عام 2012.. التقنيات الرقمية تكتسح هوليوود

تحول شامل نحو الأفلام السينمائية الرقمية بكاميرات الجودة العالية

TT

انقضى عام 2011 في تاريخ هوليوود بوصفه العام الأخير الذي كانت تنتج خلاله آخر ثلاث شركات الأفلام السينمائية وتصورها بكاميرات من قياس 35 ملليمترا، وهي الكاميرات التي في طريقها إلى الزوال الآن، بحيث ستظل مجرد سلع موجودة، بعدما أعلنت كل من «بانافيجن»، و«إيه آر آر آي»، و«أياتان»، أن طرزها الجديدة من الكاميرات ستكون رقمية.

والمسؤول الكبير عن هذا التحول الحاصل في الصناعات حول العالم هو التحول الآخر الحاصل من التقنيات التناظرية إلى التقنيات الرقمية. لكن ما يجدر ذكره هنا هو العمل الذي قامت به شركة صغيرة في كاليفورنيا حركت تقنيتها خيال المخرجين العالميين. وكان ابتكارها عبارة عن مجموعة جديدة من الكاميرات الرقمية السينمائية التي هي أصغر حجما بكثير من الكاميرات التقليدية العادية، وأخف وزنا منها، ومع ذلك تضاهيها على صعيد جودة الصور.

* جودة الصور الرقمية

* تأسست شركة «ريد ديجيتال سينما كاميرا كومباني» عام 1999 في منطقة أرفاين في ولاية كاليفورنيا الأميركية، على يد جيم جانارد، الذي كان لا يملك أي خبرات في أعمال السينما. وكان في الأصل من رجال الأعمال الذين كونوا لهم ثروة في عمليات النظارات الزجاجية الواقية من أشعة الشمس المسماة «أوكلي».

يقول تيد شيلوتز، الناطق بلسان شركة «ريد ديجيتال» التي تتألف من 400 موظف، إن جانارد أصبح مهووسا بفكرة الكاميرات الرقمية التي ستصبح بديلا لا بد منه لمنتجي الأفلام السينمائية، التي اعتبرها امتدادا لعمله في صنع النظارات الطبية والشمسية والنظارات الواقية للرياضيين. وكان يرى أن المنتجات تتطور تدريجيا من البدائية حتى تصل لتلبية متطلبات الأعمال الكبيرة ذات القدرات العالية. والكومبيوتر هو أفضل مثال على ذلك، إذ تملك الطرازات العادية الحالية قدرة كانت في الماضي حصرا فقط على الكومبيوترات المتفوقة فقط.

بيد أن الخط الذي انتهجته شركة «ريد» كان مختلفا. فقد كانت كاميرات السينما الرقمية في السوق سلفا عندما بدأت «ريد» عملها. بيد أن جودة صورها لم تكن بمستوى الجودة المطلوبة للأفلام السينمائية. وكانت هذه الجودة تتحسن، لكن جانارد رغب في أن يتجاوز نموذجه الأولي جميع الكاميرات الرقمية الحالية، وحتى تلك التي تصور الأفلام السينمائية العادية.

وتطلب ذلك سنوات من الهندسة، تتعلق غالبيتها بالشريحة شبه الموصلة، التي تعتبر قلب أي كاميرا رقمية، والتي تحول الفوتونات إلى إلكترونات. وخرج فريق «ريد» بشريحة كانت بحجم الإطار الواحد من فيلم قياس 35 ملليمترا الذي هو المستوى القياسي العادي في هوليوود، وتمكنت - أي الشريحة هذه - من إنتاج صورة لا يمكن تمييزها عن الأفلام السابقة، وإن كانت رقمية. ويقول شيلوتز في حديث لمجلة «تكنولوجي ريفيو» الأميركية «عندما نظرنا حولنا رأينا الكاميرات الرقمية بدأت تنمو ببطء، لكن لا واحدة منها كانت قريبة من سحر السينما، كما يبدو لنا ذلك، لذلك شرعنا من الصفر، وتحول ذلك إلى مصلحتنا».

* كاميرا سينمائية وطرح الطراز الأول من كاميرا «ريد» (Red) في عام 2007، الذي استقطب فورا اهتمام منتجي الأفلام من أمثال بيتر جاكسون، وستيفن سوديربيرغ. وشرع المخرجون منذ ذلك الحين في استخدام كاميرات «ريد» لتصوير الأفلام الكبيرة، مثل «لورد أوف ذي رينغس»، و«قراصنة الكاريبي»، و«الرجل الوطواط»، وغيرها.

وكان لهذه الكاميرا معجبون أيضا خارج حلقة هوليوود، إذ صور الفيلمان الأخيران اللذان حازا الأوسكار للأفلام الأجنبية، «السر في عيونهم» من الأرجنتين و«العالم الأفضل» من الدنمارك، بكاميرات «ريد».

ومقارنة الأسعار بين كاميرات «ريد»، والكاميرات الأخرى التقليدية، ليست ذات دلالة معلوماتية كبيرة، لأن ما يجري هو استئجار كاميرات الأفلام بدلا من شرائها. إذ يقول شيلوتز إن النسخة الأخيرة المجهزة كاملة من «ريد» يراوح سعرها بين 45 و60 ألف دولار، التي هي ربع سعر الكاميرا العادية الجديدة، هذا إذا ظلت بعد قيد الإنتاج.

ولا يتجاوز حجم جسم كاميرا «ريد» حجم الكاميرا العادية المهنية التي تلتقط الصور الساكنة. لكنها ليست كما لو أنها كاميرا لهواة تصوير الأفلام السينمائية الذي يتنقل في أرجاء الاستوديو، ملتقطا الصور كأحد السائحين عن طريق كاميرا معلقة على عنقه. فنظام كاميرا «ريد» الكامل مع العدسات والملحقات الأخرى يفرض نفسه عادة، تماما مثل كاميرا الأفلام العادية. غير أن منتجي الأفلام يقولون إنهم يرغبون في استغلال قابلية الحركة في كاميرات «ريد» عندما يحتاجون إلى ذلك. فسعرها المنخفض يعني أيضا أن بمقدور طاقم التصوير استخدام كاميرات عدة من هذا النوع، إذ يستخدم هذا الطاقم، الذي يصور حاليا حلقات فيلم «العادات في نيوزيلندا» 48 كاميرا «ريد»، منها طرازات حولت للتصوير بالأبعاد الثلاثة.

وبمقدور الكاميرات الرقمية التقاط المزيد من الصور في الثانية الواحدة مقارنة بكاميرا الفيلم العادي، مما يعزز جودة الصور. وذكر جاكسون الذي يخرج هذه الحلقات، أن التأثيرات أشبه بوجود فجوة في شاشة السينما تنظر منها إلى العالم الحقيقي.

والواقع أن كاميرات السينما الرقمية هي آخر الخطوات نحو صناعة سينمائية، التي لا تلعب أفلام السيليولويد (الأشرطة السينمائية) فيها أي دور. فحاليا حتى الأفلام التي تصور على الأفلام العادية يجري ترقيمها لاحقا، بحيث يتم تحريرها والتأثيرات التي تجري عليها، عن طريق الكومبيوتر. وبعد ذلك يمكن طباعتها مجددا على الأفلام، وشحنها إلى دور السينما التي لا تزال غالبيتها تستخدم آلات العرض العادية.