آثار تكشف عن أسرارها بعد إعادة بنائها في الواقع الافتراضي

النماذج الثلاثية الأبعاد تقلب مفاهيم علماء الآثار..لكن البعض يعتبر انها تشوه حقائق الماضي

TT

يعرف الكل أن المسرح الروماني يعتبر أعجوبة معمارية. ولقد بني لكي يتمكن الآلاف من الرواد من الدخول إليه والخروج منه بسهولة. فهو شاهد على عبقرية الهندسة الرومانية، أليس كذلك؟

وعن طريق إعادة تشييد مبنى المسرح من خلال نموذج ثلاثي الأبعاد باستخدام الكومبيوتر والدخول إليه بصورة افتراضية، اكتشف الباحثون أن المبنى في بعض أجزائه يحتوي على جميع مستلزمات الشقة العادية. كما كشف النموذج عن أروقة علوية معتمة وضيقة ربما كانت في السابق تعج بالمشاهدين الذين من المحتمل انهم كانوا يمضون ويسيرون ببطء. وقد أدى تشييد هذا النموذج الثلاثي الأبعاد إلى قلب بعض المفاهيم التي كانت راسخة لدى علماء الآثار رأسا على عقب. ولأنه بمقدور البرنامج الثلاثي الأبعاد أن يأخذ في الاعتبار مواد البناء والقوانين الفيزيائية، فقد مكن العلماء من معرفة تقنيات التشييد التي لا يتم الانتباه إليها عندما يستخدمون برنامجا ثنائي الأبعاد.

يقول دين ابرناثي، وهو طالب دكتوراه ساهم في إعادة تشييد المسرح في مختبر «الواقع الافتراضي الثقافي» في جامعة كاليفورنيا، «لدينا الآن وسيلة باستطاعتها فحص الافتراضات فعليا». ويضيف «إنها تجلب الكثير من المتعة في هذا الميدان». ويسعى المختبر المذكور إلى إنشاء نماذج لمواقع معمارية في أرجاء العالم. ومنذ عام 1996 بدأ المختبر العمل على مشروع يدعى «الولادة الثانية لروما» الذي يحاول إعادة بناء جوانب كثيرة من المدينة القديمة. وقام الباحثون في المختبر بإعادة صياغة المسرح الروماني باستخدام برنامج يدعى ملتيجن كرييتر، الأمر الذي مكن المستخدمين من التقاط صور مقربة للموقع أو الحصول على لقطة عريضة، أو حتى لقطات من الأعلى.

ويساعد برنامج البيانات، مثل «3 دي استوديو ماكس» و «لايت سكايب» اللذين يستخدمان في الاستوديوهات السينمائية، على إنتاج نسخ مطابقة للأصل وواقعية تكشف ألوانا واضحة ونقوشا معقدة للمباني. وتجدر الإشارة إلى أن المسرح الروماني، وهو ساحة عرض بيضاوية الشكل مكونة من أربعة طوابق، بني ما بين السنوات 70 إلى 80 ميلادية في عهد الامبراطور فيسباسيان، ومن ثم في عهد الامبراطور تيتوس. وكان يسع نحو خمسين ألفا من المتفرجين. لكن الزلازل وتقادم الأزمنة دمرت الكثير من أجزاء المبنى، وبقي جزء مهم ومؤثر يضم اغلب الواجهة الأمامية. وصادف ابرناثي مسألة أروقة الطابق الثالث عندما كان يشتغل على إعادة بناء المسرح بالطريقة الثلاثية الأبعاد. وقد أضيف نموذجه إلى اكتشافات فريق من الباحثين في مجال العمارة الرومانية جمعها مختبر جامعة كاليفورنيا الذي قام بإجراء أبحاث مماثلة ورسوم أخرى للمسرح بالإضافة إلى سجلات بناء المبنى وتوسيعه. كما فحص الفريق الأجزاء المتبقية من الأروقة العلوية التي كانت مجهولة بالنسبة للباحثين. إن نماذج إعادة تشييد المبنى هذه سببت تحديا للأفكار التقليدية حول مواقع أخرى أيضا.

ولقد افترضت نماذج مختبر جامعة كاليفورنيا أن مبنى مجلس الشيوخ الروماني كان لا يتلقى التهوية والإنارة بصورة كافية إضافة إلى رداءة الصوت داخله. كما أظهرت النماذج أسئلة جديدة حول معبد ساتورن (رمز الزراعة عند الرومان) الذي ربما يكون تصميمه قد تغير بعد قرون من بنائه.

وقد طورت الكليات الجامعية وسائل متقدمة لتعزيز تجربة التجوال داخل النماذج الثلاثية الأبعاد.

وقام البروفيسور صموئيل بايلي وزملاؤه بإنتاج نماذج افتراضية لعدة قصور آشورية في العراق القديم. ومن خلال التجوال في الجانب الشمالي الغربي من قصر اشور ناصر بال الثاني، لمح بايلي تماثيل مكونة من ثلاث أوراق نباتية قليلة البروز في صف واحد. وان من الممكن رؤية التماثيل، التي تصور طقسا يشترك فيه الملك والحاشية والرموز، كصورة منفصلة واحدة، ولكن فقط من موقع الملك على عتبة غرفة العرش كما أراد ذلك مصممو القصر.

وعندما وصف البروفيسور بايلي اكتشافه في محاضرة قال «كانت الغرفة تشي بصمت مطلق». وأضاف «اعتقد أن الناس أدركوا آنذاك أن تلك هي التقنية المفيدة التي تساعدهم على رؤية الأشياء بطريقة مختلفة».

ويقول دانالد ساندرز رئيس مواقع لورنينغ إن هناك اكثر من سبعين برنامجا جامعيا عبر البلاد تستخدم حاليا نماذج الواقع الافتراضي التي ينتجها الكومبيوتر مقارنة بمجموعة قليلة خلال السنوات الخمس الماضية. ويقول البروفيسور بايلي «هذا هو المستقبل». غير أن المستقبل ليس رخيصا، إذ كلف مشروع إعادة بناء المسرح الروماني باستخدام تقنية النموذج الثلاثي الأبعاد اكثر من 25 ألف دولار حسب أرقام قدمتها شركة مايكروسوفت للبرمجيات التي ضمت بيانات المسرح إلى برنامج «انكارتا 2002» التابع لها. كما ساعدت على تغطية بعض نفقات المشروع من خلال إبرام اتفاق رخصة مع الجامعة.

ويتردد بعض الباحثين في الاعتماد على تلك النماذج لأنها يمكن أن تشوه حقائق الماضي. ويقول الباحث كينيث كولسون إن الصور الافتراضية تؤدي إلى شعور خاطئ بالتكامل والنقاء. ويضيف «تلك الصور، خاصة الرائعة منها، تكشف الكثير من قيمنا وطموحاتنا الثقافية مثلما تكشف المباني القديمة».

* خدمة «نيويورك تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط» =