الأولى من هذه «النظم المعلوماتية الترفيهية والمسلية»، كما يدعوها أرباب صناعة السيارات والتقنيات، ستغزو الأسواق في العام الحالي. ففي الوقت الذي كانت فيه مميزات الملاحة التي وُضعت داخل السيارات في وقت من الأوقات خيارا مكلفا، فإن من المحتمل أن تتحول النظم الجديدة إلى معدات عادية قياسية في مجموعة واسعة من السيارات في وقت قصير. ورغم أنها تحول دون قيام السائق مشاهدة الفيديو خلال قيادته السيارة، فإنها تظل تقدم المحتويات، مثل المعلومات الخاصة بالمطاعم والألبومات الموسيقية، بنقرة واحدة من الإصبع.

ويقول الحريصون على السلامة إن الشركات التي تقف وراء هذه التقنيات تُصِمّ آذانها عن نتائج البحوث التي تظهر أخطار إلهاء السائق وتحويل نظره عن الطريق الذي أمامه، وكذلك عن النقاش الحامي الدائر حول استخدام الأجهزة الجوالة في السيارات، وكيفية تفادي آلاف الحوادث المسببة للإصابات التي تحصل سنويا.

«ويُعتبر مثل هذا الأمر عملا غير مسؤول ومدمرا في أفضل حالاته»، وفقا لنيكولاس أشفورد أستاذ التقنيات وسياساتها في معهد ماساتشوستس التقني (إم آي تي) الذي علق على الجهود الجديدة للمزاوجة بين السيارات والكومبيوترات، في حديثه لصحيفة «نيويورك تايمز». وأضاف أن «من سوء الحظ، والمحزن، هو أن هذا استمرار للسعي وراء الأرباح على حساب السلامة، سواء تلك التي تتعلق بالسائقين، أو بالمشاة».

* تقنيات جديدة

* ومن النظم التي في طريقها إلينا هذا الشتاء تلك التي تأتي من شركة «أودي»، التي ستتيح للسائقين استخراج المعلومات في أثناء القيادة. إذ يمكن خلال قيادة السيارة إلى مباراة رياضية في أحد الملاعب، النقر على رقعة اللمس والحصول على معلومات من «ويكيبيديا» حول المكان المقصود، مع صور له، ومعلومات عن المطاعم المجاورة، فضلا عن رسوم محاكاة حول كيفية الوصول إلى هناك. وتبرز ملاحظة لدى تشغيل نظام «أودي» هذا تقول: «يرجى استخدام خدمات الشبكة عندما تسمح أحوال السير بذلك وبشكل أمين».

وتقول شركات التقنيات والسيارات إن السلامة تبقى من الأولويات. وتشير إلى أنها تعمل على تشييد تقنية، كالأوامر الصوتية مثلا، والشاشات التي تظهر الخريطة للسائق، مع عرض فيلم سينمائي للراكب الأمامي، في الوقت ذاته، كما هو حاصل الآن في سيارة «جاغوار إكس جيه».

ويعلق جيم باكزكوسكي المدير العالمي لهندسة الأجهزة الكهربائية والإلكترونية في شركة «فورد»: «نحن نحاول أن نجعل السائق ينهمك أكثر في تجربة القيادة، كما نود أن نتأكد من أن تكون أكثر أمانا».

ويتيح نظام «فورد» الجديد المسمى «ماي فورد» للسائق تعديل درجة الحرارة، أو الاتصال بصديق في أثناء حركة السيارة، في حين أن متصفح الشبكة لا يعمل إلا إذا كانت السيارة متوقفة. من جهتها تقول «أودي» إنها ستقيد أيضا الوصول إلى الأعمال والمهمات المعقدة التي تلهي السائق. ولكن على العموم سيتحمل الأخير قسما كبيرا من المسؤولية في تحديد استخدام مثل هذه الأجهزة.

ويتيح التحسن السنوي للشرائح الكومبيوترية والأجزاء الأخرى وتناقص كلفتها لمنتجي السيارات تقديم المزيد من الأجهزة المعقدة. فقد أنتجت شركة «هارمان» التي مقرها ستامفورد في ولاية كونيتيكت، والتي تصنع مثل هذه الأجهزة للسيارات، زوجين من نظم الوسائط المتعددة المتطورة، التي من المقرر طرحها في العام الحالي، والتي تستخدم شرائح كاملة القدرة من «إنتل» و«نيفيديا». وكانت مثل هذه الشرائح تستهلك سابقا الكثير من التيار الكهربائي لكي يجري استخدامها في السيارات.

ويقول ساشن لواندي كبير التقنيين في «هارمان» الذي يعمل مع «أودي» و«بي إم دبليو» و«مرسيدس» و«تيوتا» وغيرها: «لقد نظرنا دائما إلى سوق الكومبيوترات «بي سي» بكثير من الحسد، فهي تملك الكثير من هذه الشرائح الجبارة التي لم نتمكن من استخدامها. لكن الأمر تغير الآن».

* لوحات عرض

* وكانت «فورد» قد كشفت النقاب أخيرا عن وحدة معدات إلكترونية معقدة جديدة مركبة على لوحة القيادة الأمامية التي من شأنها أن تجعل السيارة تدخل عالم الإلكترونيات من الباب الواسع. إذ تقوم الشاشة الملونة قياس 4.2 بوصة الواقعة إلى يسار عداد السرعة بعرض المعلومات التي تخص السيارة، مثل كمية الوقود الباقية، في حين تظهر شاشة مرفقة إلى اليمين أمورا أخرى مثل اسم المتصل على الهاتف الجوال، أو عنوان ملف الأغنية الرقمية التي يجري الاستماع إليها. وتقع في أعلى وحدة المعدات الإلكترونية هذه شاشة بقياس ثماني بوصات تعرض أمورا مثل لوحات التحكم، وصفحات الإنترنت عندما تكون السيارة متوقفة. وهذا النظام يدعم شبكة «واي - فاي»، فضلا عن وجود فتحتَي «يو إس بي» ومكان للوصل بلوحة المفاتيح، أي بإيجاز دعم الكثير من مميزات وخصائص الـ«بي سي» العادي القياسي.

وتدعم الشركات المنتجة للشرائح الإلكترونية الخاصة بأجهزة «بي سي» الشركات المنتجة للسيارات، لأنها تريد رؤية معالجاتها تدخل في تجارة السيارات التي يباع منها 70 مليون سيارة سنويا على نطاق العالم كله.

«وستصبح السيارات ربما من أكثر المعدات المستهلكة للأجهزة الإلكترونية التي نملكها»، كما يقول مايكل رايفيلد المدير العام لشركة «نيفيديا» المنتجة للشرائح الإلكترونية التي أبرمت أخيرا عقدا مع شركة «أودي». وأردف معلقا: «في العام الحالي ستجلس وسط هذه الأشياء جميعها لتمر في تجربة مختلفة كليا». فعمالقة هذه الصناعة مقتنعون بأنهم سيوفرون للمستهلكين ما يريدونه، مع الأشياء التي دربتهم على توقعها الإنترنت والهواتف الذكية.

«والزبائن يتوقعون المزيد والمزيد، لا سيما رجال الأعمال الذين يتوقعون أن يجدوا في السيارة ما يجدونه في الهواتف الذكية» استنادا إلى ماثياس هاليغر كبير مهندسي «أودي» لنظم واجهات تفاعل الوسائط المتعددة، «إذ يتوجب علينا إعطاؤهم التجربة ذاتها، إن لم تكن الأفضل».

وتضيف صناعة الكومبيوتر المزيد من الدعم الجديد لجهود منتجي السيارات لإدخال التقنيات الجديدة لتشكل مصدرا للربح. ففي السابق كانت تروج لأجهزة الاستريو المتطورة، لكن الملاحة الإلكترونية ونظم الهواتف المتكاملة هي اليوم المسألة الساخنة.

* مشكلات السلامة

* ويفترض أرباب صناعة السيارات، مثل المستهلكين، أن غالبية السيارات باتت متشابهة على صعيد الجودة والسلامة، واليوم ما يميز بعضها عن بعض هو التقنية العالية»، وفقا لأرت سبينيلا المحلل في صناعة السيارات الذي يعمل مع «سي إن دبليو ريسيرتش»، والذي أضاف: «لكنهم يتجاهلون تماما واحدة من المسائل الأساسية المتعلقة بمستقبل قيادة السيارات، ألا وهي تحويل انتباه السائق وإلهاؤه».

وإدراك هذه المسألة أخذت تتعاظم، وحتى في العام 2003 عندما كان القليل من الأشخاص يقومون بمهمات متعددة داخل سياراتهم، قدر الباحثون في جامعة هارفارد أن تحدث السائقين بالجوال سبب 2600 حادثة وفيات سنويا، و570 ألف حادثة أخرى انطوت على جروح وإصابات. وتقول تشارلي كلاور الباحثة في معهد فيرجينيا تيك للنقليات إن السائقين يواجهون خطرا أكبر لدى التطلع إلى الشاشة حتى لو كانت مجرد خارطة «جي بي إس» بسيطة. لكن مثل هذا الخطر يزداد كما تقول مع قيام الشاشات بعرض المزيد من المعلومات. وكلما حوّل السائقون نظرهم فترة أطول عن الطريق، تنامى خطر حصول الحوادث بشكل ثابت، حسب تأكيد كلاور.

ويبدو أن السلطات الرسمية قلقة أيضا من هذه التطورات، إذ يقول وزير المواصلات الأميركي راي لحود إن الشركات المشتركة في هذه المشاريع هم على خطأ، «فالفكرة أنها ستحمّل السيارات بجميع أساليب إلهاء السائق، وهذا ليس الصواب، وأنا أجاهر بمعارضتي لها».

لكن الشركات مقتنعة أنها تنتج نظم مساعدة تعرض معلومات مهمة، وأشارت إلى أن وجود المزيد من القدرة الكومبيوترية من شأنه أن يعني وجود تقنية أفضل للسلامة أيضا كالمستشعرات التي تتنبأ مسبقا بأحوال القيادة.

وأعلنت كل من «فورد» و«أودي» أنهما جرّبتا بشكل مكثف جدا نظمها هذه وعدلت فيها لتخفيض كمية الزمن الذي يقضيه السائقون وهم ينظرون إلى الشاشات.

ويؤكد دارين شوشك الناطق بلسان شركة «هارمان» أن شركته تعمل على تقنية للسلامة مثل نظم صوتية للاستماع إلى البريد الإلكتروني وإعداد رسائله «ولكن بشكل عام فإن اختبارات السلامة هي من مسؤولية منتجي السيارات».