هل وصلنا إلى مرحلة الإشباع.. بالأجهزة الجديدة؟

تقنيات إلكترونية كثيرة مكلفة قد لا نحتاجها

جهاز «آي باد» الجديد
TT

يملك كل واحد من الأشخاص البالغين بين سن الثامنة عشرة والتاسعة والعشرين في الولايات المتحدة ما لا يقل عن 4 أجهزة مختلفة. فهل يتسع المكان إلى أكثر من ذلك؟ لقد أخذت الأمور تزداد صعوبة بسبب عدة جوانب تصاحب تملك هذه الأجهزة، فهناك أسعار الأجهزة، والأجور المتزايدة لخدماتها، والفترة الزمنية التي يقضيها صاحبها للتعلم على تشغيلها واستخدامها، والفسحة الجغرافية التي تشغلها. وهي كلها تشكل مصاعب حتى بالنسبة إلى هواة هذه المعدات الراغبين في تبرير شراء واحد جديد منها. فما هو الكثير جدا إذن؟ كيرا مارشينيز التي تعمل في ميدان الاتصالات على الإنترنت وصلت مؤخرا إلى نيويورك في رحلة عمل مجهزة بعدتها الكاملة التي تتوقعها، والمؤلفة من هاتف ذكي، وآخر ذكي أيضا خاص بالعمل، ولابتوب، وجهاز «آي بود» يعمل باللمس. لكن المشكلة أن غرفتها بالفندق لم تكن مجهزة بمقبس كهربائي لكي تبقى هذه الأجهزة الثمينة مشحونة. فقامت بفك مصباح الإضاءة وفشلت، كما تقول ذلك بأسف. «من هنا فإن نصف الذي أحمله الآن تحول إلى خردة معدنية لا نفع منها»، كما نقلت عنها وكالة «أسوشييتد برس». وعلى الرغم من أن الاتصالات هي عالمها، فإنه لا خطط لها لكي تسارع إلى شراء «آي باد» الجهاز اللوحي الجديد الذي أعلنت عنه «أبل» مؤخرا بضجة كبيرة. فهي لا ترى أنها بحاجة إلى جهاز آخر بعد. ولا حتى بالنسبة إلى راي بومان الذي يصف نفسه من مدمني التقنيات، الذي يعيش في مزرعة للخراف في ولاية كنتاكي في أميركا، التي تبعد نحو 60 ميلا من أقرب محلين لشركة «أبل».

وكان بومان قد قضى ذلك اليوم الذي أعلن فيه ستيف جوبس المدير التنفيذي في «أبل» عن الجهاز الجديد، في تصفح «تويتر»، و«فيس بوك»، وأي موقع آخر قد يعثر عليه بحثا عن أخباره. وأعلن بحماس بالغ «أنه لا يستطيع الانتظار لرؤية هذا الجهاز وما يمكن أن يفعله».

وفي اليوم التالي، قرر زيارة مخزن في مدينة لويزفيل فقط لرؤية الجهاز وتفحص ما يمكن أن يقوم به. لكنه قرر حاليا الانتظار والاكتفاء بـ«نتبوك» (دفتر الإنترنت) الخاص به، قبل التحول إلى الجهاز الجديد.

* معدات متزايدة

* ويستخدم الاثنان مارشينيز وبومان نحو 7 أجهزة في ما بينهما، فهل هذه إشارة إلى وجود تحول في الثقافات بالتوجه نحو الإغراق في امتلاك الأجهزة والمعدات؟ ستيف جونز المؤرخ في تقنية الاتصالات قد رصد إشارات وتوجهات من هذا القبيل، ويعتقد أن جزءا من ذلك يعود إلى الوضع الاقتصادي. ويعلق جونز، وهو أستاذ بجامعة ألينوي في إربانا - شامبين: «أعتقد أننا قد وصلنا إلى نقطة حيث بتنا فيها (نستحلب) أميالا إضافية من معداتنا القديمة، بعدما أصبحنا واعين أكثر في ما يتعلق بميزانياتنا». وأضاف «يبدو أن هناك ثقافة نامية بين الناس تنص على التوجه إلى تعديل التقنيات القديمة قدر المستطاع لإبقائها نافعة، فهي تعني للبعض محاولة الحصول على أميال إضافية من معداتهم هذه».

ولكن كم عدد هذه الأجهزة التي نملكها؟ المعدل هو 3.5 استنادا إلى الأرقام التي قام بجمعها مركز «بيو» للاستشارات الخاص بمشروع الإنترنت والحياة الأميركية، إذ يبلغ معدل عدد الأجهزة لدى البالغين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و29 سنة، أربعة أجهزة، وأقل من ثلاثة، بالنسبة إلى الذين تتراوح أعمارهم بين 30 و64 سنة.

وإذا نظرنا إلى الأمر من زاوية أخرى، فإن المنزل العادي يملك نحو 24 جهازا إلكترونيا، استنادا إلى جمعية الأجهزة الإلكترونية الاستهلاكية، وهو رقم يشمل أجهزة التلفزيون، والهواتف الجوالة، والكومبيوتر، وأجهزة الاستقبال المنزلية.

من هنا ليس من الصعب أبدا أن يصبح أكثر صعوبة إقناع المستهلكين بالأجهزة والمعدات الجديدة التي تظهر باستمرار، «فالعقد الأخير تميز بالتبني الكثيف للأجهزة، أما العقد المقبل فسيتميز برفع الجودة والتركيز على الأمور العملية والقدرة على أداء المهام» كما يقول شون دوبرافاك المدير المشارك في الأبحاث.

* استخدام مكثف

* أما دبي أبوت (48 عاما) التي تعمل مديرة إدارية لإحدى الكليات، والتي تابعت العرض الذي قدمته «أبل» حول جهازها اللوحي الجديد «آي باد»، فترى الأمر من الزاويتين، إذ تعترف بأنها من المدمنين للأجهزة التقنية، وأنها تتوق للحصول عليه.

وهي تستدرك قائلة: «لا تخطئوا! أنا أخطط للحصول عليه، ولكن ليس الآن. فأولا أرغب في انتظار الجيل الثاني منه، عندما يجري تذليل مشكلاته وعيوبه الحالية، وتدني سعره البالغ حاليا 499 دولارا». كما أنها ترغب في الانتظار حتى يتوقف عمل دفترها «آي بوك» الذي مضى عليه 8.5 سنة، عن العمل نهائيا، وهو ما تتوقع، أو تأمل، أنه سيحصل قريبا.

وأضافت: «ما يخيفني هو رغبتي في الحصول على الجهاز الجديد، والرسم الشهري الذي يتوجب تسديده عنه، مع الرسم الشهري الآخر الذي أسدده حاليا عن هاتفي (آي فون)، ما يعني أننا سنصل إلى مرحلة بحيث لا يكون في قدرة الشخص العادي امتلاك مثل هذه المعدات».

«لكن كل جهاز جديد هو استثمار في حد ذاته»، كما تقول مارشينيز (36 عاما)، فقوة الجهاز تكمن في تركيب كل هذه التطبيقات، ولكن مثل هذه الأمور لا تحصل من ذاتها، فإذا كنت لن تستفيد من الأمور جميعها هذه، فما هو المنطق في الحصول عليه؟

وهذا هو جزء من الشعور العام المتضارب الذي يمتلك الكثيرين منا في ما يخص أجهزتهم، استنادا إلى لي رايني مدير مشروع «بيو» للإنترنت. وأضاف أن دراسة صدرت في نهاية عام 2007 أظهرت «أن الكثيرين من الأشخاص لهم أراء متضاربة في ما يتعلق بأجهزتهم. فمن جانب قد تكون هذه الأجهزة غالية الثمن ومضيعة للوقت، ومن جانب آخر قد تساعد الأشخاص على الدخول في عالمي المعلومات والشبكات الاجتماعية، وجعل الحياة أكثر سهولة وإثارة في الوقت ذاته». فالإثارة كل الإثارة هنا عندما تظهر أداة جديدة جذابة، وفقا إلى جيفري كول مدير مركز المستقبل الرقمي في جامعة سوذرن كاليفورنيا. «وقد نكون متعبين جدا، ومستهلكين من قبل هذه الأجهزة، ولكن التعب يختفي كله، عندما تظهر الأجهزة الجديدة التي لا بد من الحصول عليها، لأننا نقع في هواها دائما»، كما يضيف.

وأبلغ مثال على ذلك مات سكاتشيل طالب الثانوية الذي تابع تقديم «أبل» لجهازها الجديد عبر هاتفه الجوال، بعدما تلقى إخطارا من الأخيرة من موقع مخصص لهواة أجهزتها. وهذا ليس بأمر مستغرب من شخص انتظر 13 ساعة على الشبكة لشراء «آي فون» مستعمل. وهو مع ذلك غير مستعد حاليا لشراء هذا الجهاز، «فالأولاد في سني ليسوا عمليين بما فيه الكفاية. فأنا من جهتي راغب في معرفة ما إن كان بمقدوري استخدامه، لأنني لا أريد الانقياد وراء حماستي فقط»، على حد قوله.