الترجمة الآلية.. تنقذ اللغات الصغيرة من الانقراض

تصلح لترجمة المحادثة الاجتماعية أكثر من النصوص القانونية والتجارية والكتب

TT

على الصفحة الأولى الأساسية لموقع «زيها لايف» (Xiha life) يوجد مكان للاستطلاعات الظريفة مصمم لجعل الأعضاء المنضوين في الموقع يتواصلون ويدردشون في ما بينهم. وعند زيارة هذا الموقع الاجتماعي يلاحظ الزائر أن بعض الأسئلة كانت: «كم لديك من الحيوانات الأليفة في منزلك؟»، و«هل ترغب في الحصول على المزيد منها أم لا؟»، وكانت سيدة أخرى ترغب في تربية أرنب، وهكذا من الأسئلة المسلية التي كانت جميعها على هذه الشاكلة.

لكن كان هناك أمر مثير واحد، وهو أن جميع هؤلاء لم يكن يتواصل بعضهم مع بعض بلغة واحدة، فأحدهم كان ينشر تعليقاته بالإنجليزية، والآخر بالتشيكية، والثالث بالإسبانية، وهلم جرا. ومع ذلك كانوا يتشاركون في الحديث ذاته، كيف تم ذلك؟

* ترجمة سريعة

* في أسفل كل تعليق في «Xiha life» كان هناك زر للترجمة، فإذا ما كبسته يقوم الموقع باستخدام برنامج الترجمة الأوتوماتيكية من «غوغل» لإنتاج نسخة سريعة مترجمة من لغتك المحلية. ويبدو أن النتيجة تمثل خبرة لطيفة، بحيث يستطيع الأشخاص عبر العالم الانخراط في حديث واحد من دون التخلي عن اللغة الأم.

وطالما وصفت الترجمة الأوتوماتيكية في الماضي على أنها نكتة، خصوصا مع الأسلوب المضحك الذي تقدمه عند ترجمة الجمل والعبارات، لكن السنوات الماضية القليلة شهدت تغييرات كبيرة، وباتت التقنية اليوم ناضجة. ويقول كلايف تومسن في مجلة «تكنولوجي ريفيو» الأميركية إنه اكتشف ذلك في الربيع الماضي عندما توجب عليه قراءة مادة مكتوبة باللغات الفنلندية والألمانية والإسبانية وحتى الكورية. وقد استخدم لهذا الغرض متصفح «كروم براوزر» من «غوغل» الذي تولى أمر كل صفحة أجنبية وترجمتها إلى إنجليزية مفهومة.

* أساليب ترجمة جديدة

* ولكن كيف أصبحت مثل هذه الآليات على مثل هذه الدرجة من الذكاء والمهارة؟ تم ذلك عن طريق استخدام أساليب «إحصائية» فنية جديدة. فبدلا من محاولة تلقين البرنامج قوانين اللغة، تمكن علماء الكومبيوتر من إيجاد مجموعة واسعة من الوثائق على الشبكة التي ترجمت سابقا من قبل البشر، مثل تلك التي تتعلق مثلا بالإجراءات والمواضيع الخاصة بالأمم المتحدة التي تتوفر بشكل روتيني بست لغات مختلفة، كذلك هنالك الصحف المزدوجة اللغة. علاوة على كل ذلك يجري تدريب الكومبيوترات السحابية للتعرف على الكلمات والعبارات التي تتناسب مع اللغات الأخرى.

وهذا هو السبب الذي يجعل «غوغل» تقود هذا القطاع، فهي الأفضل على صعيد العثور على كميات كبيرة من المستندات والوثائق لتدريب نظمها السحابية. ويعني هذا الأسلوب أيضا أنه كلما نمت الشبكة وتوسعت، أصبحت الآليات المتعددة اللغات أفضل بكثير.

ويبدو أن الآثار والمضاعفات الجغرافية السياسية جراء ذلك عميقة جدا. فلسنوات احتار الخبراء والعارفون، أي اللغات التي ستسود على الأخرى، وهل ستبقى الإنجليزية اللغة المتعارف عليها التي تقرب بين اللغات الأخرى، وهل سترتقي لغة الماندرين الصينية وتبرز؟ يبدو أنه لم تعد هناك حاجة إلى مثل هذه الاحتمالات، لأن الترجمة الآلية باتت الوسيلة المناسبة التي أزالت الحاجة إلى لغة عالمية أساسية. ومما لا شك فيه أن أي نشاط يتطلب دقة جدية مثل الإجراءات القانونية، والمباحثات والاتفاقات التجارية، والمفاوضات الدبلوماسية، والمسائل العلمية، بحاجة إلى مترجمين خبراء من البشر. وبإيجاز فإنه مما لا شك فيه أن اللغة الإنجليزية ستبقى السائدة في هذا المجال، لكن غالبية الناس بحاجة إلى مستوى من الجودة والنوعية للقيام بعمليات الدردشة مع الأصدقاء الأجانب، أو لتصفح الشبكة الدولية والاطلاع على مكنوناتها.

* ترجمة اجتماعية

* إن «الترجمة الآلية ليست جيدة بما فيه الكفاية لترجمة كتاب، ولكن إن كان ثمة أمر تود أن تتحدث عنه، فإن هذا الأمر قد يساعد كثيرا»، هذا ما قاله جاني بينتينين المدير المسؤول في «Xiha life». ويضيف قائلا: «وخياراتك إما أن لا تتحدث إلى تلك الفتاة في الصين، وإما التحدث إليها بلغة ولكنة مضحكتين». وكان جاني قد أدخل الترجمة في الشبكات الاجتماعية نظرا إلى رغبته في زرع التواصل والحديث بين اللغات. وقد عملت فكرته بصورة جيدة، إذ لـ«Xiha life» 750 ألف عضو ينتمون إلى مئات الأقطار.

ويتوقع بعض الأكاديميين أن الترجمة الآلية قد تنقذ اللغات الصغيرة المحلية من الانقراض. ففي التشيلي مثلا فإن ممارسة الضغط للتكلم بالإسبانية قد تقضي على اللغة الأصلية التي يتكلم بها شعب «مابوشي». وقد تتيح الترجمة الأوتوماتيكية لهذا الشعب التواصل مع العالم الخارجي من دون التخلي عن لهجته المحلية. «فهي تقلل الانجراف إلى التوحد مع لغة واحدة سائدة إذا ما تمكنت من استخدام هذه اللغة»، كما يقول جيمي كاربونيل رئيس معهد تقنيات اللغات التابع لجامعة كارنيغي ميلون في الولايات المتحدة.