الماوس.. سيظل عنصرا أساسيا لا يُستغنى عنه بسهولة

شاشات الكومبيوتر العاملة باللمس لا تعمل جيدا مثلها في الهواتف الذكية

TT

هاتف «آي فون»، وكذلك العمليات الكومبيوترية التي تتم على الشاشات المتعددة اللمس هي من الأمور المرغوبة جدا هذه الأيام، إذ يبدو أن ثمة ما يجذب الناس إلى الأسلوب الذي يستخدمه توم كروز في أفلامه في كيفية الإمساك بالأشياء على الشاشة وقذفها هنا وهناك، لا عن طريق الماوس، ولكن عن طريق أصابعه.

ولكن ما أهمية الماوس في أي حال؟ وهل من الطبيعي أن يقوم الفرد بتحريك علبة بلاستيكية صغيرة عبر سطح مسطح لتحريك الأشياء على شاشة عمودية تبعد عنه نحو قدمين؟ إنها تقنية قديمة قد تعود إلى العصر الحجري.

وقد جلب «آي فون» معه الشاشة المتعددة اللمس إلى العالم الحقيقي. فإذا رغبت في الضغط على زر يمكنك ذلك، وإذا رغبت في قلب الصفحة، أمكن ذلك، كما لو أنها صفحة فعلية. وإذا أردت أن تحرك الخارطة إلى أسفل عن طريق جر أصابعك أمكن ذلك أيضا كالخارطة الحقيقية. ثم وسّع بين إصبعيك على زجاج الشاشة لتكبر الصورة أو الصفحة وتقربها. وبعد ذلك لفّ إصبعيك لتدوير هذه الصورة. إنه عمل منطقي ومباشر.

ولكن لماذا تكون عملية اللمس المتعدد محصورة بهاتفك؟ لماذا لا نطبق ذلك على أجهزة الكومبيوتر أيضا؟

يبدو أن «مايكروسوفت» تَعرّفت هذه التقنية لأن «ويندوز 7» تعرفت جميع إيماءات الأصابع في «آي فون» من زم وقرص وتوسيع وتدوير ونقر، ونقر مزدوج. بل يمكن حتى تقليد النقر على يمين الماوس، وقيام كل إصبع من الإصبعين بعمل مختلف على مكانين مختلفين من الشاشة. كل ذلك بات ممكنا لدى شراء كومبيوتر بشاشة متعددة اللمس الذي شرع يظهر أخيرا إلى الوجود.

لكن القيام بالإيماءات على شاشة الهاتف الصغير الذي يناسب يدك تماما هو أمر، والقيام بذلك على شاشة كبيرة ثابتة عموديا ولا تتحرك، أمر آخر. ثم إن الحفاظ على الذراع بالزاوية الصحيحة مع الشاشة، للقيام بالحركات الصغيرة الدقيقة على الزجاج، هو أمر مضنٍ ولا يتناسب مع الراحة الجسدية. والآلام والأورام الناجمة عن مثل هذا العمل حصلت على وصف دُعي «الخوف من ذراع الغوريلا»، الذي قضى على العمليات الكومبيوترية باللمس التي انطلقت الموجة الأولى منها في أوائل الثمانينات من القرن الماضي.

ولكن هل «ذراع الغوريلا» حقيقة واقعة؟ الفنانون والرسامون والنحاتون عملوا في ظروف وأوضاع جسدية مماثلة طوال ألفية كاملة من الزمن السعيد. إذن أين تكمن الحقيقة؟ هل ستكون العمليات الكومبيوترية باللمس هي المستقبل، أم هي صرعة مكلفة قد ترسلنا جميعا إلى طلب العلاج الطبي؟

لقد قررت أن أجرب ذلك بنفسي عندما أعارتني «توشيبا» جهاز كومبيوتر يعمل باللمس، وهو «ساتلايت إم 505» (1000 دولار)، كما أن «هيوليت - باكرد» (إتش بي) أرسلت إليّ كومبيوترا مكتبيا يعمل باللمس أيضا من طراز «تاتش سمارت 600» (1170 دولار).

و«بي سي تاتش سمارت» هذا له لوحة مفاتيح مع إضاءة وماوس يعملان لاسلكيا، مع كاميرا ويب يمكن قلبها، وشق لوضع بطاقة الذاكرة، وقاعدة يمكن تعديلها وفتحات «يو إس بي» مع تغذية «HDMI» التي تمكّن من استخدام الشاشة العالية الوضوح قياس 23 بوصة لأغراض التسلية والترفيه المنزلي مع كابل تلفزيوني لاستخدام «ويندوز ميديا سنتر» للبث التفاعلي. غير أنه لسوء الحظ قد يكون هذا الجهاز معبأ بجميع المرافق والتسهيلات، إلا أنه بطيء جدا. سواء لدى البدء في تشغيله، أو فتح برامجه، وحتى في الاستجابة لنقرات الأصابع. وتؤكد «إتش بي» أنه مصنوع من أجزاء أجهزة جوالة (لاب توب)، مما يعني عدم قدرته الاستجابة حتى للأعمال البسيطة. وعند توسيع الإصبعين بغية تكبير الصفحة، لا يتم ذلك بسلاسة، إضافة إلى البطء الشديد في العمليات الأخرى.

أما لاب توب «توشيبا» فهو حكاية أخرى، فهو جهاز ثقيل سميك بمفاتيح مفلطحة تنزلق عنها الأصابع، لكن الشاشة العاملة باللمس سريعة ومستجيبة. وهناك زر على الشاشة. انقر عليه لتصل إلى الماوس الذي يقود المؤشر عبر الشاشة. لكن الأمر لا يبدو طبيعيا. ولسوء الحظ هناك أربعة عوائق أمام عملية اللمس المتعدد لكي تعمل جيدا على الكومبيوتر «بي سي»، مثلما تعمل على هاتف التطبيقات المتعددة: الأول هو ضرورة أن يؤدي اللمس مهمته في كل مرة، لأن الاستجابة له في جهاز «إتش بي» مثلا هي صعبة وعنيدة، بحيث إذا نقرت عليك الانتظار ومعرفة ما إذا كان الجهاز قد شعر بطلباتك أم لا. الثاني مشكلة حجم الإصبع، ففي هاتف التطبيقات يكون كل عنصر على الشاشة كبيرا وصديقا للإصبع، ولكن ليس بالنسبة إلى جهاز الكومبيوتر.

غير أن «ويندوز 7» تساعد حاليا بالأساليب الصغيرة، فعلى شاشة الكومبيوتر يظهر زر الكشف عن لوحة المفاتيح بعرض مزدوج. ويمكن هنا الوصول إلى اللوائح عن طريق مسح الإصبع على الشاشة إلى الأعلى بدلا من النقر على اليمين. وفي إنترنت «إكسبلورر 8» يمكن النقر بإصبعين للتكبير والتقريب، وهو أمر ملائم إذا ما رغبت في تكبير مساحة الرابط. أما «التاريخ» ولائحة «المفضلات» فهي أكثر توسعا بالمسافة. لكن بقية الأشياء تبقى كما هي صغيرة لا تناسب النقر بالأصابع.

وتسعى كل من «إتش بي» و«توشيبا» بالتعويض عن العيوب عن طريق برامج خاصة باللمس، لسحب الصور، والخرطشة، وتدوين الملاحظات، ومعرفة حالة الطقس، وتشغيل الـ«دي في دي» وغيرها من المهام. لكن الاثنين لا يستطيعان إعادة النظر في كل تطبيق. وحتى يتم ذلك سنظل نواجه الكثير من الصعوبات.

العائق الثالث هو أن برامج اليوم لا تستجيب بسلاسة لإيماءات اللمس. ففي غاليري الصور «لايف ويندوز» من «مايكروسوفت» تعمل إيماءة النقر على اليمين عن طريق علامة «ثامبنايل». ولكن حالما تفتح الصورة في «أدوبي ريدر» لا تستطيع تكبيرها عن طريق النقر بالإصبع، وإن كانت المهام الأخرى تعمل بشكل جيد. كذلك هناك المشكلة ذاتها بالنسبة إلى «بيكاسا» من «غوغل».

وعملية اللمس عديمة النفع تماما بالنسبة إلى معالجة الكلمات، إذ يمكن القيام بالتكبير مثلا، واختيار الكلمات عن طريق النقر المزدوج، لكن السحب الدقيق وإبراز العبارات هو أمر غير ممكن تقريبا.

العائق الأخير هو «ذراع الغوريلا» التي ألحقت بي ألما كبيرا بعد استخدام الكومبيوتر طوال عصر أحد الأيام، فقد آلمني رسغي كثيرا، وقد يتطلب الأمر حتى تناول بعض المسكنات. لذلك فإن جهاز الـ«بي سي» العامل باللمس لا يزال في أول الطريق ليصبح كاملا. وهذا يعني أن تقنية اللمس المتعدد ستظل ميزة مكملة، لكنها لن تغني عن استخدام الماوس.

* خدمة «نيويورك تايمز»