تدني نوعية الموسيقى وجودتها مع ظهور التقنيات الجديدة الجوالة

الشباب من الجيل الرقمي يفضلها

TT

جون زيمر، شاب في الـ28 من عمره، مهووس بنوعية الصوت وجودته من موسيقاه. وكان يعمل في أحد الأيام مهندسا للصوت، والآن يعمل مستشارا لشركة «استيريو إكسشينج» المخزن الرفيع للتسجيلات الصوتية في حي مانهاتن. وهو يتوهج سرورا لدى الحديث عن النقاوة العالية ومكبرات الصوت التي يبلغ سعرها 10 آلاف دولار. ويقول إن أجهزة «آي بود» وملفات الكومبيوتر المضغوطة التي هي أكثر الوسائل الموسيقية شعبية حاليا، تقوم بامتصاص الحياة من الموسيقى.

وكان العقد الماضي قد شهد ثورة عارمة في التطورات التقنية المدهشة، بما في ذلك التعزيزات في الأصوات المحيطة، والتلفزيون العالي الوضوح والثلاثي الأبعاد التي غيرت كلها من تجربة الهواة. وثمة تحسينات في نوعية الوسائط المتعددة وجودتها في كل مكان، باستثناء الموسيقى.

ويبدو أنه من نواح كثيرة تراجعت نوعية ما يسمعه الناس، والجودة في إعادة تشغيل الصوت الأصلي. وبالنسبة إلى الكثير من الخبراء فإن الملفات الموسيقية المضغوطة تنتج أصواتا مرتجة متقطعة وذات نبرة رفيعة أكثر من الموسيقى المسجلة على أقراص «سي دي»، أو غيرها من أقراص الاسطوانات القديمة. وبغية منافسة الأغاني الأخرى تجري هندسة مجموعات الأغاني المسجلة لكي تكون أكثر صخبا وارتفاعا في الصوت أيضا.

* نقاوة الصوت

* من إحدى النواحي فقد أضحت الموسيقى ضحية نجاحها التقني. فسهولة تحميل الأغاني والموسيقى على الكومبيوتر وأجهزة «آي بود» تعني أن أجيالا من الهواة قد اختاروا سهولة الاستماع أثناء التنقل والتجوال بدلا من النقاوة والوضوح العاليين. وهذه تشكل عقبة في وجه الصناعات في سعيها لإنتاج نوعية وجودة عاليتين، وأساليب أكثر كلفة للاستماع. لكن إذا كان الأشخاص مهتمين بالحصول على موسيقى أفضل، فإن ثمة أساليب كثيرة للقيام بذلك، لكن الكثير منهم لا يدركون أنهم مهتمون فعلا. ولنأخذ مثلا على ذلك توماس بيناليس (22 سنة) من «سبانيش هارلم» والمعجب ببعض أكثر الفنانين شعبية. فهو يصغي إلى موسيقاه المخزنة في جهازه «أبل آي بود» عن طريق زوج من السماعات الصغيرة التي تشبه سدادة الأذن. وعلى الرغم من أنه لا يمانع في تحديث سماعته، فإنه غير مقتنع بأن ذلك جدير بالكلفة التي تترتب عليه «فسماعتي ليست من النوع ذي الموالفة الدقيقة، ولا أدري ما إذا كنت أستطيع أن أميز الفروق أم لا» على حد قوله. فالتغيير في نوعية الصوت يمت إلى الجانب الثقافي، كما أنه يمت إلى الجانب التقني. فلعقود من الزمن بدأت في الخمسينات، كانت أجهزة الاستيريو الغالية الثمن رمزا للمكانة. ومثل هذه الأجهزة كانت مدعاة للتفاخر والتباهي تماما كالشاشات التلفزيونية المسطحة اليوم.

لكن مايكل فريمر، المحترف في الاستماع إلى الأصوات والموسيقى الذي يدير موقع «musicangle.com» المتخصص في مراجعة الألبومات يقول إن الاستيريو بات حاليا مدعاة للاستهزاء. ويبدو أن الأسواق اليوم تعكس هذا التغيير. فبين عامي 2000 و2009 قام الأميركيون بتخفيض إنفاقهم الإجمالي على مكونات الاستيريو المنزلية بأكثر من الثلث إلى نحو 960 مليون دولار، استنادا إلى جمعية المعدات الإلكترونية الاستهلاكية. فالإنفاق على الأجهزة الرقمية الجوالة خلال الفترة ذاتها ارتفع بمقدار 50 ضعفا حتى بلغ 5.4 مليار دولار.

«الناس كانوا يجلسون ويستمعون إلى الموسيقى» كما يقول فريمر، إلا أن الزيادة في التنقل والتجوال غيرت من أسلوب استماع الناس إلى الموسيقى المسجلة «فقد كانت أحد النشاطات، ولم تعد تعتبر كحدث يجري الاهتمام به» كما يضيف.

وبدلا من ذلك باتت الموسيقى تحمل من مكان إلى آخر، والاستماع إليها في الخلفية، بينما المستهلك يقوم بأعمال أخرى يمارس فيها الرياضة، أو يتنقل من مكان إلى آخر، أو يقوم بتحضير وجبة العشاء.

* ضغط الملفات الموسيقية

* ويجري عادة تخزين الأغاني مضغوطة في أجهزة رقمية غالبا بملفات AAC، أو «إم بي 3». ومثل هذا الضغط يقلص حجم الملف، ويزيل بعض الأصوات مع المدى الموجود عادة بأقراص «سي دي»، مما يتيح تخزين المزيد من الأغاني وتقليص فترة تنزيلها.

وحتى شركات الموسيقى ومحلات البيع مثل «آي تيونز ستور» التي افتتحت في أبريل (نيسان) 2003، رغبت أن تركز على نوعية الصوت، فواجهت قيودا فنية في البداية من دون أن نذكر الاقتصادية منها «فليس من الصعب بالنسبة إلى (آي تيونز ستور) إطلاق ملفات عالية الجودة إذا ما استغرق إنزال أغنية واحدة ساعة من الوقت»، كما يقول ديفيد دورن نائب رئيس «رينو إنترتاينمنت» المتفرعة عن «وارنر ميوزيك» المتخصصة في التسجيلات العالية النوعية.

ولم تخفق صناعة الموسيقى في مواصلة التجارب. فقبل عشر سنوات طُرحت في الأسواق صيغتان عاليتا الجودة: «دي في دي» صوتي (أوديو)، و«SACD» بالنسبة إلى أقراص «سي دي» الصوتية المتفوقة.. فتحتا المجال أمام أصوات متفوقة، حتى بالنسبة إلى «سي دي». لكن ولا واحدة من هاتين الصيغتين تمكنت من الاستمرار. وفي عام 2003 جرى شحن 1.7 مليون «دي في دي» صوتي وعنوان «SACD»، استنادا إلى جمعية صناعة التسجيلات في أميركا. لكن بحلول عام 2009 جرى شحن 200 ألف عنوان «SACD»، و«دي في دي» صوتي فقط.

وفي العام الماضي قام مخزن «آي تيونز ستور» بتحديث الجودة القياسية للأغنية من 128 إلى 256 كيلوبايت في الثانية، مما جعلها محتفظة بتفاصيل أكثر، مع التخلص من الطقطقة والفرقعة في الصوت. وتقوم بعض الخدمات الموسيقية على الشبكة حاليا بتسويق صوت ذي نوعية عالية كمجال لترويج البيع. وتعتبر «موغ» خدمة بث موسيقية جديدة أعلن عنها في مارس (آذار) الماضي. وهي تطبيق خاص بالهواتف الذكية التي تتيح لمشتركي الخدمات حفظ الأغاني في أجهزتهم. وتتوافر الموسيقى في الهاتف ما دام المشترك يقوم بتسديد 10 دولارات شهريا. ويمكن تنزيل الأغاني بسرعة 320 كيلوبايت في الثانية. وشرعت شركة أخرى هي «إتش دي تراكس دوت كوم» العام الماضي في بيع موسيقى يمكن تنزيلها، تتضمن حتى المزيد من المعلومات من أقراص «سي دي» مقابل 2.49 دولار للأغنية الواحدة. وحاليا أغلبية الأغاني المتوافرة هي من النوع الكلاسيكي أو الجاز.

وذكر ديفيد شيسكي، مؤسس «إتش دي تراكس»، ومؤلف الجاز والموسيقى الكلاسيكية، أن موقعه هذا حاول أن يضع الموسيقى في الأماكن والقاعات الكبيرة. وأضاف «حاول الموسيقيون طوال حياتهم السيطرة على الألحان، ونحن نحاول استغلال ذلك. فإذا رغبت في الاستماع إلى كمان (ستراديفاريوس) التي يبلغ ثمنها ثلاثة ملايين دولار، فأنت بحاجة إلى الاستماع إليها في قاعة تتيح لمثل هذه الآلة أن تكون بقيمة مثل هذا المبلغ».

غير أن أشخاصا كهؤلاء من المهتمين بذلك، يبقون نخبة قليلة حتى الآن، وهم معقدون من التغييرات الحاصلة في عمليات التسجيل. ومع تنامي الموسيقى الرقمية بات المولعون بالموسيقى يستمعون إلى ألبومات أقل. ويفضلون بدلا من ذلك التنقل بين أغنية وأخرى. ومؤلفو الأغاني والموسيقى الشعبية باتوا يرتعدون من احتمال أن تصبح أغانيهم أكثر هدوءا وضجيجا من الأغاني السابقة الموجودة على لوائح هواة الموسيقى. لذلك يعمل مهندسو الصوت كالجنود في حرب ارتفاع الصوت وصخبه، بحيث غالبا ما يجري تجنيدهم لزيادة حجم الصوت، وارتفاعه الإجمالي أثناء التسجيل.

ويقول راندي ميرل، المهندس في «ماستر ديسك» الشركة التي مقرها مدينة نيويورك، وتقوم بإنتاج التسجيلات الأصلية، إنه لبلوغ صوت عال إجمالي يتوجب على المهندسين رفع الصوت المنخفض إلى مستويات عالية جدا. وأضاف أنه في نظام الاستيريو العالي الجودة فإن مجال الصوت المنخفض قد يترك تسجيلا نشازا مشوشا «فالتسجيلات الحديثة قد تجاوزت الحدود على صعيد ارتفاع حجم الصوت» على حد قوله.

وفي الواقع، يفضل المستمعون الشباب نوعية صوت متدنية. وكان جوناثان بيرغر، أستاذ الموسيقى في جامعة ستانفورد، قد قام بدراسات غير رسمية بين طلابه، فوجد أنه خلال سبع سنوات من الدراسة هناك عدد متزيد منهم يفضل صوت الملفات التي تتضمن تفاصيل أقل من المعلومات والبيانات على التسجيلات العالية النقاوة. وأضاف «أعتقد أن الأذن البشرية متقلبة. فالذي يعتبر صوتا جيدا أو سيئا قد يتغير مع الوقت. فالأمر غير الطبيعي قد يتحول إلى مزية من المزايا».

* خدمة «نيويورك تايمز»