روبوت مجهز بخمس كاميرات صغيرة وأجهزة تعمل بالموجات فوق الصوتية لكشف أسرار الأهرام

الدكتور زاهي حواس رئيس هيئة الآثار المصرية: لا نعرف ما وراء الأحجار أو تحت الرمال من اسرار

TT

يتوقع أن يكشف هرم خوفو، اكبر الاهرامات الثلاثة التي تنتصب فوق هضبة الجيزة منذ 4500 سنة، عن اسرار جديدة غد بمساعدة روبوت استخدم مثيلاً له في البحث عن احياء بين ركام برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك بعد تعرضهما للهجمات الارهابية في 11 سبتمبر (ايلول) الماضي. وسيتابع مشاهدو التلفزيون في العالم رحلة الروبوت الصغير واسمه «بيراميد روفر» في الممر الضيق بغرفة دفن الملكة بهرم خوفو التي لم تكشف عن اسرارها بعد.

ويبدو ان رمال مصر ما زالت تبوح يوميا بالعديد من الأسرار من خلال الاكتشافات الجديدة التي تظهر في دلتا وصعيد مصر وصحرائها الغربية والشرقية التي مازالت مليئة بالكنوز التي لم تكتشف بعد، ومنها اكتشافات الواحات البحرية، وما ظهر بها من مومياوات ذهبية هزت العام كله. او كما يقول الدكتور زاهي حواس الامين العام للمجلس الاعلى للاثار: «لا نعرف ما وراء الاحجار من اسرار ». وسيتولى علماء الجمعية الجغرافية الاميركية «تنفيذ المشروع الذي تذيعه مباشرة على الهواء في قناتها التلفزيونية، تحت اشراف الدكتور زاهي حواس أمين عام الآثار المصرية ومارك لينر مدير مشروع المسح الاثري لهضبة الجيزة.

واضاف حواس في اتصال هاتفي اجرته معه «الشرق الأوسط» ان عملية كشف اسرار الهرم الاكبر عبر الفجوة الضيقة سيجري تحت رعاية الجمعية الجغرافية الاميركية وبالتعاون مع المجلس الاعلى للاثار المصرية يوم 17 سبتمبر الجاري. وتطرق الى محاولة جرت من قبل من جانب المعهد الالماني للاثار بالقاهرة عام 1993 لكشف الفتحة الجنوبية بغرفة دفن الملكة بهرم خوفو ومساحتها 20 سم طولا ومثلها عرضا. وقال ان الروبوت الجديد سيقدم رؤية واضحة لما خلف الباب الحجري الذي يعترض الفجوة الضيقة. وحسب حواس فان الروبوت الصغير يقل في عرضه وارتفاعه عن طول اصبع اليد ولا يزيد طوله عن قدم، لكنه يحمل اجهزة تستخدم الموجات فوق الصوتية التي تستطيع النفاذ الى عمق متر داخل الصخر واعطاء خريطة مفصلة لدرجة كثافة الحجارة واذا تبين وجود تكوين معماري او غرفة سرية، سيرسل الروبوت كاميرا صغيرة من بين شقوق الحاجز، لتصويرها.

واوضح انه عن طريق كاميرا صغيرة يمكن ان تنفذ من اسفل الباب الحجري المثبت عليه قضيبان معدنيان يمكن ان تكشف لنا ماوراء هذا الباب منذ 4500 عام. واعرب عن اعتقاده بعدم وجود شيء او غرف اخرى تحوي اثارا مهمة، الا انه قال: «لا نعرف ما وراء الاحجار او تحت الرمال من اسرار ».

واعتبر الرئيس العام لهيئة الاثار المصرية الذي كلف لسنوات طويلة بالاشراف على اهرامات الجيزة احدى عجائب الدنيا السبع قبل انتقاله الى موقعه الجديد ان روبوت «بيراميد روفر» سيقدم محاولة جديدة لسبر هذا الغموض الجديد للهرم الاكبر وكشف الخدع العديدة التي وضعها مهندسو مصر الفرعونية لابعاد لصوص المقابر.

وكان العالم البريطاني واينمان ديكسون اول من اكتشف الممرين الضيقين في الجهتين الجنوبية والشمالية من غرفة الملكة عام 1872، وبعد ذلك بـ120 عاما نجح المهندس الالماني رودلف جاتنبرج عام 1993 في استخدام روبوت مزود بكاميرا فيديو لمحاولة الكشف عن اسرار الممرين الضيقين، الا ان الروبوت لم يستطع الالتفاف، غير انه صور بابا حجريا في نهاية الممر علقت به قطعتان معدنيتان.

وقال الباحث الاثري احمد عثمان في اتصال هاتفي اجرته معه «الشرق الأوسط» ان الباب الحجري في نهاية الفجوة يقف قبل السطح الخارجي للهرم بنحو 15 مترا، ولا بد ان تكون هناك بقايا اثرية قديمة نجت من لصوص المقابر، ولم يسرقها ايضا لصوص العصر الحديث. واضاف ان اي شيء سيكتشف سيكون مثيرا للاهتمام، لانه سيلقي الضوء على الكثير من اسرار تعود لـ4500 سنة. وقال «الكل يعلم ان هرم خوفو يحتوي على حجرات اخرى لكن احدا لم ينجح حتى الآن في تحديد مواقعها. واذا كانت هناك مقبرة داخل الهرم فانه يتعين معرفة مدخلها بالتحديد». ويأمل علماء المصريات حول العالم ان تؤدي الفجوات غير المكتشفة الى مقابر، او حجرة سلمت حتى الآن من السرقة. ويعتقد الكثير من علماء المصريات ان هرم خوفو يحتوي على حجرات اخرى، لكن احدا لم ينجح حتى الان في تحديد مواقعها. واذا كانت هناك مقبرة داخل الهرم فانه يتعين معرفة مدخلها بالتحديد وسيستخدم الروبوت الجديد الموجات فوق الصوتية لتحديد اي فجوات موجودة بعد نهاية الممر الضيق. واستخدم المصريون القدماء نظام تمويه فريد في تاريخ الاثار المصرية، لاخفاء الكنوز الاثرية لان معظمها لم يسلم من النهب المنظم خلال فترات الضعف والاضمحلال في التاريخ المصري القديم، ولم يتم العثور على مقبرة ملكية الا مقبرة الملك توت عنخ امون من الدولة الحديثة، على يد عالم الآثار هوارد كارتر وصديقه اللورد كارنافون عام .1922 وتوت عنخ امون حكم مصر في سن الثانية عشرة من العمر وتوفي في سن الثامنة عشرة، في حدود عام 1340 قبل الميلاد.

وصمم الروبوت الذي اطلق عليه اسم «بيراميد روفر» باحثون من معهد مساتشوسيتس للتكنولوجيا، وهو يشبه «دبابة» وطوله 30 سم وعرضه 12 سم، لكن ارتفاعه يتراوح بين 11 سم و28 سم، ويتحرك ملاصقا لأرض وسقف الممر الضيق، كما انه مزود بكشافات ضوئية وخمس كاميرات صغيرة.

وهناك اكثر من نظرية تدور بين علماء المصريات تتعلق بالفجوات، منها نظرية تقول انها فجوات هوائية لتجديد الهواء في غرفتي الدفن داخل هرم خوفو، ورأي آخر يقول انها تتعلق بالطقوس الجنائزية، اذ يعتقد انها تسمح لروحي الملك والملكة بالخروج الى العالم الآخر.

ويحتوي الهرم الاكبر على غرفتين في وسطه على مستويين مختلفين، العلوية تسمى «غرفة الملك» والاخرى تعرف باسم «غرفة الملكة»، يمكن الوصول اليهما عن طريق ممرات صاعدة. وقد عثر بكل غرفة منهما على فتحتين صغيرتين في الحائط تؤدي كل منهما الى ممر يصعد بشكل مائل الى الخارج، وبينما ينتهي الممران الموجودان في «غرفة الملك» الى السطح الخارجي للهرم في اتجاه الشمال والجنوب، فإن الممرين الموجودين في «غرفة الملكة» ينتهي احدهما في وسط الهرم ولا يصل الآخر حتى سطحه الخارجي، بل يتوقف قبل حوالي 15 مترا من النهاية ويعتقد بعض الاثريين ان هذه المسافة ربما تحتوي على غرفة سرية لم يكشف عنها بعد داخل الهرم، بينما يأمل بعض الروحانيين وهواة الخيال العلمي العثور على رواق السجلات الذي يحتوي على اسرار حضارة اتلانتس الضائعة.

وكان المهندس المصري الدكتور خليل مسيحة قد اجرى منذ حوالي خمس عشرة سنة، عمليات جس بالراديو داخل الهرم الاكبر، وتبين له وجود فراغات هندسية اسفل الركن الشمالي الغربي لـ«غرفة الملكة» واستنتج مسيحة من ذلك وجود غرفة ما زالت مجهولة داخل الهرم، قد يكون بها برديات او مومياوات.

ولا يعرف احد وظيفة هذه الممرات بالضبط او لماذا بنيت، فليس من المحتمل ان تكون للتهوية، ذلك انها كلها مسدودة عند نهايتهاولما كانت هذه الممرات تنتهي في احد الجوانب في اتجاه نجمة الشعرى اليمانية Sirius ومجموعة الجوزاء Gemini ذهب بعض الباحثين الى ان لها علاقة بحركة النجوم في السماء ويعتقد البعض انها كانت بمثابة طرق تصعد خلالها روح الملك بعد دفنه، لتعيش مع الملائكة في هذه النجوم.

وكان العالمان الاثريان الفرنسيان جاك باردو وفرانسين درامون اجريا عدة دراسات منذ ثلاثة اعوام على وسائل اكتشاف جديدة لمحاولة سبر غموض الهرم الاكبر وكشف الخدع العديدة التي وضعها مهندسو مصر الفرعونية لابعاد لصوص المقابر. وقد اتاحت جميع هذه الاكتشافات التحقق من الوصلات الحقيقية لاحجار الممرات ومن ثم تحديد موقع احجار مستخدمة في اغلاق مداخل حجرات او ممرات.

ومن المؤشرات الاضافية ما اكتشفه الاثريان على احدى الاحجار من علامة مهمة هي عبارة عن نقش هيروغليفي صغير يحدد موقع هذا الحجر نسي العامل القديم على الارجح ازالته. وتوجد هذه العلامة على الحجر الذي يسد ما يحتمل ان يكون ممر خروج الكهنة والعمال الذين نفذوا اخر مرحلة من مراحل اغلاق المقبرة.

ويدل بناء الاهرام ـ خاصة الهرم الأكبر ـ على معرفة متقدمة بالرياضيات والعلوم الهندسية، ليس هذا فحسب، بل ان موضع هرم خوفو وابعاده تشير الى معرفة عظيمة بمركز الكرة الارضية نفسها، حيث تواجه جوانبه الاربعة الاتجاهات الاصلية بدقة في الشمال والجنوب والشرق والغرب، كما يدل التصميم الهندسي لهذا الهرم على معرفة بالانقلابات الشمسية التي تؤدي الى تغير المواسم الطقسية من صيف وشتاء وخريف وربيع. وكان المصريون قد لجأوا للشكل الهرمي بداية في الحجر المقدس الذي وضعوه في قدس الاقداس بمعبد رع في عين شمس، واطلقوا عليه اسم «بن بن» لهذا سمي الهرم في اللغة المصرية القديمة «مر بن بن» وجرى بناء الاهرام في ايام الدولة القديمة منذ عصر الاسرة الثالثة وحتى نهاية هذه الدولة مع سقوط الاسرة السادسة. ورغم ان الاهرام كانت بمثابة مكان لدفن الملوك، الا انها كانت تعتبر كذلك من اماكن العبادة، اذ ساد الاعتقاد بأن الملك يمثل المعبود حورس على الارض ـ الذي كان يرمز له بالصقر ـ ويصبح ممثلا لاوزوريس اله الموتى بعد وفاته ودفنه.

ودقة اتجاه الأهرامات المصرية نحو الشمال ما زالت تحير العلماء، فالأهرامات الكائنة بمحافظة الجيزة في مصر تتجه شمالاً بدقة متناهية ويستبعد العلماء أن يكون الفراعنة بناة الأهرامات قد لجأوا للشمس في تحديد هذا الاتجاه نظراً لأن الحسابات الشمسية لا يمكن أن تؤدي إلى هذه الدقة.

ووصل كمال تصميم الهرم وتقنية تشييده ذروته ايام حكم خوفو قبل 4500 عام فوق هضبة الجيزة التي ترتفع حوالي خمسين مترا عن سطح الوادي، بمحاذاة مدينة القاهرة. وقد وجد اسم خوفو مسجلا داخل الخرطوش الملكي، في بعض مقابر النبلاء والمعلومات المتوفرة عن خوفو نفسه ضئيلة جدا، ومما هو معروف انه كان ابنا لسنفرو ولا بد انه كان في منتصف العمر حين ارتقى العرش بعد موت والده. وبينما اعطاه المؤرخ مانيتون 66 سنة، فإن قائمة تورينو حددت سنوات حكمه بثلاث وعشرين سنة فقط ولكن هذا لم يؤثر في تصميم اهم بناء معماري شيد في عصره، فهرم خوفو في الجيزة هو اكبر الاهرام بمصر. اذ انه يرتفع اعلى من اي بناء بناه الانسان قبل القرن العشرين. وجرى تغيير التصميم الهندسي اثناء عملية البناء، فلم يحدث في الاهرام السابقة ان وضعت غرفة الملك في مركز الهرم حيث كانت توجد دائما تحت الارض اسفل البناء.