خطط طموحة جديدة للاتصال بالإنترنت.. عبر الفضاء

أقمار صناعية مطورة تضاهي الألياف الضوئية في سرعة نقل البيانات

TT

دخلت شركات الأقمار الصناعية أيضا في قطاع تقديم خدمات الإنترنت، وهي تخدم أكثر من مليون زبون غالبيتهم في المناطق الريفية، الذين لا توجد لهم خيارات أخرى. غير أن خدمات هذه الشركات بطيئة جدا، وتكلف ضعف تكلفة النطاق العريض ذي السرعة العالية.

لكن هناك شركتين، هما «وايلد بلو» و«هيوز نيت» تتسابقان حاليا لتغيير كل ذلك. فكلتاهما تخطط لإطلاق أقمار صناعية في العامين المقبلين، التي من شأنها جعل سالفاتها تنتمي إلى عهود منصرمة.

* قدرات أكبر

* وستتمكن «وايلد بلو» وحدها من الحصول على سعة تبلغ 10 أضعاف سعة ما تقدمه ثلاثة أقمار حالية مجتمعة. ومثل هذه القدرة، كما تقول الشركة، ستمكنها بتكلفة مشابهة للتكلفة الحالية من تأمين خدمات إنترنت بسرعات هي أضعاف ما تقدمه اليوم، وربما أسرع، بحيث تصل في بعض الحالات إلى سرعات تضاهي وصلات الألياف الضوئية. والأكثر من ذلك تقول هذه الشركات إن أقمارها الصناعية قادرة على تأمين خدمات أكثر سهولة وأرخص تكلفة بالنسبة إلى المشترك الواحد بالكابلات الأرضية، وأرخص من الشركات الهاتفية المنافسة الأخرى، لنحو 14 إلى 24 مليون أميركي من الذين يعيشون في مناطق تنعدم فيها خدمات النطاق العريض.

ويقول أروناس سليكيس نائب رئيس «هيوز نيتورك سيستمس» إن «إحدى مميزات الأقمار الصناعية أنها متوفرة في كل مكان».

وأضاف أن «تكلفة الوصول إليك عن طريق طبق قمر صناعي لا دخل لها بمكان وجودك، بينما تتطلب الألياف الضوئية، أو الكابلات عمالة كبيرة، وتعتمد على المسافة ومكان وجودك».

وفيما يخص إمكانيات الأقمار الصناعية في المناطق الريفية «فإنه من الواضح أن هناك سوقا غير مخدومة»، استنادا إلى سليكيس، الذي أضاف أن تلك المناطق لا مجال لها للاختيار بين الأقمار الصناعية وغيرها من الوسائل، بل لها خيار واحد فقط، وهو القمر الصناعي لا غير.

* تأخيرات «فضائية»

* وحتى مع وجود مثل هذه الأقمار الصناعية الجديدة والكبيرة يتوجب على الشركات التغلب على المشكلات الأرضية. فعلى الرغم من أن هذه الأقمار تبث الإشارات بسرعة أكبر، فإنه يظل هناك تأخير ضئيل، بنحو نصف ثانية، أو ما شابه، بالنسبة إلى كومبيوترات المستخدمين، نظرا إلى أن على الإشارات قطع مسافة 22 ألف ميل (35.4 ألف كلم تقريبا) إلى الفضاء، وبعد ذلك ثانية إلى الأرض.

ثم هناك مشكلة خدمة السكان الذين لا يستطيعون توجيه الصحن إلى الأقمار الصناعية التي تدور في الفضاء الجنوبي من الأرض. وهناك مشكلة التأكد من أن صحون موديمات الأقمار هي خالية من تجمع الثلج عليها في الشتاء. ومع ذلك تجادل شركات الأقمار الصناعية بأنه ينبغي أن تحصل على الحصة الأكبر من الحافز المالي الذي رصدته السلطات الاتحادية، البالغ 7.2 مليار دولار لتوسيع خدمات النطاق العريض إلى المناطق المحرومة في الولايات المتحدة. لكن وزارة الزراعة خصصت مبلغا قدره 100 مليون دولار من حصتها التحفيزية، البالغة 2.5 مليار دولار لشركات الأقمار الصناعية.

ويقول توماس إي مور رئيس شركة «وايلد بلو» إن تقنية الأقمار الصناعية ستكون قادرة على خدمة الآلاف الإضافيين من سكان الأرياف، مقارنة بالخدمات الأرضية، بنحو جزء من تكلفة الأخيرة.

واستشهد بمنحة قدرها 28 مليون دولار إلى مجموعة لا تبغي أرباحا في ولاية نورث كارولينا، بغية توسيع شبكة الألياف الضوئية إلى 420 مدرسة ومكتبة. إذ إن مثل هذه المنحة كانت قادرة على خدمة 70 ألفا من سكان الولاية ذاتها عن طريق الأقمار الصناعية على حد قوله. وأشار إلى أنه مقابل كل شخص من هؤلاء، فإن هناك المئات تقريبا الذين لا يستطيعون الوصول إلى أموال تحفيزية مثل هذه.

لكن جوزيف فريدوسو رئيس مجموعة «إن سي إن سي» غير الربحية، التي تدير الشبكة العامة للتقنيات التثقيفية في الولاية ذاتها أشار إلى أن الأقمار الصناعية ليست الخدمة الأولى المثالية بالنسبة إلى مستخدميه، الذين حصلوا على شبكة يمكن الاعتماد عليها بشكل أفضل لأغراض البحث والتطبيقات الثقيلة الخاصة بالبيانات والمعلومات.

«ولمقارنة ما نفعله مع ما يفعله القمر كخدمة، هي تماما مثل مقارنة التفاح مع البرتقال أو الليمون». وأشار فريدوسو إلى أن المنحة هذه ستخدم نحو مليون طالب في 37 قطرا.

ومع كل الخطوات التي تخطوها شركات الأقمار الصناعية، تحاول شركات أخرى تقدم خدمات الإنترنت الأخرى، تسريع خدماتها أيضا. ففترة حياة القمر الصناعي هي 15 سنة فقط، كما أن تعقيدات الأقمار ذات النطاق العريض، التي تملك ثلاثة أضعاف الأجزاء التي تملكها أقمار البث التلفزيوني العادي، أدت إلى تطور الصناعة هذه بسرعة السلحفاة. كذلك تعتمد هذه الأقمار على الإطلاقات المعقدة للصواريخ.

ويوافق كيفين لافيرتي الناطق بلسان «فيريزون» على أن تمديد كابلات الألياف الضوئية هو عملية مكلفة في البدء. لكن ما إن توضع في مكانها حتى يصبح أمر تحديثها عملية سهلة. وأضاف أن «تقنية الألياف الضوئية هي تقنية غير محدودة، إذ كل ما يتوجب عمله هو تغيير الأجزاء والتركيبات الإلكترونية من الطرفين».

ويقول جوستين فينيش الناطق بلسان «تايم ورنر كايبل» إن السرعات التي تؤمنها شركته تفوق بسهولة العروض الجديدة المقدمة من شركات الأقمار الصناعية. «فنحن في موقع قادر على منافسة جميع منافسينا».

وكانت صناعة الأقمار الصناعية قد فاخرت بقدراتها سابقا؛ ففي التسعينات، قبل تفجر فقاعة شركات الإنترنت، كانت هناك فقاعة الفضائيات، كما يقول كريستوفر كوالتي، كبير نواب رئيس شركة «رايموند جيمس آند أسوشيتس» للاستثمارات في ولاية فلوريدا.

«ففي أواخر التسعينات من القرن الماضي كانت هناك استثمارات تفوق الحد والإشباع بكل ما يتعلق بالفضاء». وقدر أن هناك نحو عشرات المبادرات الخاصة بأقمار النطاق العريض التي انطلقت عالميا. «لكن لم يتبق منها سوى مشروعين فقط من ذلك العصر»، كما يقول.

وأحد هذين المشروعين «وايلد بلو» حازت عليه في ديسمبر (كانون الأول) الماضي شركة «فيا سات» التي كان لها سابقا عمليات في القطاع العسكري والحكومي والتجاري. أما الآخر فهو مشروع «هيوز نيت»، فتديره حاليا شركة «هيوز كومينيكيشنز». ويستخدم كلاهما مرافق «سبايس سيستميس/لورال» في مدينة بالو ألتو في كاليفورنيا لإنتاج أقمارهما الصناعية الجديدة.

* أقمار بث قوية

* وهذه الأقمار تملك هوائيات أقوى بمائة مرة من النطاق العريض الذي كانت تملكه أقمار الجيل الأول قبل عشر سنوات، كما يقول كريستوفر هيوبر كبير نواب رئيس شركة «سيستيمس/لورال». وقال إنه سيكون لمستخدميها أطباق استقبال وإرسال أصغر، لكون الطاقة المركزة لأحزمة الإشعاعات الصغيرة، للأقمار الجديدة، تملك تواصلا أقوى، ولا تتأثر كثيرا بحالة الطقس. كما أن كثرة الأحزمة المرسلة تعني إمكانية إعادة استخدامها مرات كثيرة، مما يسمح بسعة كبيرة. ومن المقرر إطلاق القمر الأول لـ«وايلد بلو»، «فيا سات - 1» إلى مداره في موعد ما العام المقبل، ليليه قمر «هيوز نيت»، «جوبيتر» في عام 2010.

وأشار هيوبر إلى أن الجيل الأول من الأقمار الصناعية العريضة النطاق كانت تعاني من مشكلات مع الطقس، تؤدي إلى تأخر الإرسال. لكن الجيل الجديد من الأقمار، وهو الثالث، خضع لتحسينات كثيرة، كما سيكون عليه الحال بالنسبة إلى النسخ المستقبلية. وأضاف أن هناك سوء فهم أو اقتناعا بأن خدمات النطاق العريض ليست بجودة خدمة الكابلات، أو «دي إس إل»، «وهذا ليس بالأمر الصحيح من هنا وصاعدا».

وعلى الرغم من أن هذين القمرين يمثلان خطوة كبيرة إلى الأمام، فإنهما غير قادرين تماما حال إطلاقهما إلى الفضاء على التأقلم مع التقنية المتغيرة على الأرض. لكن مستقبلا ستكون للأقمار مرونة أكبر.

وفي خطوة أولى بهذا الصدد ذكرت شركة «سيسكو» لشبكات الإنترنت أنها طورت مسلك الوصل (روتر) الأول لقمر صناعي تجاري. وقد أطلق القمر هذا في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي. كما أعلنت في الشهر الماضي أن مسلك الوصل هذا دعم بنجاح الاتصالات في الاختبار الأول له من قبل وزارة الدفاع الأميركية.

وأشار غريغوري بيلتون المدير العام لمسالك وصل الإنترنت بالأقمار الصناعية في برنامج الفضاء إلى أن مسالك الوصل هذه ستجعل الاتصالات عبر الأقمار الصناعية أكثر سلاسة، متيحة المجال لإجرائها بشكل مباشر من دون ضرورة أن تكون هناك مسالك وصل على الأرض. «لقد جعلنا القمر الصناعي عضوا كاملا في عائلة الإنترنت» على حد تأكيده.

وتقوم شركة أخرى «بوينغ» بتشييد قمرين سيجري إطلاقهما العام المقبل وسيجمعان الشبكات الأرضية والخاصة بالأقمار الصناعية لدعم الخدمات اللاسلكية «4 جي» في الولايات المتحدة.

كل هذا يجري في الوقت الذي يخضع فيه قمر «فيا سات - 1» من «وايلد بلو» لاختبارات تدوم شهرا، في فراغ حراري، لمحاكاة الظروف الفضائية. أما قمر «جوبيتر» من «هيوز نيت» فلا يزال في طور البناء.

* خدمة «نيويورك تايمز»