تقنيات مطورة تسرع استقبال العروض المرئية على الأجهزة الجوالة

للتغلب على ازدحام الشبكات الخليوية

صورة تظهر عددا من الهواتف الجوالة الذكية تقدم العروض المرئية على شاشاتها بتقنية «بي سيل» التي طورها ستيف بيرلمان
TT

في غرفة عالية ضيقة بمبنى يطل على جسر باي في هذه المدينة، حقق ستيف بيرلمان إنجازا من شأنه جعل الشبكات الخليوية الهاتفية تجثو على ركبتيها! فحوله كانت هنالك مجموعة من ثمانية هواتف «آي فون»، وزوجان من التلفزيونات، بدرجة وضوح «4 كيه» العالية جدا، فضلا عن مجموعة من الأجهزة الأخرى. وقام بيرلمان بتشغيل وعرض أفلام سينمائية عالية الوضوح من «نيتفليكس»، على نصف دزينة من الأجهزة في وقت واحد، عن طريق بث الفيديو لاسلكيا إليها. وبدلا من تعثر هذا الأداء بفعل كل هذه البيانات الكثيرة المكتظة عبر الأجواء، فإن العروض المرئية لم تصادف أي صعوبات تقنية.

وأظهر العرض تقنية مطورة من شأنها أن توفر لمستخدمي الأجهزة الجوالة سرعات عالية للشبكات الخليوية، مع قليل من الإخفاقات على صعيد انقطاع المكالمات وغيرها من الإزعاجات، ويمكنها العمل حتى في الملاعب الرياضية، والأماكن المكتظة، حيث الآلاف يقومون باستخدام هواتفهم في الوقت ذاته. وبيرلمان هذا هو رجل أعمال ومخترع قام ببيع «ويب تي في» لـ«مايكروسوفت» في أواخر التسعينات لقاء 500 مليون دولار.

* اتصالات هاتفية سريعة تدعى هذه التقنية الجديدة «بي سيل» pCell، وهي واحدة من الأساليب الفنية العديدة التي تنظر إليها الشركات لمعالجة الطلب المتزايد على البيانات الجوالة لا سيما عروض الفيديو.

ويبدو أن مشاهدة الأفلام السينمائية والبرامج التلفزيونية وغيرها من اللقطات أثناء التجوال، شرعت تزداد شعبية أخيرا، خاصة مع ظهور أجهزة جوالة بشاشات أكبر وأكثر وضوحا وتوفر مزيد من الفيديوهات على الشبكة.

لكن بسبب الطلب المتزايد هذا أضحت الشبكات الخليوية أكثر ازدحاما واكتظاظا، ففي الولايات المتحدة استهلك كل مستخدم للهاتف الجوال العادي في المتوسط 1.2 غيغابايت من البيانات شهريا عبر الشبكات الخليوية، وهو ضعف المعدل العادي في عام 2012 تقريبا، وفقا لتقديرات شيتان شارما المستشارة في شؤون شركات الخدمات اللاسلكية. وذكرت شركة «سيسكو» صانعة معدات الشبكات أن استقبال الفيديو الجوال وصل إلى نسبة 53 في المائة من إجمالي البيانات الجوالة في نهاية عام 2013، بعد تخطيه نسبة 50 في المائة لأول مرة عام 2012. وهذا ما جعل شركات الخدمات اللاسلكية تسارع إلى إيجاد السبل الكفيلة للتأكد من عدم قيام الفيديو بخنق شبكاتها. وفي أواخر العام الماضي أقر مديرو شركة «فيريزون» أن سرعة البيانات على الشبكات اللاسلكية بدأت تعاني من ازدحام الأجهزة الجوالة الجديدة التي تستخدم أحدث تقنيات «إل تي إي» للشبكات، خاصة في المدن المشبعة تقنيا، مثل نيويورك وسان فرانسيسكو.

وتقوم «فيريزون» بإضافة مزيد من الهوائيات إلى شبكتها، مشكلة خلايا لاسلكية صغيرة بتغطية أقوى، لتوسيع خدماتها إلى قطاعات جديدة من الطيف اللاسلكي، الذي يوازي رقميا فتح ممرات ومسالك جديدة على صعيد حركة الاتصالات. أما «سبرينت» فقد أدخلت خدمة تدعى «سبرينت سبارك» التي تقوم بزيادة سرعات الدخول إذا كان زبائنها يملكون أجهزة يمكنها استخدام ترددات لاسلكية متعددة في وقت واحد.

* حلقة اتصال شخصية إذا أدت تقنية «بي سيل» (وتعني «الحلقة الشخصية» حيث يشير حرف p إلى كلمة personal) ، التي ابتكرها بيرلمان مهماتها جيدا، فقد تؤدي إلى مكاسب أكبر على صعيد السرعات اللاسلكية. فعلى صعيد الشبكة الخليوية التقليدية تقوم الهوائيات الموضوعة حول المدينة ببث الإشارات اللاسلكية إلى جميع الأجهزة الجوالة ضمن هذه المساحة. ومع دخول مزيد من السكان إلى هذه المنطقة، يقومون بالتشارك في الشبكة اللاسلكية مع الآخرين هناك، مما يؤدي إلى سرعات أبطأ. لكن شركات الخدمات اللاسلكية لا تستطيع حل المشكلة عن طريق وضع هوائيات في كل مكان، نظرا لأن الإشارات يتداخل بعضها مع بعض وتضطرب إذا كانت متجاورة جدا.

لكن مع شبكة من هوائيات «بي سيل» سيكون بمقدور الجهاز الجوال الدخول إلى سرعة البيانات اللاسلكية كلها في المنطقة، بغض النظر عن عدد الأشخاص الذين يتشاركون في هذه الشبكة. ويقول بيرلمان إن نظامه هذا يقوم بكل ذلك عن طريق احتضان هذا التداخل الذي تسببه الهوائيات المتجاورة، بدلا من تفاديها؛ إذ تقوم مراكز البيانات من وراء الستار الموصولة بالهوائيات بإنجاز حسابات رياضية سريعة لإنتاج إشارات لاسلكية متماسكة لكل شخص على الشبكة.

ويقول بيتير فان روين، المهندس الكهربائي والأكاديمي السابق الذي أسس شركات ناشئة لاسلكية: «لا أعتقد أن هنالك أي نظام آخر يقوم بمثل هذا العمل». والأخير هو كبير مديري شركة ناشئة لتحليل المورثات، وقد تعرف على بيرلمان منذ عشر سنوات، ويعمل مستشارا غير رسمي له. وكان بيرلمان قد شرع يعمل على هذه التقنية الجديدة منذ أكثر من عقد من الزمن، عن طريق شركات «ريردين» التي شكلها في سان فرانسيسكو، والتي نشأت عنها شركات أخرى انتقائية بعضها حقق نجاحا تجاريا. وقد أنشأ أخيرا شركة جديدة تدعى «أرميس نيتوركس» بغية تسويق التقنية الجديدة بعد عملية التطبيق الأولى في أواخر العام الحالي. وتمكن فريقه من جعل «بي سيل» تعمل مع الأجهزة اليدوية العالية على شبكة اتصالات «إل تي إي» المتوفرة حاليا، بما فيها أحدث الهواتف الذكية من «آي فون»، و«سامسونغ»، وقام أخيرا بتنفيذ عرض عام في جامعة «كولومبيا»، جامعته الأم التي تخرج فيها.

ونظرا لأنه وصف تقنيته هذه بعبارات عامة، فإن كثيرين لم يتمكنوا من تقييمها مباشرة، لذا فإن الشك يساور بعضهم حول نجاح هذه التقنية كما يقول، وأحدهم هو ستيفن كراولي المهندس اللاسلكي الذي تستشيره شركات الخدمات خارج الولايات المتحدة الذي ذكر أن بعض الإنجازات التي ذكرها بيرلمان، والتي أوجزتها بعض الصحف، تبدو صعبة التحقيق عمليا. كما أن شركة «فيريزون» لم تبد أي إشارة إلى أنها ستعتمد تقنية بيرلمان، كذلك شركات الخدمات الكبيرة الأخرى.

وكان جون سكلي المدير السابق في «أبل» التي استثمرت كثيرا في الشركات اللاسلكية الجديدة، بما فيها شركة «ميترو بي سي إس»، قد ذكر أن بإمكان القادمين الجدد إلى عالم التجارة اللاسلكية، تشييد شبكات سريعة جدا، عن طريق استخدام هذه التقنية مقابل تكلفة أقل من تكلفة الشبكات الخليوية التقليدية، نظرا لوجود مرونة أكثر في ما يتعلق بمكان يمكن وضع الهوائيات. ويضيف سكلي الذي يعمل أيضا مستشارا لبيرلمان، «هذا الأمر من الأحداث النادرة في وادي السيليكون، التي تحدث كل 20 أو 30 سنة، لأن لها القدرة على تغيير قواعد لعبة صناعة الاتصالات اللاسلكية».

* خدمة «نيويورك تايمز»