علاج البدانة ومرضي باركنسون والزهايمر ببخاخات الأنف

بخاخ يحتوي على عقار يؤثر مباشرة على الدماغ من دون ظهور مضاعفات وأعراض جانبية في أجزاء الجسم الأخرى

TT

سيشعر المستشار الالماني القديم هيلموت كول بالأسف لان علماء جامعة لوبيك الطبية لم يتوصلوا الى حل لمشكلة البدانة التي يعاني منها (وزنه 157 كلغم) الا بعد ان خسر نزاله أمام منافسه الرشيق جيرهارد شرودر. كان المستشار «الثقيل» يعاني دائما من وزنه وخصوصا حينما يغادر المانيا: انكسر السرير تحته في الصين وتوقف به المصعد في فيتنام وفشل في شد حزام الأمان حول كرشه في طائرة هليكوبتر أقلته في ايطاليا. وهذه ليست سوى أمثلة بسيطة على المفارقات التي يتعرض لها البدناء في مختلف بقاع العالم وحلمهم الدائم ليس بفقدان وزنهم الزائد فحسب وانما بالحفاظ عليه ايضا.

ويبدو ان علماء جامعة لوبيك توصلوا من خلال الدراسات المختبرية على الفئران والدراسات التجريبية على البشر، الى نتائج واعدة على صعيد معالجة فرط البدانة ومضاعفاتها. وتحدث البروفسور يان بورن، الذي ترأس فريق العمل في لوبيك، عن امكانية مستقبليه لمعالجة البدانة ومرضي باركنسون والزهايمر بواسطة بخاخات الأنف التي تنقل الأدوية المطلوبة مباشرة الى الدماغ. وهي طريقة تجعل العقار يعمل على الدماغ مباشرة دون ان يؤدي الى ظهور المضاعفات والأعراض الجانبية في أجزاء الجسم الاخرى.

* تأثير على الدماغ

* واجرى العلماء الالمان دراساتهم على ما تسمى البيبتايدات العصبية Neuropeptides التي تشكل مجموعة كبيرة من المواد والهرمونات المؤثرة في مختلف الوظائف الجسدية بينها هرمون الانسولين نفسه. وركزت التجارب على ثلاثة نيوروبيبتايد هي الانسولين والفاسوبريسين والميلانوكورتين وهي مواد تختلف في عملها على الدماغ عن عملها على أجهزة الجسم الاخرى.

وكما هو معروف فان خلايا بيتا في البنكرياس هي المسؤولة عن فرز الانسولين الذي يعتبر العامل الحاسم والمنظم لتركيز السكر في الدم. الا ان هرمون الانسولين يعمل على الدماغ مثل أي نيوروبيبتايد آخر ويتحول الى عامل مقرر ومنظم لوزن جسم الانسان اضافة الى تأثيره المعروف على نشاطات المعرفة والادراك. كما توصلت بعض الدراسات العلمية الى ان ارتفاع تركيز الانسولين في الدماغ يؤدي الى تحسن ظاهر في ذاكرة المسنين. وهذا يعني ان من الممكن معالجة النسيان بواسطة الانسولين الا ان رفع تركيز هذا الهرمون في الدم الى درجة تضمن اختراق نسبة ضئيلة منه لحاجز الدماغ يعني التسبب للمريض بأعراض جانبية خطيرة قد تؤدي الى الموت كما هو الحال مع صدمة نقص سكري الدم.

ولهذا فقد ركز فريق العمل في لوبيك على إيجاد طريقة مثلى لإيصال النيوروبيبتايد الى الدماغ مباشرة باستخدام بخاخات الأنف. ويعتقد بورن وزملاؤه ان النيوروبيبتايد تصل الى أنسجة المخ عن طريق اختراق الغشاء المخاطي الذي يغلف مستقبلات الروائح في الأنف وينتقل عبرها مباشرة الى الدماغ. واذا كان العلماء غير متأكدين من كيفية تسلل النيوروبيبتايد من الأنف الى الدماغ فأنهم متأكدون من وصولها الى الدماغ عبر الأنف. وقد فحص بورن وزملاؤه تركيز الانسولين في أدمغة بعض المتطوعين بعد ان عالجوهم ببخاخ الانسولين وتأكدوا من وجود هذا الهرمون في أدمغتهم بتركيز عال. المهم ايضا ان البخاخ تسبب برفع تركيز الانسولين في الدماغ فقط وبقيت نسبته في الدم وبقية أعضاء الجسم ثابتة وهذا يعني ان من الممكن استخدام العلاج دون خوف من ظهور أعراض الانسولين الجانبية.

كما جرب فريق العمل بنجاح آخر طريقة بخاخ الأنف باستخدام مادة فاسوبريسين Vasopressin المسؤولة عادة عن إفراغ الكلى من الماء. ومعروف ان نيوروبيبتايد فاسوبريسين يعمل في الدماغ على زيادة قدرة الانسان على التركيز والملاحظة. وتأكد العلماء من وصول المادة عبر الأنف الى الدماغ وتحسينها لقدرات التركيز والملاحظة عند المتطوعين.

اما المادة الثالثة، وهي بيت القصيد في مقالنا هذا، فهي مادة ميلانوكورتين او التي يؤدي رفع تركيزها بواسطة بخاخ الأنف الى كبح جماح الشعور بالجوع. ويرى البروفسور يان بورن ان نجاح الفريق في تسريب الميلانوكورتين الى الدماغ يعد مستقبلا بالتوصل الى علاج نموذجي للبدانة.

وسبق لعلماء اميركان ان كشفوا عبر التجارب المختبرية ان الفئران المعدلة وراثيا، التي لا تفرز Hypothalamas فيها مادة الميلانوكورتين، سمنت فعلا بشكل مفرط. وأفلح ذات الفريق في خطوة لاحقة في معالجة هذه الفئران وإعادة أوزانها الى مستواها الاعتيادي عن طريق حقنها بيبتايد الميلانوكورتين.

ولهذا عمد العلماء الالمان، في مسعاهم للتأكد من تأثير الميلانوكورتين على الانسان عن طريق بخاخ الأنف، الى مقارنة هذه النتائج بنتائج تجربة اخرى اجريت على مجموعة من المتطوعين الذين تلقوا دواء وهميا. وظهر من التجربة ان متلقي الميلانوكورتين عن طريق الأنف فقدوا من أوزانهم بشكل نموذجي حيث تقلصت كتل الشحم في أجسادهم دون ان يؤثر ذلك على العضلات. وهذه نتائج لم يلحظها العلماء على أفراد المجموعة التي تلقت الدواء الوهمي. لكن المشكلة هي ان مادة الميلانو كورتين كانت فعالة عند الأشخاص ذوي الوزن الاعتيادي وليس عند البدناء. ويعتقد العلماء ان سبب ذلك يكمن في تكوين الجسم لمقاومة ضد الميلانوكورتين تشبه مقاومته للانسولين عند مرضى السكري، اذ تبدأ خلايا الجسم بإبداء مقاومة ظاهرة لتأثير الميلانوكورتين عليها.

وفي معرض البحث عن حل لهذه المشكلة توصل بورن وفريقه الى ان خلايا الجسم تفقد مقاومتها للميلانوكورتين تدريجيا بعد مرور فترة من العلاج بالبخاخ، اذ عالج الفريق فئران المختبرات بالبخاخ لفترة واكتشف بان مقاومة أجسادها للميلانوكورتين بدأت بالهبوط بعد فترة. ويعد هذا الاكتشاف بالتوصل الى طريقة حديثة للعلاج ببخاخ هذا البيبتايد. المهم ايضا، من وجهة نظر علمية، ان العلماء تأكدوا من ان الميلانوكورتين يعمل بشكل نموذجي على وقف ظاهرة النكوص التي تلي عادة الحميات (الريجيم) القوية. وتعمل المادة على تنظيم وزن الانسان وتمنع استعادة الكيلوغرامات (النكوص) التي فقدها الانسان بواسطة الريجيم، فالمشكلة الأكبر في قضية معالجة البدانة ليست تقليص الوزن وانما الحفاظ عليه في الحدود المطلوبة.

ويجري البروفسور بورن حاليا تجاربه في لوبيك على مجموعة من المتطوعين بهدف الكشف عن دور الميلانوكورتين في تنظيم وزن الانسان والحفاظ عليه. اذ سيعمل في البداية على إنقاص وزن البدناء بواسطة الريجيم ثم يحاول الحفاظ على الوزن النموذجي المطلوب باستخدام بخاخ الأنف الحاوي على الميلانوكورتين.

=