الأجهزة اللوحية.. الانطلاق نحو «عالم ما بعد الكومبيوتر»

تغير سلوك المستهلك وتتحدى الكومبيوترات المكتبية

الكومبيوتران اللوحيان «آي باد» من «أبل»، و«غلاكسي تاب» من «سامسونغ»
TT

يقوم الباحثون في ميدان صناعة الكومبيوتر بتقييم تأثيرات الأجهزة الجوالة، التي يشير إليها ستيف جوبس رئيس شركة «أبل» على أنها منتجات ما بعد عصر أجهزة الكومبيوتر «بي سي»، على سوق النظم الكومبيوترية. وقد توصلوا إلى استنتاج مفاده أن تغيير النمط الاستهلاكي عن طريق انتشار الهواتف الذكية وبروز استخدام أجهزة «آي باد» والكومبيوترات اللوحية الأخرى، أخذ يقضم حصة أجهزة «بي سي» التقليدية في السوق.

* عصر ما بعد الكومبيوتر

* ويمثل عصر ما بعد أجهزة الكومبيوتر «بي سي» تغيرا في سلوك المستهلك، وليس فقط في شكل الجهاز. إنه سلوك واتجاه اجتماعي وتحول تقني، كما تقول سارة روتمان إيبيس المحللة في مؤسسة «فوريستر».

ومرد هذا التحول شهية المستهلك المتزايدة نحو الأجهزة الجوالة، مع إطالة حياة البطارية، والحصول على تجارب كومبيوترية مختلفة. والحاصل أن الأشخاص شرعوا يغيرون عاداتهم مع إضافة الأجهزة اللوحية إلى حاجاتهم الكومبيوترية، لكون العمليات الكومبيوترية الجوالة لم تعد مجرد نشاط مكتبي، بل إنها تمثل نشاطا يمكن ممارسته في غرف الجلوس والنوم، وقاعة الطعام.

كما يمكن اصطحاب الجهاز اللوحي بسهولة في السفر والمشاركة به مع الأصدقاء. ويمكنه أيضا القيام بمهمة التسلية والترفيه، إلى جانب القيام بالأعمال المكتبية على الطرقات.. «فقد تحولت العمليات الكومبيوترية إلى عمليات موجودة في كل الأمكنة، سواء على الصعيد العفوي أو الحميم»، كما نقلت صحيفة «يو إس إيه توداي» عن روتمان.

وبالمقابل شرع سلوك المستهلك يتغير. ففي الثالث من شهر مارس (آذار) الفائت قامت مؤسسة «غارتنر» بإعادة النظر في توقعاتها العالمية بشأن أجهزة «بي سي» التي شملت الأجهزة التي توضع على سطح المكتب، والـ«لاب توب»، و«نت بوك»، مع ذكر تأثير أجهزة «آي باد» عليها. وقامت «غارتنر» بتخفيض سقف توقعاتها بشأن نمو شحنات «بي سي» العالمية للعام الحالي إلى 10.5%، مقارنة بتوقعاتها السابقة التي كانت 15.9%. وبذلك ترى مؤسسة التحليل أن هنالك طلبات أقل على قطاع السوق التقليدية المعروف بأجهزة «بي سي» الجوالة التي تتألف من أجهزة الـ«لاب توب»، و«نت بوك»، والأخيرة ستكون الأكثر تأثرا.

* أجهزة لكل المهمات

* ويقوم ريك فريسون، من مدينة بيلينغس في ولاية مونتانا الأميركية، بالسفر بنسبة 50% من أيام عمله. وبعد أن تفحص أجهزة «نت بوك»، قرر أن الجهاز اللوحي يلبي غالبية احتياجاته، لأنه يقوم بنسبة 90 إلى 95% من الأعمال التي يقوم بها خلال سفره. لكنه معجب أيضا به كقارئ إلكتروني، مع خفة وزنه، وإمكانية حمله ونقله بسهولة. ويقول «كنت أبحث أيضا عن قارئ إلكتروني، وبذلك اصطدت عصفورين بحجر واحد».

ومن المتوقع أن تتفوق كميات الأجهزة اللوحية والهواتف الذكية المسوقة مجتمعة على كميات «بي سي» في العام المقبل، استنادا إلى توقعات أخرى. وستمثل هذه الأجهزة معا في عام 2014 نسبة 64% من جميع الأجهزة الكومبيوترية، كما يقول التقرير الصادر عن «آر بي سي كابيتال ماركيتس».

ومثل هذا الاتجاه سيستمر في التأثير على قرارات الشراء بالنسبة إلى ملايين المستهلكين في العام الحالي. ويتوقع محللو الصناعة أن تقوم «أبل» ببيع خمسة ملايين «آي باد» في منطقة أميركا الشمالية خلال الربع الثاني من العام الحالي. فمتى كانت المرة الأخيرة التي قام فيها جهاز كومبيوتري بتسجيل نجومية كهذه؟

ويفضل الكثيرون «آي باد» على «نت بوك»، لكن ليس على «لاب توب». و«يبدو أن نمو مبيعات أجهزة (بي سي) الجوالة قد تباطأ كثيرا، وهو الحال ذاته مع (نت بوك)»، كما يقول جورج شيفلر المحلل في «غارتنر». وعلى الرغم من أن أجهزة «نت بوك» هي أرخص عادة من غيرها، فإن أجهزة «بي سي» الجوالة الرخيصة السعر، وأجهزة «آي باد» تتنافس في السوق ذاتها، وفي بعض الحالات تكون الغلبة للجهاز اللوحي، لأنه أكثر حركية، على حد قوله.

ولا يزال الناس يقومون بشراء أجهزة الـ«لاب توب» الأكبر حجما والأكثر قوة، لكن المستهلكين هم أقل ميلا إلى اختيار «نت بوك» عندما يكون الخيار بينه وبين الجهاز اللوحي. لكن لا يتوجب علينا كتابة تأبين أجهزة «بي سي» التقليدية، لأن الناس لا يزالون بحاجة إليها لإنجاز المزيد من الأعمال الكومبيوترية الصعبة. من هنا تتوقع «غارتنر» أن تصل شحنات «بي سي» العالمية في العام المقبل إلى 440.6 مليون وحدة، بارتفاع نسبته 13.6% عن العام الحالي.

* بين «أبل» و«مايكروسوفت»

* واستنادا إلى «ديسبلاي سيرتش» التي تتعقب القضايا الصناعية، سيجري في عام 2017 على النطاق العالمي، بيع جهازين لوحيين مقابل ثلاثة كومبيوترات من طراز دفتر الملاحظات (نوت بوك). وبالتأكيد فإن هذه التوقعات تقلل من أهمية ملاحظات ستيف جوبس الأخيرة حول شركته، عندما قال «نحن في موقع حيث غالبية عائداتنا تأتي من المنتجات التي أعقبت عصر أجهزة (بي سي). وللتوضيح أكثر فقد تغلبت (مايكروسوفت) على (أبل) على صعيد هذه الفئة الأخرى من أجهزة الكومبيوتر، فقد بدأت النسخة الأولى من أجهزة (بي سي مايكروسوفت) اللوحية التي أعلن عنها في عام 2001 مع قلم إلكتروني و(لاب توب)، بشاشة يمكن تحويل وجهها لكي تتقبل القلم الإلكتروني. وتبع ذلك نسخ أخرى من لوحيات (ويندوز)، لكن لم يكن لأي منها السحر الكافي لتحفيز الاهتمام الواسع للمستهلكين. فكومبيوتر (بي سي) اللوحي لم يقم باختراع الجهاز اللوحي الحديث، بل سقط واحترق»، هذا ما قاله جوبس لدى إطلاق «آي باد 2» في إشارة واضحة إلى مساعي وجهود «مايكروسوفت» العقيمة في مضمار الأجهزة اللوحية.

وكانت الخطوات المتعثرة لـ«مايكروسوفت» عملاقة البرمجيات في استراتيجيتها الخاصة بالأجهزة الجوالة، ومحاولتها الاستئثار باهتمام المستهلك، قد ظهرت جلية العام الماضي، عندما تجاوزتها «أبل»، لتصبح الشركة رقم واحد في عالم التقنيات، مرتكزة على توسعها في الرساميل والأسهم المالية وقيمة الشركة ككل. فقد باعت 15 مليون جهاز «آي باد»، مولدة عائدا قدره 9.5 مليار دولار العام الماضي. وهي في طريقها الآن لبيع 43.7 مليون جهاز «آي باد» للعام الحالي، و63.3 مليون للعام المقبل، كما تقول «آي سبلاي» التي تراقب القضايا الصناعية.