حول أفكارك.. إلى كلمات

تقنية جديدة لاستخراج المعلومات من العقل البشري مباشرة

TT

يمكن لأجهزة التفاعل بين العقل والكومبيوتر أن تقدم، في يوم من الأيام، طوق نجاة للمرضى الذين لا يستطيعون الحركة أو التحدث ولكنهم واعون ومدركون لما يحدث حولهم. والكثير من هؤلاء المرضى يتواصلون عن طريق حركة أعينهم، ولكن تحويل ومضات وغمزات العين إلى كلمات، أمر مرهق ويستهلك الكثير من الوقت. وقد تمكن علماء أميركيون في ولاية يوتا الآن من إيجاد وسيلة لمعرفة أي كلمة من 10 كلمات متميزة يفكر فيها الإنسان، وذلك من خلال تسجيل الإشارات الكهربائية الصادرة عن سطح الدماغ.

* التقاط الكلمات

* ويقول سبنسر كيليس، وهو واحد من خبراء الهندسة الطبية الذين شاركوا في تحقيق هذا الإنجاز في جامعة ولاية يوتا، في مدينة سولت لايك: إن التقنية الجديدة تتضمن برامج تتعلم التعرف على إشارات محددة يصدرها الدماغ وتلتقطها مجموعة من الأقطاب الكهربائية غير النافذة التي توضع فوق مناطق مراكز اللغة في الدماغ. ويعرف هذا الأسلوب بالتخطيط الكهربائي لسطح الدماغ electrocorticography (ECoG). وقد استطاعت المجموعة المشاركة في التجربة التعرف على الكلمات «نعم»، «لا»، «ساخن»، «بارد»، «عطشان»، «جائع»، «مرحبا»، «وداعا»، «أكثر»، «أقل» بدقة بلغت 48%. وقد علق كيليس على ذلك قائلا: «بالتأكيد هناك حاجة إلى زيادة الدقة. لكننا أصبحنا نتمكن من إظهار أن المعلومات موجودة في هذا المكان».

ويقول إريك ليوثاردت، مدير مركز الابتكار بوحدة العلوم العصبية والتكنولوجيا في كلية الطب بجامعة واشنطن في سانت لويس بولاية ميزوري: إنه تم في الماضي فك شفرة كلمات فردية عن طريق ترجمة إشارات الدماغ باستخدام التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي، إلا أن هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها تنفيذ هذا الإنجاز باستخدام أسلوب التخطيط الكهربائي لسطح الدماغ، وهو أسلوب عملي بصورة أكبر من الرنين المغناطيسي الوظيفي.

وبالتعاون مع زميليه برادلي غريغير وبول هوس، وضع كيليس 16 قطبا، أو مجسات استشعار كهربائي، على سطح أدمغة مرضى الصرع. وقد سجلت مجسات الاستشعار إشارات كهربائية من القشرة الحركية للدماغ، وهي منطقة في الدماغ تتحكم في عضلات الوجه أثناء الكلام، وأعلى منطقة فيرنيكي، وهي جزء من قشرة الدماغ المرتبطة باللغة. وللقيام بتعليم البرامج، جرى تحليل الإشارات بينما طلب من المرضى أن يقوموا بتكرار نطق الكلمات 10 مرات. ويستخدم أسلوب التخطيط الكهربي لسطح الدماغ منذ فترة طويلة لتحديد مصدر نوبات الصرع في الدماغ. ويقول كيليس: «إن حجم الأقطاب الكهربائية المستخدمة عادة ما يكون عدة مئات من الميكرونات (الميكرون واحد من مليون من المتر) ويتم وضعها على بعد عدة سنتيمترات من بعضها، ويقوم العقل بالمعالجة على نطاق أوسع وأدق بكثير مما تستطيع تسجيله الأقطاب الكهربية الموجودة في المستشفيات»، كما نقلت عنه مجلة «تكنولوجي ريفيو».

* العقل والكومبيوتر

* وقد استخدم فريق جامعة يوتا نوعا جديدا من الأقطاب الكهربية الدقيقة التي طورتها مجموعة «بي إم تي» لجراحة الأعصاب، وحجم الأقطاب الجديدة أقل بكثير، 40 ميكرونا، وهي مفصولة عن بعضها ببضعة ملليمترات.

ومن الممكن استخدام تقنيات لا تحتاج إلى جراحات مثل وضع الأقطاب على فروة الرأس، لإتاحة الاتصال بين العقل والكومبيوتر. وقد أشار أدريان أوين، أحد كبار العلماء في وحدة الإدراك وعلوم الدماغ بجامعة كمبريدج، في بريطانيا، إلى أنه يمكن استخدام تقنية قراءة إشارات الدماغ للسماح للمرضى المشلولين والذين لا يستطيعون النطق بصورة دائمة بالتعبير عن «القبول» أو «الرفض». ولكن ليوثاردت يشير إلى أنه عند استخدام تقنية قراءة إشارات الدماغ، فإن الجمجمة تحول دون تسجيل الكثير من الإشارات «وما يميز الأسلوب الجديد هو قدرته على توفير معلومات أكثر».

ويقول أوين: إن فك شفرات 10 كلمات يعتبر أمرا «رائعا جدا»، ولكن هناك حاجة إلى زيادة الدقة بدرجة كبيرة، بالنظر إلى حالة المرضى المستهدفين من هذه التكنولوجيا. ويعلق على ذلك قائلا: «لا أعتقد حتى أن نسبة 60% أو 70% من الدقة ستكون كافية للمرضى، لا يمكنهم التواصل بأية طريقة أخرى، وليس لديهم أي هامش آخر لتأكيد ما يريدونه».

في النهاية، فإن الأمل معقود على أن التقنية الجديدة ستسمح بتواصل أكثر تطورا. وفي العام الماضي أظهر ليوثاردت أن تقنية زرع وسائط الاستشعار الكهربية فوق سطح الدماغ يمكن استخدامها لترجمة الأصوات، وهو نهج جديد يمكن في النهاية استخدامه لإعادة بناء عدد أكبر بكثير من الكلمات الكاملة.