الصحراء العربية ستتحول إلى حدائق غناء خلال 7 آلاف سنة

تقلبات مناخية عظيمة بسبب تغير محور الأرض تقود إلى الازدهار والجفاف

TT

كان البحر الأبيض المتوسط في الزمن الغابر عبارة عن بحيرة مغلقة وعفنة قبل حوالي 16 ألف سنة. ولا يبدو أن هذه الصورة ستتحسن بعد 7000 سنة من الآن، فمصير البحر الأبيض المتوسط والمناطق المحيطة به يتعلق إلى حد كبير بالتقلبات المناخية العظيمة التي تصيب الأرض، وربما تعمل نفس الظروف التي حولته إلى بحيرة عفنة، على تحويل الصحارى المحيطة به إلى مناطق خضراء.

هذا ما توصل إليه العلماء الجيولوجيون الألمان من خلال حفرياتهم في قاع البحر الأبيض المتوسط ومن خلال تحليلاتهم للتربة والوحول المستخرجة من باطن الأرض، إذ تمكن علماء جامعة أولدنبورغ من «قراءة مستقبل منطقة البحر الأبيض، من خلال الوحول المستمدة من قاعدته كما تقرأ العرافة الجيدة فنجان القهوة» حسب تعبير رئيس فريق العمل وعالم المعادن هانز ـ يورجن برومساك.

* طبقات سوداء

* وتوصل العلماء الألمان إلى وجود طبقات أرضية سوداء تحت قاع البحر المتوسط، تبعث رائحة تشبه رائحة البيض الفاسد، وتتخلل التربة في مستويات منتظمة. وهي تربة سوداء يطلق عليها اسم «الوحول العفنة» وتكشف تاريخ الأرض قبل آلاف السنين. وقدر العلماء، وفق الطرق الحديثة، أن طبقات هذه الوحول العفنة تنشأ كل 23 ألف سنة، أي بالضبط مع تسلسل العصور التي شهدت تغير مكان محور الأرض. وهذه الوحول العفنة تكشف بالضبط موعد تغير محور الأرض في العصور السحيقة، بشكل يمنح شمال الكرة المزيد من أشعة الشمس، كما يجعل التنبؤ بموعد حصول هذا التغير في المستقبل ممكنا.

وفسر علماء أولدنبورغ أمام المؤتمر السنوي لجمعية خبراء التعدين في برلين كيفية حصول هذه التغيرات المناخية كالآتي: ان تغير محول الأرض زاد من أشعة الشمس الساقطة على الجزء الشمالي من الكرة الأرضية. وإذ عملت أشعة الشمس على تسخين الجزء الشمالي من الكوكب فإنها أدت إلى سقوط أمطار غزيرة على منطقة البحر المتوسط. وذلك لأن تغير محور الأرض حرك منطقة البحر الأبيض المتوسط وجعلها تقع تحت الحزام المطري المسمى حزام الريح الموسمية Monsun الذي يقع في الحالة الطبيعية إلى الجنوب قليلا.

عمل المطر الغزير على تقليل ملوحة مياه البحر المتوسط وعكس التيارات المائية المقررة في البحر. وهكذا صارت التيارات الرئيسية العميقة تتسرب من المحيط الأطلسي إلى البحر المتوسط عبر مضيق جبل طارق بدلا من تسربها من المتوسط إلى المحيط كما هو الحال في الوضع الاعتيادي. وحمل التيار المعاكس معه الكثير من المعادن والعناصر الحيوية المفيدة التي أدت إلى نمو العوالق البحرية بشكل انفجاري.، وتجمعت مع مرور الوقت طبقات سميكة من العوالق البحرية الميتة في قاع البحر وتولت البكتيريا هناك عملية تفسيخها. وعملت الأحياء الميكروسكوبية التي تستخدم المركبات الكبريتية والمنغنيز في عملياتها الحيوية على تفسيخ العوالق الميتة وإطلاق الكبريت الفاسد الرائحة كناتج عرضي. والحقيقة أن هذا الكبريت هو سر طبقات الوحول العفنة التي اكتشفها العلماء من خلال حفرياتهم في قاع البحر الأبيض المتوسط. إلا أن العوامل التي حولت البحر المتوسط إلى بحيرة عفنة عملت على تحويل المناطق الصحراوية المحيطة به إلى مناطق خضراء، وذلك بفضل حزام المونسون للأمطار. ويقول العلماء أن اخضرار الصحراء دام فترة 5000 ـ 8000 سنة كل مرة تلته عودة إلى التصحر نتيجة تغير محور الأرض من جديد. ويعود تاريخ آخر طبقات الوحول العفنة إلى نحو 16 ألف سنة وهذا يعني أن التغير القادم المتوقع ربما يحل بعد 7000 سنة.

استطاع برومساك وزملاؤه أن يقرأوا من خلال حفرياتهم في قاع المتوسط تاريخا طويلا يعود إلى 4.5 مليون سنة، كان البحر المتوسط في بدايتها جافا كما يقولون، ولاحقوا تغيرات المناخ هناك طوال هذه السنين. كما عثروا على وحول عفنة مشابهة من خلال حفرياتهم في قاع جنوب بحر الصين الأمر الذي يكشف عن «نبض منتظم لقلب الأرض» حسب تعبير برومساك.

وتتفق توقعات العلماء الألمان مع علماء الأرض الذين يرون أن محور الأرض سيتغير من جديد خلال 7000 سنة ليحول الصحاري إلى مناطق خضراء وبالعكس.