العلماء يتساءلون عن أسباب ظهور الموجة الجديدة من الأمراض التي تصيب الإنسان

الحروب والنمو السكاني والهجرة وتغَير طبيعة الأرض وبيئتها مع ظاهرة التسخين الحراري سببت انعكاسات كثيرة

TT

في الوقت الذي تواجه أميركا فيه أكبر انتشار لفيروس النيل الغربي الذي أصاب حوالي 251 شخصا هذه السنة ويتوقع أن يصيب حوالي 1000 شخص قبل نهاية العام الحالي لا بد من طرح الأسئلة التالية: لماذا هنا؟ ولماذا الآن؟ إذ حتى عام 1999 لم يظهر هذا المرض في شمال أميركا.

ولا يعرف أحد كيف أتى هذا الفيروس للولايات المتحدة، ولكنه استقر، وبحلول عام 2001 كان قد أصاب 29 نوعا من البعوض ومائة نوع من الطيور ومائة نوع من الثدييات، بما فيها الإنسان. وقد انتشر الآن إلى 36 ولاية وفي مقاطعة كولومبيا في العاصمة واشنطن.

يقول العلماء إن فيروس النيل الغربي قد يكون مثالا واحدا عن مرض معد توسع نطاقه الجغرافي وازداد ظهوره بسبب النشاط الإنساني الذي يؤثر على البعوض والطيور والقوارض وغيرها من الحيوانات التي قد تساعد في نشر المرض.

ومنذ منتصف السبعينات عندما ساد الافتراض أن معظم الأمراض المعدية قد أزيلت أو على الأقل كانت تحت زمام السيطرة ظهرت مجموعة من الأمراض غير المعروفة مسبقا بما فيها داء لايم والإيدز ومرض جنون البقر وفيروس الإيبولا ومرض الفيالق وغيرها. وبالإضافة الى ذلك أخذت أمراض قديمة مثل الحمى الصفراء والملاريا وحمى الضنك تظهر في مسقط رأسها وتنتشر الى مناطق جديدة. وأصبحت بعض الميكروبات مثل تلك التي تسبب مرض السل والملاريا وتسمم الطعام تبدي مقاومة للأدوية بشكل خطير.

* أمراض معدية

* وفي تقرير عام 2000 عرفت منظمة الصحة العالمية حوالي ستة عوامل قد تؤثر على توزع وظهور الأمراض المعدية. وتضمنت هذه العوامل على التغيرات البيئية مثل التسخين العالمي والتغيرات في استخدام الأرض، وعوامل إنسانية ايضا مثل نمو السكان والهجرة والحرب والسلوك الجنسي وحقن المخدرات بالشرايين والنمو السكاني والسفر الدولي والتجارة، وعوامل تكنولوجية وصناعية كذلك مثل معالجة الطعام والماشية ومعالجة زرع الأعضاء، وتغيرات ميكروبية مثل نمو المقاومة للمضادات الحيوية وانهيار أنظمة الصحة العامة مثل النظافة والتطعيم وسيطرة الحشرات. ويقول العلماء انه في حالة فيروس النيل الغربي فإن التسخين العالمي الناتج عن ارتفاع مستويات الغازات الحاجزة للحرارة قد يكون السبب وراء شتاء دافئ وصيف جاف الذي يساعد على نشر الفيروس.

يقول الدكتور بول إبستين وهو المدير الزميل لمركز الصحة والبيئة العالمية في كلية هارفارد للطب أن نتائج التسخين العالمي الهامة هي زيادة في الأحداث الجوية المتطرفة مثل جفاف يتبعه مطر غزير. ويقول أن الجفاف يساعد نوعا من البعوض الذي له دور رئيسي في نشر فيروس النيل الغربي. وأضاف أن الجفاف قد يقتل حشرات اليعسوب والسرمان والحيوانات البرمائية التي تقتل البعوض. ويمكن أن الجفاف هذا يساعد ايضا في نشر العدوى بجذب الطيور العطشى لبرك الماء التي تتكاثر حولها البعوض. ويقول إن الطقس الدافئ يعجل في نمو الممرضات داخل البعوض.

ولكن المناخ ليس العامل الوحيد. وكما يجري تحول الطبيعة وتدمير مساكن الحيوانات تستولي الحيوانات الانتهازية مثل الجرذان والغربان على المنطقة. وتزدهر هذه الحيوانات الانتهازية بالقرب من المناطق النامية، وتستطيع أن تأكل أي شيء حي. وإذا كانت هذه الحيوانات مثل الغربان قادرة على نقل المرض من خلال البعوض للإنسان فإنها تصبح عاملا هاما في الانتشار.

* التسخين العالمي

* ووصف الدكتور إبستين سلسلة أحداث شبيهة لداء لايم الذي يصيب الإنسان بواسطة حشرات القراد التي تتغذى على الغزلان والفئران ذات القدم البيضاء. والعوامل التي ساعدت على ظهور داء لايم تضمنت النشاطات الإنسانية الاجتماعية التي تقربنا من الغابات، مثل السكن بالضواحي ووجود عدد قليل من الغزلان، ولكن مقابل عدد قليا من الحيوانات المفترسة. وأضاف أن التسخين العالمي ساهم في انتقال حشرات القراد شمالا.

ويعتقد على نطاق عالمي أن التسخين العالمي يساهم في انتشار الملاريا وحمى الضنك التي يحمل كلاهما البعوض لارتفاعات عالية في كل من أفريقيا وأميركا الوسطى والجنوبية حيث لم يظهر هذا المرض هناك من قبل.

والابتعاثات البطيئة للغازات الحاجزة للحرارة قد تساعد في دحض نزعة السخونة على المدى الطويل، لكن النظام المناخي سيحتاج لعقود حتى يستجيب. ويقول العديد من العلماء أنه من المهم جدا أن نتوخى الحذر عند تناول المضادات الحيوية لإبطاء نمو مقاومة البكتيريا لها. ويقولون أيضا انه من الضروري أن نراقب أنماط الجو والسكان والحشرات والطيور والقوارض لنترقب انتشار الأمراض ووقفه. وعلى الدول أن تتهيأ لانتشار أمراض ذات أعراض جديدة.

ومن الأمراض المشخصة حديثا وأكثرها خطورة هو التهاب بالدماغ الذي يسببه فيروس «نيباه» الذي ظهر فجأة في مزارع الخنازير في ماليزيا في عام 1998 وقتل أكثر من مائة شخص. ولوقف المرض قتلت السلطات الماليزية حوالي مليون خنزير في عام 1999 ،وسدد هذا القتل ضربة قاصمة لصناعة تربية الخنازير في ماليزيا التي تدر حوالي 400 مليون دولار سنويا. ومبدئيا لم يعرف العلماء أين بدأ الفيروس، ولكن في عام 2000 اكتشف علماء في ماليزيا أن وطواط الفاكهة هو الحامل لها، لكن يعتقدون أن الوطواط، الذي أرغم على الطرد من غابات المطر بسبب عمليات التحطيب وحرائق الغابات وانجذب لمزارع الخنازير حيث نقل الفيروس لها التي بدورها نقلت العدوى للإنسان.

وفي عام 1997 في هونغ كونغ انتقل شكل من فيروس الأنفلونزا من الدجاج للإنسان. وهذه هي المرة الاولى التي ينتقل مثل هذا الفيروس مباشرة دون أن يمر من خلال الخنزير. وتم ذبح أكثر من مليون دجاجة، ولكن لم يكتشف العلماء مصدر هذا المرض، أو حددوا ما مكن الفيروس من الانتقال للإنسان.

ويعتقد أن النشاط الإنساني لعب دورا رئيسيا في ظهور مرض الإيدز. وبين البحث أن الفيروس كان أصلا فيروس في الشمبانزي فيروسا فقدان المناعة القردي ـ ويعتقد العلماء انه انتقل لهؤلاء الذين تعرضوا لدم مصاب، بينما كانوا يصطادون الشمبانزي لبيع لحمه في الأسواق.

ويقول بعض العلماء الآن إنهم يخشون أن فيروسا مشابها قد انتقل للإنسان. وسيكون هذا الانتقال كارثيا مؤديا لمرض معد جدا قد لا يظهر في فحوص الدم الحالية. وينبع خوف العلماء من التوسع الضخم في أفريقيا في تجارة لحوم الغاب التي نمت جزئيا بسبب قيام التحطيب بفتح مناطق نائية للصيد، فضلا عن شحن جثث الحيوانات.

واكتشف العلماء أن معدلات مرتفعة من عدوى فيروس فقدان المناعة القردي في لحوم الرئيسيات التي تباع في أسواق لحوم الغاب في الكاميرون. وفي شهر مايو (أيار) بلغ فريق من الولايات المتحدة والكاميرون وفرنسا وبلجيكا أن الأعضاء فحصوا أكثر من 700 جثة قرد ووجدوا الفيروس في حوالي 20 بالمائة منها. ويعرف الآن أن أكثر من 30 نوعا من القردة تحمل شكلا من فيروس فقدان المناعة الإنسانية.

وتقول الدكتورة بيترس هان وهي أستاذة طب في جامعة آلاباما في الولايات المتحدة وعضو بالفريق أنه كانت هناك ثلاث مفاجآت، وهي معدل العدوى واختلاف الفيروسات ومقدار صيد لحم الغاب. وهذا يبين لأول مرة أنه لا يوجد شك في أن الإنسان معرض بشكل منتظم لنطاق واسع من الفيروسات جراء هذا النشاط، مما يعني الشك في أن بعض الفيروسات قد انتقلت ربما الى ألإنسان.

* خدمة «نيويورك تايمز» ـ خاص بـ «الشرق الأوسط»