عوالم افتراضية.. لأغراض المحاكاة والتدريب والتشارك في الخبرات

استخدام شخصيات «أفاتار» الرمزية يتوسع في الشركات

عالم افتراضي للتعلم عن طريق المحاكاة
TT

لم تعد الشخصيات الرمزية، المسماة «أفاتار» avatar، التي تتقمص أدوارها على الإنترنت، مخصصة فقط للأفلام ولا للاستخدام من قبل الأشخاص المهتمين بالمجال التقني في أوقات فراغهم. بل إن بعض المنظمات تستخدم في الوقت الراهن العوالم الافتراضية في أغراض التدريب والمحاكاة ووضع النماذج، إلى جانب أمور أخرى.

يحقق مركز الحروب تحت المائية التابع للبحرية الأميركية مثلا، أقصى استفادة مما يسميه المسؤولون «التعلم عن طريق الاستغراق في المحاكاة» immersive learning، وهو بيئات عمل افتراضية مفعمة بالصور الرمزية، وذلك بهدف زيادة مناهج التدريب الحالية وتيسير أعمال الهندسة التعاونية collaborative engineering.

* عوالم افتراضية

* ويقول ستيف أغيار، رئيس مشروعات العوالم الافتراضية بالمركز الأميركي، إن «التعلم بالمحاكاة يضم كل الجوانب التي توفرها القدرات الحقيقية للعالم الافتراضي الذي تكون فيه قوة الجاذبية اختيارية، والقياس عشوائيا، ومن الممكن فيه جعل الأشياء شفافة». وفي العام الماضي، بدأ المركز الأميركي للحروب تحت المائية تجريب بعض هذه العوالم الافتراضية ليس فقط من أجل التدريب ولكن أيضا للنظر في بعض القضايا الأخرى مثل وضع النماذج بطريقة سريعة، ومحاكاة ميدان المعركة، ووضع النماذج المعرفية، يقول أغيار في حديث لمجلة «كومبيوتر وورلد» الإلكترونية.

وبالنسبة لمرحلة الاختبار، استخدم المركز منصتين للعوالم الافتراضية، وهما منتج من شركة «تيليبليس»، ومقرها مدينة ريدوود بولاية كاليفورنيا الأميركية، المسمى على اسم الشركة Teleplace، ومنتج الحياة الأخرى «الحياة الثانية» Second Life، من مختبر ليندن في سان فرانسيسكو.

* شخصيات «أفاتار»

* ويشير أغيار إلى أنه في حين استخدم المركز الأميركي أدوات تصميم ثلاثي الأبعاد لفترة طويلة، فإن الاختلاف في منتج مثل «الحياة الثانية» هو «أنه من الممكن أن يكون لدي مساهمون من جميع أنحاء العالم يدخلون على شبكة عسكرية آمنة بشخصيات رمزية، بدلا من مطالبتهم بالسفر وجمعهم في جلسة مادية لمراجعة التصميم».

وبالنسبة للهندسة التعاونية، فإن ذلك يعني القدرة على استنساخ كامل موقع القيادة والسيطرة في غواصة، في عالم افتراضي. وبالنسبة للتدريب، يعني ذلك خلق حيز معلوماتي تستطيع فيه الشخصية الرمزية لأحد البحارة «السير» إلى البيانات، أي تمكنها من الحصول على المعلومات.

ولا يزال استخدام الشخصيات الرمزية والعوالم الافتراضية في مراحله الأولى، وفقا لإريكا درايفر، المديرة بشركة «ثنك بالم» المتخصصة في استخدام الإنترنت في المحاكاة في أماكن العمل. وتقول درايفر: «في بيئة افتراضية ثلاثية الأبعاد، يمكنك خلق أي شيء على وجه الأرض. حيث إنه بمقدورك الالتقاء بزملائك داخل القلب البشري وتعليم طلابك حول ذلك.» ومثال آخر على ذلك: أنهت إحدى شركات الأدوية للتو تجربة إكلينيكية، وهناك 6000 نقطة بيانات، ويحتاج صناع القرار عرض البيانات من زوايا مختلفة. وتضيف درايفر: «الأبعاد الثلاثية شيء مثالي بالنسبة لمثل هذه الحالات».

* تشارك افتراضي

* وتركز الشركات على البيئات الافتراضية كوسيلة لزيادة المشاركة «ومشاركة الخبرات التي لا يمكنك اكتسابها بأي وسيلة أخرى». ومن الممكن تنصيب البرمجيات على الشبكة الخاصة بأي شركة، أو تسليمها على أجهزة أو الدخول عليها عبر البرمجيات كخدمة (أو ما يشار إليه بساس SaaS). وبغض النظر عن الصورة المستخدمة، فهناك إصدارات مخصصة أو آمنة من العوالم الافتراضية المتاحة مجانا عبر الإنترنت.

وحسب تقديرات «ثنك بالم»، فقد بلغ حجم سوق برمجيات المحاكاة في الشركات نحو 50 مليون دولار في عام 2009.

وعلى الرغم من ذلك، فإن التوسع في هذا المجال كما تعتقد درايفر يتطلب أن تتوجه الشركات إلى التغلب على ثلاثة حواجز رئيسية، هي «التكنولوجيا والتكلفة والفهم».

* معارض افتراضية

* ولا تُستخدم البيئات الافتراضية في أماكن العمل فحسب، لكنها حققت نجاحا كذلك في أماكن المعارض التجارية. وفي الفترة الأخيرة، صممت شركة «جي إي هيلث كير»، التي تقيم ما بين 400 إلى 500 معرض تجاري كل عام، المعرض الافتراضي الأول الخاص بها من أجل لأشخاص الذين لا يستطيعون الذهاب إلى المعرض التجاري الخاص بجمعية الطب الإشعاعي لأميركا الشمالية. وبلغ عدد الحضور في هذا الحدث، الذي افتُتح في شيكاغو في نهاية شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، 5000 فرد.

وتعاون مسؤولون مع مقدم الخدمة «إن إكسبو» «In Xpo» لمساعدتهم على «خلق تصميمات ورسومات من الممكن إعادة استخدامها وتقدم رسالة ثابتة حول العلامة التجارية على الصعيد العالمي».

وباستخدام الخدمة التي تقدمها «إن إكسبو» طورت «جي إي هيلث كير»، معرضا افتراضيا كان مطابقا لقاعات العرض الحقيقية في جمعية الطب الإشعاعي لأميركا الشمالية، وكان مفعما برسومات ثلاثية الأبعاد لقاعة العرض والأجهزة الحقيقية التي كانت موجودة في المعرض.

واستغرق الأمر ستة أسابيع وكانت التكلفة نحو 100 ألف دولار لتقديم قاعة عرض افتراضية، وبلغت هذه التكلفة ثلث تكلفة خدمة الموقع الصغير والثابت القائم على استخدام الفلاش، والتي كانت تستخدمها الشركة في الماضي. ولن تحل قاعة العرض الافتراضية مطلقا محل الحضور المادي للشركة في المعارض التجارية الأكبر، لكن الشركة تنظر إليها على أنها طريقة لتقليص حضورها في المعارض الأصغر.

وتشمل العوائق طويلة المدى التحدي المتمثل في دمج برمجيات المحاكاة مع أنظمة الأعمال الأخرى، حسبما قالت درايفر.

وفي هذه الأيام، تعد برمجيات المحاكاة مستقلة بذاتها إلى حد كبير. حيث إنها تتكامل مع أنظمة أدلة الشركات، وفي بعض الأحيان مع برمجيات الإنتاجية في المكاتب أو أنظمة إدارة التعلم، لكنها تتكامل بدرجة صغيرة مع الأنظمة الأخرى.

* تقبّل البيئة الافتراضية

* وقد يكون اتخاذ الوقت لفهم كيفية استخدام البيئات الافتراضية وتطوير تطبيقات مهمة أمرا مثبطا للهمة بالنسبة لمعظم رجال الأعمال. ويقول روبرت بلومفيلد، الأستاذ بمدرسة جونسون للإدارة بجامعة كورنيل، «عندما تقول كلمة (أفاتار) (أو صور الشخصيات الرمزية)، يبدأ الناس في الضحك. فهناك تأثير الألعاب، حيث يفكرون في لعبة عالم الحروب وغيرها من الألعاب على الكومبيوتر».

ويخشى بلومفيلد أيضا أن الاتجاه نحو أجهزة الهاتف المحمولة الأصغر حجما، التي حجمت من معدل نقل البيانات وقدرة المعالج، سيمثل عائقا أمام استخدام البيئات الافتراضية في أماكن العمل.

واختارت شركة «بي بي» العملاقة للنفط والغاز التكنولوجيات التي تعتمد على المحاكاة لبرنامج «مغير اللعبة» لعام 2009 - 2010 الخاص بها، والذي يحدد بصورة سنوية إحدى التكنولوجيات الصاعدة التي تعتقد الشركة أنها تستطيع تقديم مدخرات قيمتها 50 مليون دولار أو أكثر.

كما تبنت شركة «إيه سي إس لخدمات التعلم»، وهي شركة مقرها دينفر وتقدم خدمات التدريب في مجال تنمية التوظيف في الشركات، بيئات مختلفة للعالم الافتراضي. وحول السبب وراء ذلك يقول العملاء لقد أصبح مهما بصورة متزايدة أن تكون قادرا على تدريب الأفراد بفاعلية من دون الحاجة إلى نقلهم إلى أماكن مختلفة في أنحاء العالم، حسبما ذكرت كارولينا أفي، الخبيرة الاستراتيجية في الشركة.

وبالعودة إلى مركز الحروب تحت المائية للبحرية الأميركية، فقد أصبح التدريب أكبر من الحياة، بكل ما في الكلمة من معنى. ويفسر أغيار ذلك قائلا: «أستطيع الدخول على (الحياة الثانية) كشخصية رمزية والسير داخل مركز الهجوم بالغواصات في السفينة الحربية (يو إس إس فرجينيا)، والذي يعد مكانا للقيادة والسيطرة، والذي يضع به القائد المهمات وينفذها». وباستخدام منتج شركة «تيليبليس» على شبكة داخلية في نموذج مركز الهجوم الافتراضي، يستطيع المشغلون الدخول بشخصياتهم الرمزية وإدارة الأنظمة الفعلية على متن السفينة.

كما يعتزم المركز إجراء تجارب باستخدام منتج تيليبليس. وأضاف أغيار: «سنكون قادرين على ممارسة وإدارة تجارب حول كيف سيكون الأسطول قادرا على استخدام التصميمات المستقبلية لمركز الهجوم، من دون الحاجة إلى بنائها فعليا في حيز مادي». ويشير إلى أن إجراء الاختبارات من دون الحاجة إلى بناء حيز مادي من الممكن أن يوفر على المركز «ملايين» الدولارات على مدار السنوات القليلة المقبلة.

ومثال آخر على الصورة التي تبدو عليها الشخصية الرمزية لمركز الحروب تحت المائية في أماكن التدريب على التعلم بالمحاكاة هو الطريقة التي ينتقل بها الصوت تحت الماء. إذ لا ينتقل الصوت في خط مستقيم تحت الماء؛ حيث إنه يتأثر بالكثير من العوامل البيئية، مثل درجة الحرارة والملوحة والعمق والضغط. وقال أغيار: «لذا، تغوص الشخصية الرمزية تحت الماء وتستطيع رؤية خطوط متعرجة تتعقب الصوت والمنحنيات التي تتبعها». وبرؤية الصوت حولها، تصبح الشخصية الرمزية منغمسة في المعلومات.

وحتى مع جميع المزايا التي تقدمها البيئات الافتراضية، فإن المستخدمين الجدد يقرون بأنه سيكون من الصعب بيعها إلى مستويات الإدارة العليا.

وتقول أفي من «إيه سي إس»، «إن ذلك بمثابة أرض جديدة لعملائنا. عليك أن تحصل على عائدات استثمارية من ذلك، وعليك التعامل شركات التكنولوجيا بشأن قضايا معدل نقل البيانات وقضايا التحميل».

ويقول بلومفيلد من جامعة كورنيل إن «العوالم الافتراضية غير مألوفة، لذا أمامنا الكثير لنتعلمه، ويمثل ذلك تحديا كبيرا». لكنه يعتقد أنه على الرغم من المفاهيم المتعلقة بهذه الأنواع من البيئات، فإن هذه الصناعة ستواصل التقدم. ويشير إلى أنه لم تمر فترة طويلة منذ أن كان الناس خائفين بشأن احتمالية استخدام الإنترنت في سياق العمل.

ويتفق أغيار مع هذا الرأي، حيث يقول: «ستواصل العوالم الافتراضية النمو وستتحول بصورة سريعة للغاية من كونها مفهوما جديدا إلى شيء متأصل بالنسبة لنا، مثل الإنترنت».