مستشعرات إلكترونية صغيرة.. من الحرير

تزرع في جسم المريض وترصد علامات الأمراض

TT

الجيل المقبل من الأجهزة الطبية التي تعتمد على مواد ذات تقنية عالية لم تصنع في مسبك للمعادن أو في مصنع، بل في أحشاء دودة! وهذه التقنية هي واحدة من عشر تقنيات جديدة مهمة شرعت تبرز أخيرا كما يعتقد خبراء معهد ماساشوستس الأميركي للتكنولوجيا.

ويقوم فيورينزو أومينيتو مهندس الطب البيولوجي في جامعة تفتس باستخدام الحرير كأساس لأجهزة ضوئية وإلكترونية يمكن زراعتها في الجسم، وتعمل كأداة لرصد العلامات البيولوجية، وفحص الدم، وكمركز للتصوير.. وصيدلية معا، بحيث تتحلل وتزول عندما تنعدم الحاجة إليها.

* حرير «إلكتروني»

* والإلكترونيات المزروعة قد تقدم صورة واضحة عما يجري داخل الجسم البشري للمساعدة في رصد الأمراض المعدية، والتقدم الحاصل إثر العمليات الجراحية، لكن مسائل التوافق البيولوجي مع جسم المريض تحد من استخداماتها. فالعديد من المواد الشائعة الاستخدام في الإلكترونيات تسبب تفاعلات مناعية لدى زرعها. وفي غالبية الحالات يتوجب استبدال الأجهزة الحالية المزروعة بطرق جراحية، أو إزالتها كليا في وقت ما، لذلك ليس من الواجب استخدام عمليات الزرع، إلا فيما يتعلق بالأجهزة المهمة، كمنظم ضربات القلب.

إلا أن الحرير هو مادة لينة وقابلة للتحلل بيولوجيا، وتنقل الضوء مثل الألياف الزجاجية البصرية. وعلى الرغم من صعوبة تحويل مادة الحرير إلى ترانزستور، أو سلك كهربائي، فإنها يمكن أن تخدم كمادة داعمة ميكانيكية لشتى الأجهزة النشطة الكهربائية متيحة لها التربع على عرش التقنيات البيولوجية من دون التسبب بأي تهيج أو إثارة.

ووفقا لكيفية معالجته، فإنه يمكن صنع الحرير لكي يتحلل داخل الجسم البشري بشكل فوري، أو الصمود لسنوات. كما يمكن استخدامه لتخزين الجزيئات الرقيقة مثل الإنزيمات لفترات طويلة.

وكان أومينيتو قد بدأ يعمل على الحرير قبل ثلاث سنوات عندما طلب منه أطباء المساعدة لتحويل تلك المادة إلى سقالات معقدة لإنماء أنسجة جديدة. وهو يقوم بغلي يرقات دودة قز الحرير وتصفية المحلول الناتج لإنتاج المادة الأساسية الرئيسية التي هي محلول أساسه الماء مكون من بروتين حريري يدعى «فيبروين». ويمكن صب هذا المحلول في قوالب لصياغته بأشكال صغيرة لا يتعدى عرضها 10 نانومترات (النانو هو واحد من المليار).

* أجهزة بصرية

* وقام أومينيتو بصياغتها في تشكيلة واسعة متنوعة من الأجهزة البصرية مثل العدسات والمرايا والمناشير والألياف الضوئية التي يمكن استخدامها جميعا لتوجيه الضوء إلى المستشعرات البيولوجية، ومنها المزروعة في الجسم. والمزج بين مضادات الجسم أو الإنزيمات وتحويلها إلى محلول حريري قبل صياغتها وقولبتها ينتج عنها أجهزة وأدوات يمكن استخدامها في يوم ما لتحسس التركيز المنخفض لأي جزيئات بيولوجية ابتداء من السكري إلى مؤشرات الأورام.

وتمكن أومينيتو بالتعاون مع علماء من جامعة إلينوي في إربانا-شامبين في أميركا من إنتاج مواد للزرع تجمع بين الحرير والإلكترونيات السليكونية المرنة. وعلى سبيل المثال تمكن هذا الفريق من استخدام أفلام رقيقة سلكية لاحتواء مجموعات من الترانزستورات السليكونية الرقيقة والصمامات الثنائية الباعثة للضوء LED لتشكل قاعدة محتملة للأجهزة المزروعة التي ستساعد في التعرف على تركيز المؤشرات الخاصة بالأمراض. وأثبت الباحثون أن الأدوات هذه تعمل بشكل جيد في الحيوانات الصغيرة من دون ظهور أي دليل على ردود فعل تتعلق بنظام المناعة مثلا. ويذوب الحرير بعد ذلك مخلفا كميات قليلة من السليكون والمواد الأخرى التي تستخدم في الدارات الإلكترونية.

ويقوم جهاز آخر باستخدام الحرير كمادة تخضع لتأثير الخمائر في شبكات الأقطاب الكهربائية المعدنية المصممة للحلول محل الأقطاب المسمارية الشكل المستخدمة على سطح الدماغ لتشخيص ومعالجة حالات كداء الصرع. ولدى غمره بمحلول ملحي يقوم الحرير بلف الشبكة حول سطح الدماغ، مما يساعد الأقطاب على قياس النشاط العصبي بصورة أكثر دقة. ومن المحتمل أن تكون الأقطاب التي أساسها الحرير المجموعة الأولى من هذه الأجهزة التي سيجري اختبارها على الأشخاص، ربما خلال السنتين أو الثلاث المقبلة.

ويرى أومينيتو إمكانيات واستخدامات أخرى مستقبلا، ومثال على ذلك سيكون بمقدور الألياف الضوئية نقل الضوء من مجموعة LED إلى مستشعر حريري مزروع بمقدوره تغيير اللون لتبيان أن مرض السرطان قد عاد مثلا. وسيكون بمقدور الجهاز عندئذ إطلاق جرعة معيرة تماما من الدواء. وسيكون بمقدور ليف سلكي ثان بث المعلومات إلى سطح جلد المريض، بحيث يمكن قراءة النتيجة عبر الهاتف الجوال. وجميع مكونات هذه الأشياء موجودة كما يقول أومينيتو، فحالما يجري جمع جميع القطع معا فإن قطعة صغيرة من الحرير ستسهم في إنقاذ الأرواح.