تقنيات وراثية لتعليم الجسم البشري إصلاح ذاته

طرق «طب التجديد» الحديثة توظف الخلايا الجذعية لتوفير أنسجة يافعة محل المتضررة لبناء القلب والكبد

TT

في فيلم «ستار تريك ـ العودة للوطن» والذي يدور حول زيارة الأرض الحالية من المستقبل يدخل الدكتور ماكوي مستشفى لمعالجة أحد زملائه المصابين، ويصاب بالرعب لدى مشاهدته الأدوات البربرية والبدائية المستخدمة في طب القرن العشرين والتي لا تناسب الآلة الدقيقة التي صممت لعلاجها.

لكن علماء الأحياء يأملون، باستخدام أدوات من التقنيات الوراثية والخلايا الجذعية، في تطوير علاجات جديدة قد لا تبدو غريبة للزوار الثلاثة من المستقبل. فلن يعتمد «طب التجديد» على المشارح، والسموم، وإنما على نفس العوامل التي يعتمدها الجسد لإصلاح نفسه وهي الخلايا والإشارات الكيميائية.

طب التجديد اعتمدت الأدوية منذ زمن على قدرة الجسد لمعالجة ذاته، فعلى سبيل المثال يعتبر اللقاح أحد أقدم الأدوات وأكثرها فعالية التي اعتمدها الأطباء والتي تعمل على أساس تلقين الجهاز المناعي. ولكن طب التجديد ليس بمجرد شبيه فهو يتبع مبدأ أسمى من الطب التقليدي إذ أنه يهدف إلى إصلاح الجسد فقط وإنما إعادته لحالته الأصلية. ويساعد العلاج الطبي المتوفر اليوم وبالأخص ذلك المستخدم لمعالجة الأمراض الناتجة عن الكبر بالسن، المرضى على التأقلم مع القلوب المريضة أو المفاصل المتيبسة ولكنه لا يصلح الضرر الأساسي. ويقول مؤيدو طب التجديد انه أي الطب الجديد سيوفر أنسجة يافعة مكان تلك القديمة أو المتضررة.

ويقول الدكتور ويليام هاسلتين المدير التنفيذي في شركة علوم الأطلس الوراثي البشري: «نحن نعرف ما تعرفه خلايانا، إذ سيتم تحسين العناية الصحية بإنتاج «طب إعادة النمو وسيتضمن هذا إطالة عمر الإنسان بضخ أجسادنا بخلايا أصغر سنا». ويصف الدكتور توماس أوكارما رئيس شركة «جيرون» طب التجديد «برنامج علاجي جديد» يسمح للمرضى بالعودة لمنازلهم بأنسجة وأعضاء جديدة مثلما تعود سيارة من مرآب الميكانيكي بقطع غيار جديدة. ويقول: «نحن نحاول أن نفهم حكمة الطبيعة وأن نستغلها بطرق مبتكرة».

ويعتقد الدكتور رونالد مكاي خبير في الخلايا الجذعية العصبية في معهد الصحة الوطني أن أنسجة الجسد «ذاتية التجديد» لدى إعطاء الخلايا الجذعية الإشارات الصحيحة. ويقول: «حالما عرفت كيف تحول الخلايا الجذعية إلى خلايا قلب فهو أمر سهل. فخلال شهرين سيتضح أن الخلايا الجذعية ستعيد بناء الأنسجة. وفي خلال سنتين سيستطيع الناس إعادة بناء الكبد أو القلب أو بناء عناقيد خلايا وسطية بنكرياسية وضخ خلايا في الدماغ التي يتم دمجها بالدورة الطبيعية. فسيقومون ببناء أنسجتهم بشكل منتظم».

فالعلماء ليسوا متفائلين بنتائج اكتشافاتهم والشركات التجارية قليلا ما قللت من المنافع المحتملة وما زال طب التجديد حتى الآن مجرد مبدأ، ولكن التنبؤات المتفائلة تعتمد على أساس صلب. ففي السنوات الماضية حقق العلماء في القطاع العام والخاص تقدماً ملحوظاً حول تفهمهم لكيفية إصلاح الجسد لذاته وخاصة في مجالات نظم الإشارات والخلايا الجذعية. وأقرب هذه المجالات هو العمل على نظام إشارات الجسد ما بين الخلايا. وتحكم خلايا الجسد التي تقدر بمائة تريليون خلية أنفسها خلال تبادل الإشارات الكيميائية، إذ تفرز الخلايا الإشارات الكيميائية لتؤثر على سلوك عبر أخرى وتستقبل إشارات خلال مستقبلات خاصة مزروعة في أسطحها.

وحتى الآن تم التعرف على حفنة من الإشارات مثل الإنترلوكين والذي تنتجه خلايا الدم البيضاء وعلى معزز تكوين كريات الدم الحمراء وهو بروتين منشط للخلايا والذي أغنى شركة «أمجين» بثروة كبيرة. وشدد الدكتور هاسلتين خلال السنوات الماضية على أنه تم التعرف على نظام الاتصالات في جسم الإنسان وهو نظام مكون من أحد عشر ألف عامل مؤشر ومستقبل صنفته «علوم الأطلس الوراثي البشري». وتجاهل علماء الأحياء الأكاديميين هذا الادعاء لعدم نشره في الكتب العلمية.

ولكن الدلائل تشير أكثر فأكثر إلى مصداقية هذا الادعاء لأن شركة «علوم الأطلس الوراثي الإنساني» قد تقدمت بتسعة آلاف ومائتي طلب للحصول على رخص امتياز على مورثات تستخدم في خلايا الاتصالات الإنسانية ومنحت مائة وأربع وستون رخصة امتياز أميركية. وأنشأت معمل لإنتاج هذه العوامل وقامت بإدخال أربعة منها في التجارب الطبية.

ولم تصل أي من هذه العوامل مرحلة الحصول على موافقة إدارة الغذاء والعقاقير. ولكن أولى نتائج هذه العوامل ستظهر إن كانت التجارب الطبية ناجحة في نطاق طب التجديد. فعلى سبيل المثال يعرف هذه العوامل باسم عامل «نمو كيراتنوسايت 2» وهو بروتين ينشط خلايا البشرة وغشاء الجسم الداخلي لمعالجة الجروح ويتم تجربته على مرضى مصابين بقرحة لا يمكن شفاؤها. كما يلعب بروتين تنشيط الخلايا الليمفاوية دورا رئيسيا في الجهاز المناعي الإنساني. وتعتزم شركة «علوم الأطلس الوراثي البشري» تجربته على مرضى مصابين بجهاز مناعة عاطل.

* خدمة نيويورك تايمز خاص بـ«الشرق الأوسط» =