الملفوف يتحدث باسم البيئة: استخدام النباتات كمقياس بيولوجي لتلوث الجو

TT

طرح 6 علماء ألمان من «معهد دراسات النباتات والتربة» في هوهنهايم الالمانية نتائج أبحاثهم حول تأثر النباتات بالتغيرات البيئية أمام مؤتمر خاص عقد في جامعة شتوتجارت. وتوصل فريق العمل بقيادة العالم البيولوجي اندرياس كلومب الى ان النباتات المزروعة قرب الشوارع المزدحمة بالسير تتعرض الى تحولات وراثية معينة بسبب المواد الضارة التي تنطلق من عوادم السيارات.

وهذا ليس كل شيء لأن دراسة التغيرات التي تتعرض لها النباتات بسبب هذه المواد الضارة اهلت العلماء الى تطوير طريقة لمعرفة مدى تلوث الجو. وتعتمد الطريقة على استخدام هذه التغيرات الوراثية، وثبت انها تغيرات ثابتة، بمثابة مقياس بيولوجي حيوي يكشف مدى تلوث الهواء.

وجاءت نتائج الدراسة في اطار مشروع أوروبي يحمل اسم يوروبايونيت (Eurobionet) وشاركت فيه 12 مدينة اوروبية كبيرة استخدمت 10 مختبرات لتحليل محتويات النباتات والتغيرات التي تطرأ عليها جراء التعرض للسموم المنطلقة من السيارات. وذكر كلومب ان مشروع استخدام النباتات كمؤشر على مدى تلوث البيئة استغرق 3 سنوات من العمل والتحليلات والمراقبة.

واعتبر كلومب التغيرات التي تطرأ على الخريطة الوراثية لنبتة Tradescantia نموذجا لمدى تأثر النباتات بالغازات المنطلقة من السيارات. فالتعرض المستمر للنبتة لهذه المواد الضارة يسبب تحولات وراثية معينة في خلايا وريقاتها الوردية اللون. ورصد العلماء في شتوتجارت وأدنبرة ووفيرونا وجود اجزاء وراثية خارج نواة خلية نبتة «تريدسكاتيا» (Tradescantia)، واتضح من خلال التحليلات ان عدد هذه الاجزاء يزداد ويقل حسب تلوث الجو. وتم اجراء تجارب مماثلة على النباتات في كوبنهاجن ودسلدورف وليون ونانسي وبرشلونة وفالنسيا وخلص الباحثون من خلالها الى النتائج ذاتها.

وعموما فإن كل النباتات تصلح كمعيار لتلوث البيئة بحكم علاقتها النتحية التنفسية الوثيقة بالاجواء القريبة منها. الا ان بعض هذه النباتات اثبتت تفاعلها بشكل خاص مع التغيرات البيئية وتعرضها الى تغيرات خارجية وداخلية تكشف درجة تلوث الجو كما يقيس المحرار حرارة الجو.

وثبت ان اوراق الملفوف (الكرنب) معيار جيد لمدى تلوث الجو المحيط بفعل قدراته المتميزة على خزن المواد العضوية الضارة. وتعمل اوراق الملفوف كمثل على امتصاص المواد الكربونية العطرية المتعددة الحلقات بشكل جيد، وهي اخطر المواد التي تنطلق عن احتراق بنزين السيارات. واضافة الى تغير اوراق الملفوف من ناحية الحجم فإن التحليل البيولوجي يكشف مدى تلوث الجو من خلال قياس كميات المواد الضارة المخزونة.

وتوصل علماء مشروع يوروبايونيت ايضا الى ان بعض انواع التبغ يتأثر بطبقة الاوزون ويمكن ان يكشف مدى تأثر هذه المنطقة الاوروبية او تلك بظاهرة الاوزون. وتظهر اوراق التبغ اعراضا مرضية ثابتة من خلال تأثرها بطبقة الاوزون مثل التغيرات الوراثية التي تكشفها الخلايا والبقع البنية الصغيرة التي يكشف عددها وحجمها درجة التأثر.

ويظهر تأثير ثقب الاوزون على النباتات ايضا من خلال التغيرات التي تطرأ على اشجار الحور المزروعة قرب الشوارع. فهي تشهد تغيرا في نمو براعمها كما تتساقط اوراقها في خريف مبكر بسبب تعرضها للظاهرة. وتوصل العلماء من خلال دراسة التغيرات على شجر الحور الى ان مدن اوروبا الجنوبية مثل برشلونة وفالنسيا اكثر تأثرا بظاهرة الاوزون من المدن الشمالية مثل دسلدورف وكوبنهاجن.

وتعتبر حشيشة المراعي (Lolium) من أكثر النباتات امتصاصا للمواد الضارة بالبيئة مثل الرصاص والكروم والانتيمون. وكشفت الفحوص على هذه النبتة في شوارع برشلونة وفالنسيا المكتظة ان اجواء هاتين المدينتين ملوثة كثيرا بالرصاص. وبدأت نسبة الرصاص في حشيشة المراعي بالتراجع في العام الاخير لسبب معلوم وهو صدور قرار تحريم استخدام البنزين المحتوي على الرصاص في اسبانيا في اغسطس (آب) 2001.

المهم في نتائج الدراسة هو ان العلماء افلحوا في وضع مقياس ثابت لقراءة تلوث الجو من خلال التغيرات التي تطرأ على النباتات. كما صاغوا لائحة من 15 مؤشرا يمكن من خلالها تحويل بعض النباتات الى مقياس بيولوجي حقيقي لمدى تلوث الجو بالمواد الضارة المنطلقة من السيارات.

=