مركز أميركي متقدم لدراسة البروتينات الحية

تشرف عليه تسع مؤسسات للأبحاث في نيويورك وسوف يحول المدينة إلى قبلة التقنيات الحيوية * أجهزة متطورة تفحص البروتين في شكله المحلول والطبيعي خلال أيام بدلا من أشهر

TT

* يمكنها أيضا تحليل تركيب البروتينيات الناقصة والنشوية التي تتراكم في خلايا دماغ المصابين بمرض الزهايمر.

* يفتح مركز البيولوجيا الهيكلية في نيويورك ابوابه هذا الاسبوع. ويقول العلماء إن هذا المركز سيكون الأكبر بالعالم للتعمق في دراسة البروتينات بالإضافة لمركز مشابه في اليابان.

في حرم جامعة نيويورك ترى ثلاثة أبراج في قاعة رياضية، تشبه ثلاثة صواريخ تتهيأ للانطلاق. وتحتها توجد أسطوانات أسمنتية مثبتة بالأرض لمنع محتويات الأبراج من الاهتزازات التي تسببها القطارات التي تمر تحت المبنى. ووضع حولها على الأرض خط مدهون باللون الأحمر يحذر الجميع من عدم الاقتراب نظرا لوجود مجال مغناطيسي قوي، سيحرك أي أجسام معدنية موجودة في ثيابهم.

تعتبر الأبراج الثلاثة هذه محور مركز البيولوجيا الهيكلية في نيويورك. وهي تضم أحدث الأجهزة لدراسة الهياكل الثلاثية الأبعاد للبروتينات وهي عملية أصبحت مهمة بعد فك شفرة الاطلس الوراثي الإنساني. وتكلف هذه الأجهزة مليوني دولار لكل جهاز.

* مركز رائد

* وولد مشروع انشاء هذا المركز بعد ثورة كبرى في التفكير، وهو حصيلة قرار اتخذته تسع جامعات ومستشفيات للابحاث في نيويورك، للتعاون في شراء الأجهزة للاستخدام المشترك بدلا من التنافس في ما بينها للحصول على التمويل الحكومي.

ويقول الدكتور ريتشارد ريفكن الذي شغل في حينه منصب رئيس مركز سلوان ـ كترينج التذكاري للسرطان، انه كان بحاجة لأجهزة جديدة ولكن ينقصه المال والمكان لوضعها. ثم قدم أحد عمداء الجامعات في اجتماع اقتراحا بتوحيد مواردها. وكان التحدي الفعلي هو جعل الجامعات تتخذ الخطوات الضرورية والتوقف عن التنافس ضد بعضها.

ودعمت هذه الفكرة «نيويورك بارتنرشيب» وهي مجموعة من رجال الأعمال تهدف لتصحيح ظاهرة غريبة تتمثل في عدم جاذبية نيويورك لشركات التقنيات الحيوية، رغم ان نيويورك تضم تجمعا غنيا من معاهد البحث الحيوي وعددا من شركات الصيدلة في منطقة نيوجرسي، فانها لم تصبح جذابة في التقنيات الحيوية مثل مدن سان فرانسيسكو وبوسطن.

واعتبرت المجموعة مركز البيولوجيا الهيكلية عنصرا مفيدا في مخططها للتقنيات الحيوية. وقامت إحدى الموظفات في المجموعة وهي ويلا أبيل بافتتاح مكتب لمشروع المركز وأصبحت مديرة العمليات الرئيسية. وبفضل جهودها قامت ثمانية معاهد في نيويورك بالتبرع بمبلغ 9 ملايين دولار من أموالها وقامت جامعة نيويورك بالتبرع لانشاء الموقع على حرم المدينة. وبدأت ويلا أبيل تسعى للحصول على تمويل من مصادر خارجية في واشنطن وألباني. وفجأة أخذت الأموال تتدفق إذ استطاعت أن تجمع حوالي 32 مليون دولار من مصادر فيدرالية وحكومية. والأجهزة التي في المركز هي اجهزة تحليل الطيف بالرنين المغناطيسي النووي، وتدعم هذه الاجهزة، بالمقاييس الذرية، عملية التعرف على التركيب الهيكلي لجزيئات البروتينات التي تتم عادة بواسطة دراسة البلورات بالاشعة السينية. ومازلت طريقة الدراسة بالاشعة السينية تعطي أدق صورة، ولكنها تحلل فقط بروتينات تكونت من بلورات. ولا تكون كل البروتينات بلورات. كما ان الطريقة تصور هيكل البروتينات ذات الشكل الصلب فقط، بينما توجد البروتينات في الخلايا بشكل محلول في سائل الخلية الداخلي. وتعمل أجهزة تحليل الطيف بالرنين المغناطيسي النووي على مبدأ مختلف، يمكنها من فحص البروتين في شكله المحلول والطبيعي. ويمكنها أيضا أن تحلل تركيب الجزيئات غير المنتظمة مثل البروتينات الناقصة والبروتينات النشوية التي تتراكم في خلايا دماغ المصابين بمرض الزهايمر.

وتقوم أجهزة مقياس الطيف بالرنين المغناطيسي النووي بضرب البروتين في مجال مغناطيسي قوي، ثم تسلط على الذرات موجات راديوية، وتقاس حركات الذرات المتهيجة الاهتزازية لدى اصطفافها مجددا مع خطوط المجال المغناطيسي. وتقاس قدرات هذه الأجهزة بتردد الموجات الراديوية المستخدم المسلطة على البروتينات المستهدفة. وتعمل الأجهزة العادية المتوفرة بالمختبرات حاليا لدراسة الفانيلا بموجات ترددها 600 ميغاهيرتز أما الأجهزة الجديدة فتعمل بموجات ترددها 800 ميغاهيرتز.

وكانت نيويورك على وشك أن تخسر علماء البيولوجيا الهيكلية لولاية كاليفورنيا لأنهم اضطروا أن ينتظروا وقتا طويلا لاستخدام الأجهزة الجديدة في مختبرات أخرى. أما الآن فيحتوي المركز على أجهزة جديدة اثنان يعملان بموجات ترددها 800 ميغاهيرتز وواحد يعمل على 750 ميغاهيرتز. ويبنى المركز الآن مغناطيسا لجهاز يعمل على 900 ميغاهيرتز وسيكلف 5 ملايين دولار.

والفرق العملي بين الأجهزة الجديدة والقديمة يعتبر شاسعا. وقد تتطلب أجهزة 600 ميغاهيرتز حوالي 30 يوما لتحديد تركيب البروتين الذري، وأما مع أجهزة 800 ميغاهيرتز فالعملية تتطلب يومين فقط. وقد اصبحت المقاييس الثلاثة جاهزة للعمل مع افتتاح المركز المقرر غدا.

* خدمة نيويورك تايمز ـ خاص بـ «الشرق الأوسط»