مصر تحتفل بمئوية مرصد حلوان الأقدم من نوعه في جنوب الكرة الأرضية

المرصد يضم أكبر تجمع علمي متخصص في أبحاث الفلك والزلازل والمجال المغناطيسي

TT

يعد مرصد حلوان في مصر أقدم مرصد فلكي في جنوب الكرة الارضية، ويسمى الآن «المعهد القومي للبحوث الفلكية والجيوفيزيائية»، ويعتبر أقدم المعاهد والمراكز البحثية في مصر والمنطقة العربية، بل ينافس اعظم مراصد العالم في هذا المجال، حيث يكمل المائة عام من عمره خلال شهر مارس (آذار) 2003، وتستعد مصر وعدد من المؤسسات العالمية للاحتفال بهذه المناسبة.

وحول هذه الاحتفالية يقول وزير التعليم العالي والدولة للبحث العلمي المصري الدكتور مفيد شهاب لـ«الشرق الأوسط»: يعتبر هذا المعهد موقعا لاكبر تجمع علمي مصري متخصص في ابحاث الفلك والشمس، وتتبع الاقمار الصناعية، والزلازل وتحركات القشرة الارضية، والمجالات المغناطيسية والكهربائية، والرادار الارضي.

ولمرصد حلوان دور اساسي في اطار سياسة البحث العلمي في مصر نظرا لتميزه بوجود العديد من التخصصات التي تخدم التنمية والتقدم في مصر خلال أنشطة محلية ودولية يقوم بها، منها: استخدام تقنيات الاقمار الصناعية لنقل البيانات الزلزالية من محطات الرصد الحقلية الى المركز الرئيسي ودراسة النشاط الزلزالي بأنحاء مصر، وبخاصة حول السد العالي، واختيار المناطق الآمنة زلزاليا للمنشآت الحيوية والمباني العمرانية، وحساب الاهلة ومواقيت الصلاة وبدايات الشهور العربية والتقاويم وبحوث النشاط الشمسي وبحوث الاجرام السماوية ذات الاهتمام العالمي، وهو الامر الذي يضفي اهتماما عالميا كبيرا على الاحتفالات بمئوية مرصد حلوان الذي يغطي العلم العالمي في جنوب الكرة الارضية.

وحول ابرز انجازات المرصد يوضح د. شهاب ان اهمها الانتهاء من انشاء الشبكة القومية للزلازل التي استغرقت 10 سنوات منذ زلزال اكتوبر (تشرين الاول) 1992، وكذلك الانتهاء من عمليات تطوير وتحديث منظار مرصد القطامية الفلكي، الذي يعد اكبر منظار في منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا وجنوب الكرة الارضية عموما، مشيرا الى ان هذا المنظار سيتيح لمصر وعلمائها فرصة عظيمة للاحتكاك الدولي مع الفلكيين من مختلف دول العالم نظرا لموقع مصر المتميز في خطوط العرض المتوسطة بالاضافة الى صفاء الجو الذي يمكن معه رصد النجوم الجنوبية التي يصعب تناولها بالرصد من مراصد شمال اوروبا، وهو الامر الذي يفتح امام الباحثين المصريين فرصة تسويق البحوث الفلكية والتعاون الدولي المستمر انطلاقا من مائة سنة خبرة. ومنذ قرنين من الزمان عرفت مصر اول نواة لمرصد فلكي حسب كلام رئيس المعهد القومي للبحوث الفلكية والجيوفيزيائية الدكتور علي عبد العظيم لـ«الشرق الأوسط»، الذي اوضح ان العلماء الفرنسيين خلال الحملة الفرنسية على مصر أقاموا نواة لمرصد فلكي خلال القرن قبل الماضي أي منذ اكثر من مائتي سنة، ثم اقيم المرصد بالفعل عام 1840 في حي بولاق بالقاهرة وظل يعمل حتى اغلق عام 1860. لكن في عام 1868 اقيم مرصد فلكي اخر برئاسة اسماعيل باشا بالعباسية في شمال شرق القاهرة في الميدان المعروف بميدان «الرصد خانة» بالقرب من مدينة البعوث الاسلامية الآن. وعندما بدأ التفكير في ادخال قياس ورصد شدة المجال المغناطيسي الارضي، تبين ان العباسية لا تصلح موقعا لهذا المرصد نظرا لانشاء خطوط الترام بالقاهرة وتأثير كهربتها على هذه الارصاد، كما ان تكاثر الاضواء المنبعثة من مدينة القاهرة قللت من كفاءة الرصد الفلكي باستخدام مرصد العباسية، لذا كان من الضروري ان يجري البحث عن مكان اخر يصلح لكل من الارصاد الفلكية بعيدا عن اضواء المدن وارصاد المغناطيسية الارضية بعيدا ايضا عن تأثيرات التيارات الكهربائية عالية الجهد، واستقر الرأي على اقامة المرصد الحالي بحلوان. ويؤكد د. عبد العظيم ان حلوان في ذلك الوقت كانت قرية صغيرة لا يتجاوز سكانها خمسة الاف نسمة، انشيء بها مرصد حلوان عام 1903 على ربوة من الحجر الجيري تقع الى الشمال الشرقي من مدينة حلوان، والان مرت على انشائه مائة عام.

ويذكر الدكتور عبد الفتاح عبد العال جلال الرئيس السابق لمرصد حلوان، ان المرصد كان في بدايته يمتلك منظارا فلكيا قطره عشر بوصات وانه في عام 1905 اهدى العالم الفلكي البريطاني «رنيولدز» المرصد منظارا قطره 30 بوصة، امكن بواسطته رصد حركة النجوم الخافتة واستمر الرصد به قرابة نصف قرن للكواكب والنجوم والسدم. وقد اكتسب مرصد حلوان شهرة عالمية وجذب اليه العديد من العلماء الاجانب لاجراء ارصاد ودراسات علمية مشتركة في المجالات التي يعمل المرصد بها.

ويوضح الدكتور جلال ان الاتساع العمراني الذي تعرضت له حلوان وحركة التصنيع الكبيرة التي غمرتها في النصف الثاني من القرن العشرين وزيادة اضاءة المدينة وتلوث الجو بالاتربة ودخان المصانع، جعل حلوان غير صالحة للرصد الفلكي الدقيق خصوصا للنجوم والسدم الخافتة ووقع الاختيار للموقع البديل على ربوة القطامية بصحراء السويس على بعد 70 كيلومترا شمال شرق حلوان، الذي يضم منظارا قطر مرآته 74 بوصة، وقد انتهت الآن اعمال تحديثه وتطويره.

واجرى علماء اجانب ابحاثا مشتركة في مرصد القطامية الذي جذب بفضل موقعه الجغرافي ودقة ارصاده العديد من العلماء، منهم علماء من مرصد غرينتش بالمملكة المتحدة ومرصد بازل بسويسرا ومرصد اسياجو بايطاليا، كما قام المعهد بتوقيع اتفاقية علمية مع مجلس البحث العلمي البريطاني يتم بمقتضاها لجامعات مانشستر ولندن وبلفاست اجراء ارصاد وبحوث مع الجانب المصري نظير تقديم الاجهزة المكملة وقطع الغيار اللازمة للمنظار بجانب عدد من المنح للباحثين المصريين.

ويجري علماء مرصد حلوان الان مشاورات مع كل المسؤولين في مصر لترتيب الاحتفالات بمناسبة المئوية لمرصد حلوان والذي ستشارك به مراصد العالم المختلفة والاتحادات العلمية الدولية في مجال عمل المعهد لدوره البارز في جنوب الكرة الارضية.