«شبكة إنترنت الأشياء».. هل يبزغ فجرها قريبا؟

تعمل مع كل نظام إلكتروني مصمم لزرعه داخل المعدات والأجسام

TT

تخيل تشييد نظام إلكتروني يرسل الإشارات في كعب الحذاء.. هذا هو المثال الأول لشبكة الإنترنت الخاصة بالأشياء. وقد حصل هذا مع أندريو دونكان، مستشار التقنيات في لوس أنجليس الذي لم يكن يدري بذلك آنذاك، وهو يذكر أن صديقه كان يراقبه على شاشة الكومبيوتر عندما كان يقوم بمسيرة 5 أميال (8 كيلومترات) مشاركا في فعالية لجمع المال في شهر نوفمبر (تشرين الأول) من العام الماضي لمساعدة المصابين بمرض «ألزهايمر».. لقد كان حذاؤه يرسل رسائل نصية عن حالة البطارية إذا نفدت شحنتها، وإن حدث وخطا بعيدا عن خط المسيرة. وكان حذاؤه مجهزا بنظام الملاحة «جي بي إس» بتكلفة 299 دولارا، فضلا عن اشتراك شهري للخدمة اللاسلكية.

وهذا مثال عن التوقعات الكبيرة للشبكة المسماة «إنترنت الأشياء» (IoT) بحيث إن أي شيء يملك بعض الذكاء، سيكون له وجود على الشبكة، مولدا معلومات وبيانات يمكن استخدامها. وبينما يتفق مراقبو الصناعات التقنية حول ذلك فإنهم يختلفون حول متى سيتحقق ذلك، وما هو الوضع الأفضل المستمد من الخيال العلمي، الذي سيصف ما هو آت.

* شبكة الأشياء الذكية

* يقول سام ليوسيرو المحلل في مركز «إيه بي آي ريسيرتش» للأبحاث في نيويورك أن «أي شيء ذكي سيكون له وجود على الشبكة». ويتفق مع هذا القول دايف إيفانس، المنظر المستقبلي في شركة «سيسكو». وهو يتوقع وجود 50 مليار جهاز متصل بحلول عام 2020، وأن تقوم الشبكات الاجتماعية بعملية هذا الوصل. وأضاف: «إنه في السنوات المقبلة سيتواصل أي شيء يملك مفتاحا للتشغيل والتوقيف مع هذه الشبكة. وأنا أرى أن ذلك سيحدث في أي قطاع من قطاعات الصناعة، وفي شتى مناحي الحياة».

ويقول ستيف هيلتون، المحلل في «أناليسيس مايسون» للاستشارات التقنية في لندن، «هنالك العديد من الصناعات حيث يجري فيها تطبيق (IoT) التي هي من الأحلام المقبلة. فهي تحصل وتطبق في قطاع الطاقة، والمرافق المختلفة، وصناعة السيارات، وعمليات النقل، والأمن والاستطلاع. وهنالك جزء صغير يحصل في قسم العناية الصحية»، حسب ما نقلت عنه مجلة «كومبيوتر وورلد» الإلكترونية. وإذا أضفنا إلى ذلك القارئات الإلكترونية، مثل «كيندل»، فإن هذا الأمر يحصل في القطاع الاستهلاكي أيضا. والمكان الوحيد الذي لا يحصل فيه ذلك، كما يقول، هو في السلع والمعدات المنزلية. «فالبائعون راغبون في ذلك، لكنني لا أعتقد أن هنالك سوقا كافية»، يقول هيلتون، «لأنه إذا كلفت مثل هذه السلعة 150 دولارا إضافية، فهل ستقوم بشرائها»؟

أما كاثرين فرايس، نائبة رئيس قسم الأبحاث في «آي بي إم»، فتتساءل: «ما هو نوع الأعمال التي ستتطور إذا ما جرى إدارة آلة الغسيل، وضابط الحرارة، ومسخن المياه معا، سواء عن طريق المستهلك، أو فريق ثالث». وتضيف: «نحن نرى موافقة من قبل الأشخاص للتشارك في المعلومات في ما يتعلق بأنفسهم إذا ما رأوا أن ثمة عائدا لهم من وراء ذلك. فإذا كانت هنالك أي مكاسب، مثل تخفيض فاتورة استهلاك الطاقة عن طريق معرفتك بأنني أستحم الآن، فهذا مقبول».

* ابتكارات متوقعة

* ويقول كيفن دالاس، مدير «مايكروسوفت» لشؤون منتجات «ويندوز» المبيتة في السلع الأخرى: «إن الاستثمارات في هذا المجال بدأت الآن، ونراها عبر كل أنواع الصناعة، وسنرى نتائج ذلك في غضون سنتين أو 3 سنوات»، لكنه رفض الكشف عن أمثلة معينة.

ويرى دالاس عدة سيناريوهات قريبة في هذا المجال وهي:

* لكونك من أعضاء برنامج الولاء لأحد المتاجر، فإنك وعندما تقوم بإرسال لائحة التبضع إلى المحل سوف تعطى عروة خاصة بالتعريف على الهوية لا سلكيا (RFID) لدى وصولك، لتقوم إشارات جهاز عرض رقمي تابع للشبكة بتوجيهك عبر الأروقة المختلفة، من سلعة إلى أخرى، للعثور على ما تريد.

* في المحال الأخرى تقوم هذه الإشارات بأخذ مقاييس جسمك لدى الاقتراب من الملابس التي ترغبها ليجري عرض الترويجات التي من المفترض أن تناسب مقاسك.

* تقوم اللافتات الرقمية في أي محل بتقديم الترويجات التي تعتمد على الأحداث في الزمن الحقيقي، مثل حجم المبيعات، وموسم الحسومات، وحالة الطقس.

* تقوم ثلاجة المنزل برصد محتوياتها وإبداء رأيها حول إعادة ملئها بالمواد الغذائية.

* تقوم السيارة بتعقب الأمكنة التي تذهب إليها، والتنبؤ برحلاتها المقبلة، كما أنها تكون مستعدة للإجابة عن أقرب محطة للتزود بالوقود، مستخدمة بيانات مستمدة من السحاب.

* تقوم سيارتك برصد وظائفها الداخلية وتقدم إرشاداتها حول الخدمة والصيانة، كما هو الحال بالنسبة إلى نظام «أون ستار» الخاص بـ«جنرال موتورز» الذي يقوم بالتشخيص من بعيد. وشرعت صانعات سيارات أخرى بالسير أيضا على هذا المنوال.

* يمكن تقديم بيانات «الصندوق الأسود» في سيارتك إلى شركة التأمين في محاولة لتخفيض الرسوم، على افتراض أنها تشكل دليلا على القيادة الآمنة. وقد قام عدد من شركات التأمين بتقديم مثل هذه البوليصات، بعضها يعتمد على بيانات تم جمعها عن طريق آلة مثبتة في السيارة، كما هو الحال بالنسبة إلى برنامج «سنابشوت» من شركة «بوغريسيف كاجولتي» للتأمين.

* تقوم سيارتك بإرسال إخطار لك إذا ما قام ابنك الصغير بقيادتها بسرعة عالية، كما يحصل الآن مع بعض الأجهزة التي تضاف إلى السيارات.

* تجربة صينية

* وتتوقع مصادر أخرى استحداث أَسرة للمستشفيات خالية من الكثير من الأجهزة والمعدات، بحيث تنتفي الحاجة إلى أجهزة استشعار تركب على المريض، أو توصل به. «فبعد 10 سنوات ستتغير حياتنا تماما عما نتصوره حاليا»، كما يتوقع كنيكو بيرني، المحلل الاستراتيجي في مؤسسة «كومباس إنتلجينس» للاستشارات في سكوتسدايل في ولاية أريزونا الأميركية.

وفي الصين قام رئيس وزرائها وين جياباو بجعل «IoT» هدفا قوميا، كما يقول إدموند شوستر، الأستاذ في معهد ماساتشوسيتس للتقنية (إم آي تي) الذي يعمل في قسم الهويات الأوتوماتيكية. «فالصينيون يرون في ذلك جزءا أساسيا من المجتمع المتناغم، لا سيما على صعيد تسهيل الخدمات وتنسيقها في المدن المزدحمة»، على حد قوله.

علاوة على كل ذلك أعلنت السلطات البلدية في ويوكسي في ضواحي مدينة شنغهاي في الصين، عن نيتها في تشييد حديقة تقوم على مبدأ «IoT»، حيث من المتوقع أن تصبح مقصدا للسياح للجيل الجديد من مستخدمي الإنترنت.

وكانت «IoT» قد انطلقت لأول مرة منذ 15 سنة على أساس استخدام تقنيات التعاطي بين آلة وأخرى «M2M» لرصد الأصول البعيدة، والممتلكات التي عفا عليها الزمن، كما يوضح أليكس بريزبورن، رئيس «كوري تيليماتيكس»، الشركة التي تقدم خدمات «M2M» اللاسلكية في ولاية أتلانتا الأميركية. وهذا التحول إلى «IoT»، كما يتذكر بريزبورن، بدأ في عام 2001، عندما بدأنا نرى تقديم بروتوكول الإنترنت «IP» عبر الشبكات الخليوية. ويتفق بيل إنجيل، المحلل في «بيتشام ريسيرتش» في بوسطن، مع هذا القول، بإشارته إلى أن «(IoT) هي عبارة جديدة نسبيا تعني الشيء ذاته مثل (M2M)». ويضيف ليوسيرو من مركز «إيه بي آي» للأبحاث، أنه بات ثمة تداخل بين «IoT»، و«M2M»، و«RFID»، والمقاييس الذكية، وشبكات الاستشعار المختلفة، والأتمتة المنزلية.

بأي حال ستقوم مختبرات «إتش بي» بإطلاق أول مشروع كبير عن طريق استخدام تقنية «IoT» الذي هو عبارة عن مشروع للتصوير الزلزالي لحساب شركة «شل أويل»، مما يعطي شفافية إلى الـ20 كيلومترا الأولى من القشرة الأرضية، على مساحة تمتد 10 كيلومترات مربعة. «وإننا بذلك نفعل الأمر ذاته مع الأرض، كما نفعله حاليا في التصوير داخل الجسم البشري»، كما يقول الخبراء.

* انفجار معلوماتي ويضيف هؤلاء أنه حال انتشار تقنية «IoT» فإن حجم البيانات التي ستتولد ستكون آلاف الأضعاف ما هي عليه الآن. لذا تحتاج تقنية تحليلها ومعالجتها أن تكون أكثر قدرة بآلاف المرات، فهل هذا ممكن؟ «نعم» يجيب الخبراء.

وقد تكون قوة التحليل كافية، «ولكن ماذا عن المراحل التي ينفذ منها عرض النطاق؟»، تتساءل فرايس من «آي بي إم». لتفادي ذلك يتوجب ترشيح المعلومات بشكل ما. إذ تعمل «آي بي إم» على المعالجة التدفقية، مع قيامها بأعمال أخرى على مستوى الأجهزة، لجعل عرض النطاق الحالي أكثر فعالية. والهدف، كما تقول فرايس، «جعله أكثر قابلية لاستخدامه مع الأجهزة».

لكن بغض النظر عن التحديات والمكاسب التي تجنى من «IoT»، فإن مستخدميها راغبون في أن تبقى بياناتهم سرية وخصوصية. ويبدو أنه لا يتوفر حاليا جواب جاهز على هذا السؤال. إذ يقول شوستر من «إم آي تي»، «إننا لم نصل بعد إلى هذه المرحلة. فالبريد الإلكتروني لا يزال يتعرض إلى القرصنة والهجمات، رغم مضي 25 سنة عليه». ويتفق مع هذا القول إيفانس من «سيسكو» بقوله «إننا بحاجة جميعنا على التأكيد بإضافة جميع الطبقات الأمنية التي يتوجب أن تكون جزءا من التركيب الهندسي الإجمالي، وليس فكرة لاحقة تأتي متأخرة».

ويتساءل بريسبورن: «ماذا لو تمكنت عن طريق مقياس استهلاك الطاقة في منزلك الوصول إلى محطة الطاقة النووية في الطرف الآخر من الخط؟ بصراحة تامة ثمة مشاريع على المستوى الاتحادي الأميركي، يتوجه إليها أشخاص يحاولون القيام بالقرصنة تحديدا، والعثور على الثغرات التي تمكنهم من ذلك».