مرض «بايوض» الفطري الفتاك يأتي على ثلثي الواحات بالمغرب ويهدد الجزائر وموريتانيا

الجفاف زاد الوضع سوءاً وأثر على حجم الإنتاج

TT

للسنة الثانية على التوالي تسجل الواحات المغربية انتاجا منخفضا من التمور، الذي لن يتجاوز 74 الف طن حسب توقعات وزارة الزراعة، ورغم ان هذه التقديرات تقل بنحو 25 في المائة عن متوسط الطاقة الانتاجية المفترضة للمغرب، والمقدرة بنحو 100 الف طن سنويا، فانها تبدو جد متفائلة في نظر سكان الواحات بالنسبة للواقع الذي يعايشونه. فآثار الجفاف الذي توالى لسنوات متعددة في بعض المناطق تجاوزت التأثير السلبي على حجم الانتاج الى القضاء على اشجار النخيل التي ماتت من العطش، كما ان مرض «بايوض» الفطري الفتاك عرف ارتفاعا حادا في وتيرة انتشاره في السنوات الاخيرة مخلفا خسائر فادحة، حيث اتى على بساتين بكاملها من النخيل الممتاز. ونتيجة لذلك ارتفعت وتيرة الهجرة من الواحات بحثا عن امكنة ارحب للعيش، واصبحت هذه القلاع من الخضرة والحضارة التي صمدت لآلاف السنين وسط محيط قاحل اجرد، مهددة في استمرارها.

وبالرغم من ضآلة الانتاج المرتقب خلال الموسم الجاري فان ذلك لم يثن عزم ابناء الواحات الذين شدوا الرحال من كل المدن المغربية على عادتهم كل عام لحضور موسم الجني، وكما جرت العادة كل عام فان شهر اكتوبر (تشرين الاول) يمثل احدى فترات ارتفاع حركة المسافرين باتجاه جنوب المغرب، فلا شيء يعادل لدى المتحدرين من الواحات المغربية ذلك الشعور الذي ينتابهم وهم يكتشفون وراء منعطف قاحل تلك الباقة الخضراء من النخيل التي تهز رؤوسها وسعفها محيية تدعوهم الى كأس شاي تحت ظلالها الوارفة بعد مئات الكيلومترات من السفر وسط محيط قاحل وغير مضياف.

وتتميز الواحات المغربية عن مثيلاتها في الجزائر وتونس بكونها تنساب على جنبات الاودية المنحدرة من سفوح سلسلة جبال الاطلس في شكل اشرطة طويلة وملتوية مخترقة الصحراء (كير، زيز، غريس، تودغة، درعة وغيرها من الوديان) كما توجد بعض مغروسات النخيل حول العيون والخطارات، وهي نظم ري عتيقة وتقليدية لاستغلال المياه الجوفية، غير انها قليلة الاهمية بالنظر الى سهول الاودية وارض الفيض التابعة لها.

وتوفر الاودية مياه الري للواحات، ولو بطريقة غير منتظمة، فاذا كانت الواحات الواقعة في اعالي الوديان تتوفر على المياه بصورة شبه دائمة، فان الواحات الواقعة في اسفل الوادي تعتمد اساسا على الفيضانات الموسمية، ويعتبر الموسم جيدا في هذه الواحات اذا مافاضت الوديان ثلاث مرات ما بين اكتوبر (تشرين الاول) ومايو (ايار). اما في الواحات العلوية او التي تتوفر على ينابيع وعيون، فبالرغم من توفر مياه الري فانها لا توجه للنخيل مباشرة، فالنخيل يسقى بصورة غير مباشرة عندما تسقى الزراعات البينية (الحناء والدرة والخضروات..) وهذا يعكس العقلية السائدة في التعامل مع النخيل بمنطق الالتقاط وليس بعقلية المزارع، الشيء الذي يفسر كون الاساليب الفلاحية والتقنيات المستخدمة تقليدية ولم تدخل عليها سوى تغييرات طفيفة على مر مئات السنين.

كان يحتل المرتبة الثالثة ومنذ اقل من قرن كان المغرب يحتل الرتبة الثالثة على الصعيد العالمي من حيث عدد اشجار النخيل بنحو 12 مليون نخلة، اما اليوم فلا يتجاوز عدد هذه الاشجار 4.5 مليون نخلة، وتقلصت المساحات التي يغطيها النخيل باكثر من الثلثين، كما تقلصت كثافة الواحات، ويعود هذا التراجع الى اسباب متعددة، اهمها انتشار مرض «بايوض» الفطري الذي تقدر الخسائر الناتجة عنه بنحو 7 ملايين نخلة، وكذلك الجفاف الذي قتل خلال عقد الثمانينات وحده نحو 500 ألف نخلة حسب تقديرات وزارة الزراعة، بالاضافة الى زحف الرمال والهجرة نحو الشمال التي سرقت من الواحات السواعد الضرورية للعناية بها، وادت التحولات الاجتماعية، خصوصا الهجرة، الى تقلص الاعتماد على النخيل كمورد للعيش وتقلص الاهتمام به أو تجديد المغروسات التي اصابتها الشيخوخة، والتي ماتت من جراء المرض او الجفاف.

وتتمركز الواحات المغربية في ثلاث مناطق حول سلسلة جبال الاطلس الكبير، غير ان 90 في المائة من اعداد النخيل توجد في السفوح الجنوبية لهذه الجبال وتمتد باتجاه الصحراء، واهمها واحات ورزازات والراشدية (180000 الف نخلة) وتافيلالت (1250000 نخلة)، وطاطا (870000 نخلة)، وفي شرق الاطلس الكبير توجد واحة فجيج التي تضم نحو 126000 نخلة، اما في شمال جبال الاطلس الكبير فتوجد نحو 100000 نخلة في واحة مراكش التي تعتبر مركزا سياحيا اكثر مما هي مركز لانتاج التمور.

وتتميز الواحات المغربية كذلك بالتعدد الكبير لاصناف النخيل التي تضمها، مع غلبة صنف «ساير» او «الخلط»، وهو مجموعة من الانواع غير المصنفة، وحسب الجودة فان الواحات المغربية تتكون بنسبة 25 في المائة من الاصناف الممتازة، وأهمها المجهول ذو الصيت العالمي وبوفقوس واكليد واعزيزة وبوزيد وبزكري والانواع الممتازة من ساير.

وتمثل الاصناف المتوسطة الجودة 40 في المائة من اجمالي النخيل، وتتكون من اصناف الجيهل وبورار ورأس الحمار وبوسردون وبوواطوب والانواع المتوسطة من الخلط. اما الاصناف ذات الجودة الضعيفة فأهمها بوسليخن ويوستحمي وإكلان واحرادان وباقي انواع ساير، وتوجه بالخصوص الى الاستهلاك المحلي بينما تستعمل الانواع الدنيا من ساير كعلف للماشية.

ويرتقب ان تباع التمور هذه السنة باسعار جد مجزية وذلك نظرا لضعف الانتاج من جهة ولكون موسم الجنى يصادف فترة ارتفاع الطلب على التمور في رمضان، كما يرتقب ان يتم استيراد ما بين 2000 و3000 طن من التمور خصوصا من تونس والجزائر لاستكمال الحاجيات المغربية. ويعتبر رمضان والمناسبات الدينية عموما، خصوصا عاشوراء ومناسبة المولد، فترات ارتفاع استهلاك التمور والفواكه الجافة بالمغرب.

مرض خطير ويعتبر «بايوض» اكبر خطر يتهدد مستقبل الواحات المغربية حيث تقدر ضحاياه بنحو 7 ملايين نخلة في المغرب ونحو 3 ملايين نخلة في الجزائر وبدأ يظهر اخيراً في موريتانيا. ويعود ظهور هذا المرض الى بداية القرن العشرين، وبدأ الاهتمام العلمي به في عام 1920 بعد الخسائر الفادحة التي سببها في واحتي فجيج ودرعة، وتم التعرف على الفطر المسبب في المرض في عام 1934، وهو من صنف «فوزاريوم البيد ينيس»، ويدخل الى سيقان النخيل من عروقها مع مياه السقي، ويتكاثر في اوعيتها مما يؤدي الى خنقها وجفاف تيجان السعف ثم موت النخلة. وتتراوح المدة ما بين اصابة النخلة وظهور الاعراض الاولى وموتها بين 6 اشهر و6 سنوات او اكثر.

ومنذ التعرف على الفطر المسبب للمرض توالت الابحاث بهدف مكافحته والحد من انتشاره من دون جدوى، فلم تلفح المكافحة الكيماوية في ايقاف زحفه ولا تجارب التلقيح التي قادها المغرب خلال عقد السبعينات، فاتجهت الدراسات الى البحث عن الاصناف ذات المقاومة الطبيعية لبايوض واكثارها عن طريق الفسائل خلال مرحلة اولى وعن طريق الزراعة النسيجية منذ عام 1998.

وتدخل هذه الابحاث في اطار الشبكة العربية لبحوث وتطوير النخيل، التي تضم 11 بلدا عربيا هي المغرب وموريتانيا والجزائر وتونس وليبيا ومصر والسعودية والامارات والسودان وعمان وسورية، وتتمحور انشطة هذه الشبكة حول خمسة محاور في خمسة بلدان عربية وهي: تحسين الاصناف واكثارها نسيجيا بالمغرب، وبرنامج المكافحة المتكاملة للآفات بالسعودية، وتحسين تقنيات الانتاج في مصر، وتقنيات ما بعد الجني في الامارات، ومركز الدراسات الاقتصادية والاجتماعية في سورية، ويتم تنفيذ هذه البرامج تحت اشراف مركز الجامعة العربية للزراعة في المناطق القاحلة.

=