العلماء يحاولون حل تناقض ألغاز التغييرات المناخية في القطب الجنوبي

القارة الجليدية تشهد تأثيرات تسخين وبرودة وتقلص الأنهار الجليدية وظهور أخرى * ذوبان أغطية القطب الجنوبي الجليدية سيرفع مستوى المحيطات بأكثرمن 60 مترا * درجات الحرارة ارتفعت في المنطقة عشر مرات أعلى من ارتفاعها في العالم على مدى العقود الخمسة الماضية

TT

يتعرض القطب الجنوبي منذ فترة الى تغييرات مناخية متضاربة، فتارة ترتفع درجات الحرارة في هذه المنطقة الشاسعة بمعدلات عالية وطورا تنخفض. كما أن بعض أنهاره الجليدية آخذة في التقلص وبعضها الآخر في طور الاتساع. وفي الوقت الذي تختفي فيه أرصفة جليدية، تظهر أغطية ثلجية في أماكن أخرى. ويعزو الخبراء التغييرات المناخية في شبه المنطقة القطبية الى مساحتها الشاسعة التي تبلغ نحو 5.4 مليون ميل مربع اي اكبر من مساحة الولايات المتحدة. وحذر خبراء في تقرير حديث من الاحتباس الحراري وظاهرة البيت الزجاجي اللذين قد يكون لهما علاقة بما يحدث في القطب الجنوبي. ويقول ديفيد فوغان الباحث في الأنهار الجليدية في مؤسسة «هيئة مساحة القارة القطبية الجنوبية» البريطانية ان «الناس ينسون أنها قارة. نحن لا ننتظر أن يبقى الأمر على حاله عند حصول تغييرات مناخية في آسيا. فنفس التغييرات تحصل هنا».

* قارة جليدية

* ويتمثل دور القطب الجنوبي في التغييرات المناخية والمحيطات في أنه يعتبر «رواية او قصة الثلج»، ذلك أن تسعين في المائة من الجليد في العالم موجود اما فوق سطح القارة القطبية، أي بين أغطية جليدية يبلغ معدل عمقها 1.3 ميلا، أو على شكل أغطية تمكنت من الطفو الى السطح الخارجي لتكون أرصفة جليدية على السواحل قد يصل عمقها الى المئات أو الآلاف من الأقدام. وتبلغ مساحة أكبر رصيف جليدي وهو «رصيف روس آيس» 200 ألف ميل مربع أي ما يقارب مساحة فرنسا. أما بالنسبة للمكون الثالث للقطب الجنوبي، فيتمثل في غطاء رقيق من مياه المحيطات المتجمدة أو جليد البحار الذي يزداد حجمه أو يتقلص بحسب الفصول. وقد عززت التقارير، التي صدرت حديثا، حول ذوبان رصيف جليدي بحجم «رود آيلاند» في الولايات المتحدة فكرة أن العالم الذي تزداد فيه درجات الحرارة سينتهي الأمر به الى الغرق، وذلك ليس من جراء ذوبان الأرصفة الجليدية وانما من ذوبان الأغطية الثلجية التي تتسبب في ارتفاع مستوى البحار. واذا تحولت جميع أغطية القطب الجنوبي الجليدية الى مياه، فان مستوى مياه المحيطات سيرتفع بأكثر من مائتي قدم. لكن هذا لن يحدث. حتى اذا ارتفعت حرارة القطب الجنوبي، التي تصل الى 70 درجة مئوية أو اقل، بعشر درجات، فان كل الجليد في هذه المنطقة سيبقى مجمدا. غير أن التقارير الأخيرة أثبتت أن الأغطية الجليدية الواقعة على أطراف السواحل الحارة معرضة اكثر من غيرها الى الذوبان. ذلك أن ارتفاع مستوى البحر حتى بمعدل بسيط يستطيع غمر مناطق مثل بنغلادش وفلوريدا وحتى حي منهاتن في الولايات المتحدة. كما أن ذوبان الثلج يستطيع تحويل مجرى تيارات المحيطات التي تحيط بالقارة القطبية وبالتالي يؤدي ذلك الى تغيير التيارات البحرية في العالم واحداث المزيد من التغييرات المناخية.

* تغيرات متناقضة

* التغييرات المناخية في القطب الشمالي ليس لها دافع محدد. اذ يرى بعض الخبراء أنها جانب من المدار الطبيعي للمنطقة، بينما يعتقد آخرون أن ذلك بسبب تأثيرات متأخرة ترجع الى نهاية العصر الجليدي، اي أنها ظهرت بسبب ظاهرة ارتفاع درجة حرارة الأرض منذ القرن الماضي. ويشار الى أن درجات الحرارة في شبه الجزيرة القطبية، التي تمتد الى أميركا الجنوبية، ارتفعت بنسق سريع أي بمعدل خمس درجات فهرنهايت (2.78 درجة مئوية) على مدى العقود الخمسة الماضية وذلك بمعدل عشر مرات ارتفاع درجات الحرارة العادية في العالم. وكانت نتائج هذه الظاهرة سريعة ومدهشة في نفس الوقت. ومع ارتفاع درجات الحرارة في فصل الصيف فوق مستوى التجمد، أصبح الثلج يذوب بانتظام مكونا بركا فوق سطح الأغطية الجليدية في المنطقة القطبية. وعندما ينساب الماء الى التشققات في الثلج، يؤدي ثقله الى اتساع هذه التشققات الى أن تتفكك مساحات كبيرة من الرصيف الجليدي بسرعة مدهشة. وفي عام 1995، بدأ الخبراء يلاحظون انحلال رصيف «لارسن» الجليدي الواقع في شمال شرقي شبه الجزيرة القطبية وذلك عندما تفكك القسم الشمالي منه، المعروف بـ«لارسن ايه» الى عدة أجزاء. وفي عام 1998، بدأت مساحة الجزء الوسط من «لارسن بي» في التقلص لتفقد بذلك مساحة 1000 ميل مربع في غضون أربع سنوات. وبالرغم من أن تفكك هذا الرصيف الجليدي لم يؤد الى ارتفاع مستوى البحر بصفة مباشرة، الا أن هذه الأرصفة الجديدة أصبحت تشكل دعامة للأغطية الجليدية الأخرى التي قد تنساب بأكثر سرعة نحو البحر مما يؤدي الى ارتفاع مستوياته. غير أن ذوبان الأرصفة الجليدية لا يعني بالضرورة أن ذلك ناتج عن ظاهرة الاحتباس الحراري، ذلك ان أغطية ثلجية اتسعت وتقلصت عبر العصور لتعكس ارتفاع وانخفاض درجات الحرارة بصفة طبيعية. وفي مجموعة من الرواسب التي أخذت من منطقة كانت مغطاة برصيف «لارسن ايه» الجليدي، عثر فريق من الباحثين من معهد هاملتون في مدينة نيويورك على حفريات صغيرة جدا لطحالب بحرية. وأظهر هذا الاكتشاف أن جزءا من الرصيف الجليدي كان من قبل منطقة مياه مفتوحة على الأقل مرة واحدة في السابق، وربما تعرض الرصيف للذوبان قبل 6 آلاف عام في موجة مناخية ساخنة من قبل. ولا تدل بقية مناطق القطب الجنوبي على أي مؤشرات لارتفاع في درجات الحرارة. وفي المقابل، أظهر تقرير صدر في يناير (كانون الثاني) الماضي أن درجات حرارة سهول ماكموردو الثلجية الواقعة غرب رصيف «روس آيس» انخفضت بمعدل درجتين من 1979 الى .1998 وبالاعتماد على اختبارات أخرى، توصل الباحثون الى الاقرار بانخفاض درجات حرارة المنطقة القطبية ككل.

كما اثبت باحثون من وكالة الفضاء الأميركية «ناسا» عن طريق صور التقطت بالأقمار الصناعية أن المنطقة الثلجية الموجودة حول القطب الجنوبي اتسعت بنسبة 2 في المائة مقارنة بما كانت عليه قبل عقدين. وهو ما يدل على أن درجات حرارة المنطقة في انخفاض. ونظرا لأن درجات الحرارة ترتفع وتنخفض بحسب التغييرات المناخية التي يمكن أن تدوم عقودا، فان انخفاض حرارة القطب الجنوبي لا يستبعد فكرة تبعات الاحتباس الحراري. ويقول أحد الباحثين «ربما ترتفع درجات الحرارة في ما بعد، فهو (القطب الجنوبي) لم يستقر رأيه على حال بعد».

* خدمة «نيويورك تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط» =