«أريكسترا» عقار كيميائي يقلل الإصابة بالجلطة ولا يستخرج من أمعاء الخنازير

تخثر الدم الوريدي بعد العمليات الجراحية يزيد خطر الإصابات بالجلطة خاصة في الأطراف السفلية

TT

حذر خبير سعودي متخصص في أمراض الدم من خطر الاصابة بالجلطات الرئوية المميتة، بعد اجراء عمليات العظام الكبرى، نتيجة تخثر الدم في الأوردة العميقة للاطراف السفلى عند منطقة الفخذ والحوض، محددا نسبة الاصابة بهذا النوع من الجلطات، وفقا لدراسات وابحاث علمية أجريت في أوروبا بنحو 80 في المائة، طبقا لنوع العملية المنفذة، ومدى قابلية المريض للاصابة بالجلطة. لالقاء الضوء على مخاطر الجلطات الرئوية التقت «الشرق الأوسط» الدكتور عبد الكريم المؤمن استشاري ورئيس امراض الدم الاكلينيكية بمستشفى الملك خالد الجامعي، خلال تدشينه أحدث مجموعة دوائية من مضادات التجلط، فكان هذا الحوار.

* ما المقصود بتخثر الدم في الأوردة العميقة؟

* يقصد بتخثر الدم في الاوردة العميقة هو تجلط الدم في أوردة الاطراف السفلية من الجسم وتحديدا عند منطقة الفخذ والحوض، وهذا يسبب انسداداً في الوريد، وبالتالي عدم تمكن الدم القادم من الشرايين المرور بسهولة الى القلب، ويعرف طبيا بـ «التخثر الوريدي الانسدادي».

* تخثر الدم

* ومتى يحدث ذلك؟

* يعتبر التخثر الوريدي الانسدادي من الامراض كثيرة الحدوث بعد العمليات الجراحية، حيث اثبتت الدراسات والابحاث العلمية ان نسبة الاصابة بالجلطات الدموية في الاوردة بعد عمليات العظام الكبرى مثل: تغيير مفصل الركبة، مفصل الفخذ، أو كسور عظمة الفخذ، قد تصل الى 80 في المائة طبقا لنوع العملية، ومدى توفر العلاج المناسب للوقاية منها.

* وماذا يترتب على ذلك؟

* في البداية يحدث تضخم مؤلم في الاطراف السفلى، وفي نحو 50 في المائة من الحالات ينفصل الجزء العلوي من الجلطة الدموية وينطلق الى الرئة ليشكل الجلطة الرئوية، التي تؤدي الى اعتلال شديد بالصحة قد يسبب الوفاة المفاجئة، وذلك حسب حجم الجلطة.

* إذن هل الجلطات الرئوية سببها التخثر الوريدي الانسدادي؟

* يمكن القول ان التخثر الوريدي الانسدادي أحد أهم الاسباب الرئيسية لحدوث الجلطات الرئوية.

* ما الاحصاءات العالمية للحالات المصابة بالتخثر الوريدي؟

ـ تدل الاحصاءات العالمية على ان التخثر الوريدي الانسدادي يحصل في كل 145 حالة من اصل 100 ألف مريض سنويا، وان جلطات الرئة الناتجة عن هذا التخثر تحدث في نحو 69 لكل 100000 حالة.

* ألا ترون ان هذه النسب تعد بسيطة ولا تشكل اي تهديد؟

* قد تدل هذه الاحصاءات لأول وهلة على ان التخثر يحصل في حالات قليلة جداً، ولكن هذه البيانات تظهر نسبة حصول التخثر في جميع السكان بما في ذلك الاطفال والاصحاء، ولكن هذه النسبة تكون أعلى بكثير في الاشخاص المعرضون للتخثر.

* إذن من هم الاشخاص المعرضين للتخثر؟

* قبل التعرف الى الاشخاص الاكثر عرضة للاصابة بخطر التخثر، يجب التأكد من ان 80 في المائة من الجلطات تحدث في صمت شديد، وهذا يدعونا أولا للتعرف الى الاسباب المهيأة للتخثر، وكيف انها توجد في البعض بنسب عالية جدا نتيجة الوراثة مثل: انخفاض نسبة مضاد الثروميني الثالث. أو نقص بروتين C أو S أو الاعتلال الوراثي للعامل الخامس (لايدن)، والذي يؤدي الى عدم فعالية بروتين C. أو الاعتلال الوراثي للعامل الثاني (بروتروميني) الثالث، أو الارتفاع المفرط للعامل الثامن، أو الارتفاع المفرط للعامل الاول (الفيبرنيوجين).

* وماذا عن الاسباب غير الوراثية؟

* هناك السمنة، وقلة الحركة، وتقدم السن، ومرض السكري، الكولوسترول، والهوموسيسيني، والحمل، وتناول هورمونات منع الحمل، وارتفاع ضغط الدم، واستخدام مضادات الفوسفوليبد، ووجود جلطة سابقة، والعمليات الجراحية والشلل.

* ما هي اذن نسبة حدوث التخثر في جميع الحالات؟

ـ تختلف نسبة الاصابة بالتخثر باختلاف حالة المريض، ولكن تشير الاحصاءات على ان نسبة حدوث التخثر الوريدي الانسدادي هي: 10 في المائة في جميع المرضى المنومين بالمستشفيات، و 40 في المائة بعد العمليات الجراحية الكبرى، و70 في المائة بعد عمليات المسالك البولية، ونحو 75 في المائة بعد عمليات القلب. وتصل النسبة ذروتها الى 80 في المائة بعد عمليات جراحة العظام.

* وما نسبة حدوث الجلطة الرئوية أو الوفاة؟

* تصل نسبة حدوث الجلطات الرئوية الى نحو 30 في المائة. أما نسبة الوفيات فتصل الى 12 في المائة، وقد دلت الابحاث على ان 75 في المائة من الجلطات الرئوية المميتة تحصل في الايام الاولى للتنويم في المستشفى.

* ما أبرز مضاعفات التخثر الوريدي؟

* تعتبر الوفاة المفاجئة أبرز مخاطر الجلطة الرئوية، وفي أحسن الحالات قد يتعرض المريض لجلطات أخرى ومتكررة بنسبة 20 ـ 30 في المائة بعد الجلطة الأولى، أو احتقان الدم في الاوردة المصابة، وهذا يحدث في نحو 30 في المائة من الحالات، وهو ما يسمى بمتلازمة ما بعد التخثر.

* لماذا هذا القلق العالمي من التخثر الدموي؟

* هناك نقطة مهمة يجب توضيحها أولا، لقد اثبتت الاحصاءات الرسمية ان 70 في المائة من الجلطات الرئوية لا تشخص الا بعد الوفاة، وذلك لأن 80 في المائة من هذه الجلطات تكون صامتة، أي ان الجلطة التي تأتي ومعها العلامات الدالة عليها مثل: الألم، والانتفاخ، وارتفاع درجة الحرارة في الجزء المصاب، لا تحصل الا في 20 في المائة من الحالات، ولذلك فإن تحديد الاشخاص المهيئين للتخثر لاعطائهم الوقاية اللازمة هو أمر ضروري للغاية.

* الوقاية

* وكيف تكون الوقاية؟

* في بداية الخمسينات تم اكتشاف أول عقار لعلاج التخثر الوريدي الانسدادي، حين تم استخدام علاج يسمى (الهيبارين) المنخفض الوزن الجزيئي، إلا ان الاستخدام الطويل والدراسات المتعاقبة لهذا العقار اثبتت أنه كثير المضاعفات وليست هناك جدوى فعلية من استخدامه.

* لماذا؟

* لعدة اسباب يمكن ايجازها في اربع نقاط:

* أولا: نسبة معدل حدوث الجلطات باستخدام معظم الادوية المنتمية لمجموعة «الهيبارين» المنخفض الوزن الجزيئي لا تزال مرتفعة، حيث تتراوح بين 15 و30 في المائة مع المرضى الذين يعالجون بها.

ثانيا: يتم انتاج مجموعة «الهيبارين» من مستحضر حيواني يستخرج من امعاء الخنازير، وهذا ما قد يحمل بعض التساؤل عن مدى الأمان في استخدامه، الى جانب ما تمثله من شبهة شرعية للمسلمين كونه مستخلصاً من أمعاء الخنزير.

ثالثا: وهذا الاهم أن كل جرعة علاجية يختلف تركيبها الجزيئي عن الأخرى، وهذا يتطلب اخضاع المريض للمتابعة السريرية الدقيقة، علاوة على ان تأثير استخدام العقار لا يستهدف نواة المرض (المعامل العاشر)، مما يعرض المريض لمضاعفات ثانوية.

رابعا: يستخدم مع «الهيبارين» عقار آخر هو «الوارفارين» ويعاب على الأخير ان تكلفته المالية عالية جداً وتفوق قدرة الكثيرين.

* ألم يتوصل العلماء خلال هذه السنوات الى علاج بديل؟

* كانت هناك محاولات كثيرة، بعضها نجح إلى حد ما والآخر أخفق، ولكن أفضلها كان حين نجح العلماء في فصل الجزيء المعالج للمرض عن الآخر المسبب للمضاعفات الثانوية، ولكن كان يعاب على هذا العقار انه يستخرج ايضا من امعاء الخنازير، ولكن في السنوات الاخيرة نجحت شركة سانوفي سنتيلابو الفرنسية، في انتاج مجموعة دوائية جديدة مستقلة ومنفصلة من مضادات التجلط يمكن اعتبارها افضل علاج آمن لأمراض تجلط الدم.

* وكيف ذلك؟

* أولا تتميز هذه المجموعة بأنها تعتمد في عملها على آلية كيميائية فعالة، حيث تضم المادة الفعالة «الفوندابارين صوديوم»، التي تقلل من نسبة الاصابة بالجلطات، وما يزيد من أهميتها هو أنها عبارة عن مركب كيميائي 100 في المائة تم تركيبه بالكامل في المعمل باستخدام تقنيات صناعية عالية، تمثل آخر ما توصل اليه العلم في هذا المجال، حيث يحتاج انتاج جزيء واحد من المادة الفعالة الى أكثر من 50 خطوة معملية، تستغرق وقتا يتراوح بين 15 و18 شهرا، علاوة على ثبات تأثير الجرعة المقررة لثبات تركيبها الجزيئي.

* وهل هذه المجموعة العلاجية آمنة؟

* بالطبع، حيث ان برنامج الدراسات الاكلينيكية العالمي المخصص للمستحضر يعد أضخم برنامج من نوعه في تاريخ الابحاث الخاصة بالوقاية من الجلطات الدموية وآثارها بعد جراحات العظام، وهو يشمل 7 آلاف مريض من مختلف دول العالم، وقد ثبتت فعالية استخدامه على مجموعة كبيرة منهم، دون ان تسجل اي اعراض جانبية، كما يسجل للمركز انه صمم حقنة خاصة تستخدم في أخذ الجرعة المقررة، حيث انها تتلف تلقائيا بعد استخدامها لأول مرة. وتجري الشركة حاليا ابحاثاً متقدمة في مجال علاج الجلطات الوريدية سواء جلطات الاوردة العميقة، أو الجلطات الرئوية، الى جانب علاج جلطات الشرايين التاجية، مع امكانية اخذ العقار من دون الحاجة للاشراف الطبي.

* هل لنا ان نعرف ما هو هذا العقار؟ وهل يحظى باعتراف دولي؟

* لقد اختارت الشركة المنتجة للعقار اسم أريكسترا Arixtra ليكون الاسم التجاري له، وقد حازت هذه المجموعة موافقة الجهات الصحية الرقابية الدولية بالولايات المتحدة الاميركية (FDA) في أواخر العام الماضي، وكذلك في دول الاتحاد الأوروبي منذ نحو شهرين تقريبا (EMEA).

=