تقنية العرض التلفزيوني المجسم.. حلول وتطويرات جديدة

لن تلغي العروض ذات البعدين

تلفزيونات حديثة لعرض المشاهد المجسمة («الشرق الأوسط»)
TT

بعد عقود من كونها وسيلة محصورة بأفلام منتصف الليل، حل العصر الذهبي أخيرا لعروض المشاهد الثلاثية الأبعاد (المجسمة)، بعد انطلاق مجموعة منها من هوليوود. ولا ينحصر هذا الأمر بصالات السينما المجسمة «آي ماكس»، بل تعداها إلى غرف الجلوس في المنازل وشاشات الكومبيوتر القريبة من المستخدمين، شرط أن يتمكنوا من توفير شروط ذلك. فهذه العروض تتطلب أجهزة خاصة لا يملكها الكثير من الأشخاص، مثل التلفزيونات القادرة على عرض مثل هذه المشاهد، والنظارات الإلكترونية التي تصاحب ذلك.

وقد يبلغ سعر جهاز العرض المجسم بشاشة قياس 46 بوصة مثلا، نحو 2500 دولار، فيما قد يصل ثمن النظارات وحدها إلى ما بين 150 و200 دولار. كما أن الحصول على قدرات الأبعاد الثلاثة على جهاز الكومبيوتر أمر مكلف أيضا. ومثال على ذلك فإن سعر زوج من نظارات الأبعاد الثلاثة من إنتاج «نيفيديا» قد يصل إلى 200 دولار، كما قد تحتاج أيضا إلى شاشة يمكنها عرض مشاهد الأبعاد الثلاثية، تتكلف عادة ما بين 300 و500 دولار إذا كانت من قياس 23 بوصة. وكذلك يتوجب أن يكون الكومبيوتر مجهزا أيضا ببطاقة رسوم بيانية (غرافيكس) مناسبة تعمل على نظام تشغيل «ويندوز 7» أو «فيستا».

وتنوي شركة «إل جي» والشركات الأخرى إنتاج تلفزيونات تستخدم المشاهد الاستقطابية ثلاثية الأبعاد المعمول بها في الصالات السينمائية التي تتيح استخدام النظارات التي تتكلف بضع دولارات فقط، لكن الأجهزة ذاتها قد تتكلف من 500 إلى ألف دولار.

وعلى الرغم من أن تقنيات عرض المشاهد ثلاثية الأبعاد أصبحت أكثر شيوعا، لكنها تحتاج لأكثر من وسيلة، لتبرير تكلفتها العالية.

لمحة تاريخية عروض المشاهد ثلاثية الأبعاد، أو المجسمة «ستيريوسكوبي» ظهرت منذ أمد طويل بأشكال متعددة. لكن الفكرة الأساسية تبقى بسيطة، وهي استخدام كاميرتين لالتقاط المشهد ذاته من زوايا مختلفة قليلا كنوع لإعادة إنتاج ما تراه العين البشرية من أشياء. ولعل لعبة «فيو ماستر» الخاصة بالأطفال مثال جيد عن تقنية «ستيريوسكوبي».

ومن تقنيات العروض الأخرى التي ظهرت مبكرا «أناغليف 3 – دي» anaglyph 3-D التي تستخدم فيها النظارات الحمراء والزرقاء. وقد حاز مخترعها العالم الفرنسي لويس دوكو دو هورون على براءة اختراعها عام 1891. وتطورت التقنية بعد ذلك لتشمل طيف الألوان جميعها، بعدما كانت محصورة باللونين الأسود والأبيض. ولأنها تعمل مع أي صيغة، سواء كانت تلفزيون، أو سينما، أو غيرهما، فضلا عن رخص تكلفتها، فإنها لا تزال تستخدم اليوم على نطاق واسع رغم تأثيراتها غير الشفافة وغير الواضحة جدا.

لكن هناك مشكلتين كبيرتين مع تقنية «أناغليف 3 – دي»: الأولى تتمثل في الضبابية وعدم الوضوح في الصور المعروضة، والثانية هي الأسلوب الذي تفقد فيه الألوان قدرا منها، حتى ولو جرى استخدام نظام يعيد المفقود منها.

وكانت المشاهد الثلاثية قد وصلت إلى عالم السينما في الخمسينات، وذلك عن طريق استخدام المشاهد الثلاثية المستقطبة التي تعتبر أحد الأساليب المعتمدة اليوم في السينما، وتقوم على عرض الصور بالنسبة إلى كل عين عن طريق راشح (فلتر) استقطابي، مما يستوجب على الرائي وضع نظارات استقطابية لإعادة تركيب الصورة ثلاثية الأبعاد.

ويحتفظ مثل هذا النظام بتشكيل الألوان، ولا يفقد الكثير من التفاصيل، مثل «أناغليف 3 – دي». لكنه يتطلب نوعا من الشاشات تحتفظ باستقطاب الضوء، وهو ظاهرة لا تقوم بترشيح الموجات الضوئية، ولكن لا يسمح سوى للمترجرجة منها باتجاه معين فقط بالمرور. ومثل هذه القيود جعلت هذا النظام مناسبا للمسارح والصالات، بدلا من التلفزيون. ومع ذلك فإن عدم وضوح أطراف وحافات بعض الأجسام، مما يجعل المشاهدة لساعات طوال، عملية غير مريحة.

تقنيات جديدة كان لاختراع الشاشات العاملة بالبلور السائل (إل سي دي) الفضل في استنباط تقنية الأبعاد الثلاثية عن طريق المصراع النشيط، المعتمدة حاليا بالنسبة لجميع شاشات العرض المتوفرة في الأسواق اليوم. وهنا يضع المشاهدون نظارات على عيونهم مزودة بعدسات، هي في الواقع مصاريع من البلور السائل التي تتناوب بين إغلاق العين اليمنى واليسرى 120 مرة في الثانية الواحدة، أي بعبارة أخرى، يجري ذلك بسرعة 120 هرتز. وتكون المشاهد المنتجة بهذا الأسلوب واضحة وخالية من العيوب التي تحصل عادة مع النظم الأخرى.

لكن مع ذلك فهناك جوانب سلبية، كما تشير مجلة «كومبيوتر وورلد» الإلكترونية، لعل أحد هذه الجوانب أنه بين العدسات التي يخفت ضوؤها، والتذبذب بسرعة 120 هرتز في الثانية، ينخفض سطوع المشاهد والصور إلى النصف تقريبا. وهذا ليس معيبا إن كنت جالسا في غرفة مظلمة، لكنه يعتبر مشكلة إن كنت موجودا في غرفة مضاءة. أما المشكلة الثانية فهي أنه يتوجب عليك وضع النظارات طوال الوقت، وهو أمر مشتت للانتباه في حد ذاته، خاصة بالنسبة للذين يشكون من مشكلات وصعوبات بالنظر، أو يجدون وضع النظارات أمرا مزعجا. وأخيرا لا توجد مواصفات، أو مقاييس توحد بين النظارات ثلاثية الأبعاد، مما يزيد من الصعوبات والتكلفة أيضا.

برامج «فقيرة» ولكن المحتوى هو ما يهم الجمهور أكثر من الصعوبات التقنية، إذ لا يوجد اليوم الكثير من العروض المصورة بالأبعاد الثلاثية، بل هناك فقط بعض مواد «بودكاست» القليلة، أو مواد لم يجر تسجيلها بعد. وأغلب عقبات إنتاج مثل هذه المواد ثلاثية الأبعاد، إما تقنية أو اقتصادية، فأغلب مثل هذه الأعمال تتطلب كاميرات خاصة، وخبرة فنية لاستخدامها.

وبالطبع هناك إمكانية تحويل المواد الحالية ذات البعدين إلى الأبعاد الثلاثة. ومثال على ذلك أنه على الرغم من أن النسخة الجديدة من لعبة «صراع الجبابرة» لم تصور بالأبعاد الثلاثة، لكن هناك إصدارا مسرحيا لها بالأبعاد الثلاثة. ومن الممكن أيضا أن يقوم البعض بتوظيف معدات استهلاكية، بإعادة تركيب البعدين إلى الأبعاد الثلاثة بشكل سريع.

النسخة الحالية مثلا من تطبيق «باور دي في دي» Power DVD الذي طورته شركة «سايبر لينك» تأتي بميزة تدعى «رو ثياتر 3 دي» True Theater 3D التي تتيح الحصول على الأبعاد الثلاثة من أقراص «دي في دي» التقليدية ذات البعدين. وأيضا فإن مجموعة «توشيبا» من التلفزيونات التي تدعى «سيل» Cell TVs تعد بتحويل البعدين إلى ثلاثة أبعاد بشكل فوري، ولكنها لن تطرح في الأسواق قبل نهاية العام الحالي.

والمشكلة هنا مع هذين التوجهين، أنهما يتطلبان إضافة معلومات صور لم تكن موجودة هناك أصلا، والتي لا يمكن أحيانا استقراؤها من تحليل الصور ذات البعدين. وكانت هذه صعوبة واجهتها استوديوهات الأفلام السينمائية عندما أرادت تحويل الأفلام الحديثة من البعدين إلى الثلاثة. ويقر الخبراء بأن الأمر يتطلب بعض الأعمال اليدوية لكي يتم تنفيذ هذه المهمة جيدا، مما يعني أن التحويل الأوتوماتيكي من البعدين إلى الأبعاد الثلاثة، سواء كان عن طريق البرمجيات، أو الأجهزة والمعدات، من شأنه أن يؤدي إلى نتائج محدودة جدا في أفضل الحالات.

مستقبل العروض المجسمة والسؤال هو: هل الأبعاد الثلاثية ضرورية؟ وهذا ما يقودنا إلى مسألة أخرى لا تلاقي الكثير من الاهتمام في الدوائر الفنية، ألا وهي المشكلات الجمالية التي تثيرها عروض الأبعاد الثلاثية.

إن حجم أغلبية المشاهد السينمائية وتفاصيلها، ولا سيما على الشاشات الكبيرة، من شأنها إنتاج عيوب تكون ثلاثية الأبعاد هي الأخرى خاصة بها أيضا! وهذا يعني اتخاذ قرارات صعبة حول أي المشاهد التي يمكن حذفها، أو إضافتها، أو تعديلها، وهلم جرا. وبعبارة أخرى فإن فيلما جيدا ذا بعدين لا يحتاج إلى الأبعاد الثلاثة لجعله أفضل، تماما مثل أن الفيلم الملون لا يستطيع إزالة الفيلم الأبيض والأسود من عالم السينما.

المشكلة الأخرى مع الأبعاد الثلاثية طبية، فقد نقل عن أستاذ في طب العيون أن نحو 20% من المشاهدين الذين يشاهدون العروض المجسمة لفترات طويلة يعانون من الدوخة والغثيان. وربما يعود السبب إلى أن المشاهد قد لا يستطيع التركيز، أو تعقب ما يمر أمامه من مشاهد سريعة. كما أن الأبعاد الثلاثية لا تناسب من يعانون من مشكلات في النظر، أو المصابين بداء الصرع. وكانت شركة «سامسونغ» قد أصدرت تحذيرا بهذا الشأن.

ألعاب الفيديو المشاهد ثلاثية الأبعاد تناسب تماما ألعاب الفيديو. فهواة هذا الصنف من التسليات متقبلون جدا للتقنيات الجديدة، خاصة أن بمقدور أجهزة ونظم الألعاب من الجيل الحالي دعم مثل هذه الألعاب عن طريق تحديث البرمجيات.

وكانت المحاولات السابقة في هذا المضمار، كما في لعبة «نينتيندو فيرتشوال بوي» في الخمسينات، غير مجدية تماما، لكونها كانت تعتمد على تقنيات لم تكن تعمل في أي مكان آخر. أما النظم الحديثة من هذه الألعاب، فتستخدم المشاهد ثلاثية الأبعاد ذاتها تماما، مثل التلفزيون، كما أنه على غرار الأفلام السينمائية فلا تستفيد كل الألعاب من الأبعاد الثلاثة، وإن كان الكثير منها يفعل ذلك.

الاستغناء عن النظارات السبيل الوحيد لتحقيق نجاح كلي لعروض الأبعاد الثلاثة على مشاهد البعدين يكون عن طريق تقنية شاشات لا تتطلب نظارات. لكن مثل هذه النظم لا يزال في أول الطريق، على الرغم من أن شركة تدعى «سي رييل» تعمل على ذلك، أي على نظام هولوغرافي. كما أن عددا من الشركات تعمل على تطوير شاشات ثلاثية الأبعاد التي تستخدم التقنيات الحالية بأساليب مبتكرة. وقد شاهد عدد من الأشخاص نوعا من المشاهد ثلاثية الأبعاد يدعى «لينتيكيولار 3 – دي» يستخدم صفيحة من البلاستيك مخططة بأخاديد وثلمات عمودية على شكل عدسات لإنتاج تأثير ثلاثي الأبعاد على البطاقات البريدية والإعلانات العامة. وتقوم شركة تدعى «كيوبيك فيو» ببيع راشح «لينتيكيولار» مصمم لتركيبه على الشاشات الحالية. وتقول هذه الشركة إنه يمكن لتقنيتها هذه تبنيها في الشاشات، مما قد يعني نتائج أفضل.

لذا يفضل الانتظار قليلا حتى تنضج تقنية الأبعاد الثلاثة تلفزيونيا قبل شراء جهاز يعمل بموجبها. كما أنه من المؤكد أن تقنية الأبعاد الثلاثة لن تحل محل البعدين، لأنه توجد أسباب كثيرة تستوجب الاحتفاظ بالأخيرة، منها مثلا أنها عملية، وفعالة، ورخيصة. وما فعلته تقنية الأبعاد الثلاثة وستستمر في فعله، هو إنتاج سوق صغيرة، لكنها مهمة للمحتويات المتخصصة، بحيث تكمل تقنية البعدين من دون إلغائها تماما، كما فعلت دفاتر الإنترنت «نيتبوكس» و«آي باد» مع الكومبيوترات المكتبية التقليدية.