تحديد قدرات الذكاء البشري بتقنيات تحليل نشاط الدماغ

جدال علمي حول جدوى اختبارات الذكاء ونظريات لقياس القدرات الذهنية في نشاطات متنوعة

TT

قضى العلماء عقودا يتجادلون إن كان الذكاء يعتبر احدى قدرات الانسان العامة، ام انه يمثل مقدرة لتفوق الانسان في مجال معين من السلوك العقلي او الاجتماعي او العاطفي. ويشمل الجدال شتى المسائل، بما فيها تلك التي تشكك في اهمية اختبارات درجة الذكاء، واحتمالات الاستمرار فيها في المستقبل.

وتعطي دراسة جديدة للدماغ أولى لمحات حول الفروق في قدرات الانسان في المنطق وحل المشاكل. وقد تترجم نتائجها لتحديد الفروق في عمليات عمل الأعصاب في الدماغ.

وقد أظهر المشاركون في الدراسة الذين حصلوا على علامات عالية في اختبار لـ«مصفوفات ريفين المتقدمة» وهو احد اختبارات الذكاء، نشاطا عصبيا اكثر من مناطق معينة بالدماغ عندما كانوا يقومون بمهمة صعبة. وتستخدم هذه المصفوفات لاختبار ما يسميه الخبراء بـ«الذكاء الطلق» اي المتدفق، وتفترض الدراسات انه يتأثر بالوراثة. وتترابط نتائج اختبار ريفين مع نتائج فحوص الذكاء ومقاييس الذكاء الموحدة الأخرى.

* دراسات الذكاء

* وكتب العلماء الذين ترأسهم الدكتور جيرمي جاري، الباحث في قسم النفس في جامعة واشنطن، انه حسب علمهم فهذه أول دراسة تتضمن عددا كبيرا من العينات لاختبار الفروق الفردية في «الذكاء الطلق (المتدفق) العام» وهي قدرة استدراك مهمة، وبعد مهم في الفروق الانسانية الفردية. ويقول جاري إن النتائج بينت الاختلافات في الاختبارات، التي عكستها الفروق في نشاط الدماغ في الطبقة الطرفية الأمامية وهي منطقة الذاكرة العاملة بالدماغ، والتخطيط والنشاط المستهدف.

وأظهر اولئك الذين حصلوا على علامات عالية في اختبارات الذكاء، نشاطا أكثر في مناطق أخرى بالدماغ بما فيها الطبقة المحيطة الأمامية والمخيخ، ويتم قياس نشاط الدماغ بواسطة الرنين المغناطيسي.

وقال الدكتور جون دنكان، نائب مدير وحدة الدماغ في مجلس البحوث الطبية في كامبريدج، إن هذه الدراسة خطوة هامة نحو فهم عمل وحدات الدماغ المحددة التي استخدمت في حل المشاكل في اختبارات الذكاء. وأضاف أن اختبارات الذكاء تقيس شيئا مهما فعلا، ولكن العلماء يحتاجون إلى حوالي خمسين سنة أخرى من البحوث حتى يفهموا ما حدث.

وفي دراسة نشرت في عام 2000 بين دنكان أنه في عملية مسح بالجهاز البوزيتروني، أظهرت الطبقة الطرفية الأمامية زيادة في النشاط، عندما قام الافراد الخاضعون للمسح، بحل المشاكل في اختبارات الذكاء، التي اشتملت على مسائل ايجاد الانماط في سلسلة من الاحرف، ولكنه لاحظ ان بعض الدراسات الأخرى التي استخدمت أنواعا أخرى من المهمات العقلية، سجلت انخفاضا في نشاط الدماغ في الطبقة الطرفية الأمامية لدى اولئك الذين أنجزوا هذه المهمات بشكل جيد. ولكن الدراسة الجديدة هذه تدعم نتائج دنكان حول النشاط المتزايد في الدماغ. ويقول جاري إن النتائج تقترح أن «الذكاء الطلق» يتطلب القدرة على التركيز والاحتفاظ بالمعلومات الجديدة بغض النظر عن التشويش.

ولدى دراسة مهمات الذاكرة، تم عرض سلسلة من الكلمات، أو صور وجوه على شاشة كومبيوتر، على المشاركين، ثم طلب منهم أن يحددوا بسرعة ان كانت الصورة التي أمامهم هي التي رأوها قبل ثلاث صور. وفي بعض الحالات عرضت على المشاركين كلمات أو صور قد رأوها قبل صورتين أو ثلاث أو خمس، مما زاد في تعقيد المهمة.

وشبه جاري المهمة بمحاولة لحفظ رقم هاتف جديد من عشر أرقام، بينما يستمع الشخص لمحادثة مثيرة، والافتراض أن الشخص الأكثر ذكاء سيستطيع أن يقاوم التشويش ويحفظ الرقم في الذاكرة العاملة.

ولكن النشاط الدماغي المتزايد لدى اولئك الذين حصلوا على علامات عالية، تمثل في بروز نشاطات عقلية اخرى مثل «حظر» الإجابات الخاطئة أو خفضها أو مراقبة التشويش.

ويقول جاري إنه مع زملائه ما زالوا يتناقشون حول إن كان الذكاء قدرة طبيعية عامة كما يعتقد مصممو اختبارات الذكاء أو انه القدرة على النجاح في مجالات مختلفة. وأضاف أنه يمكن اعتماد كلي الافتراضين. وشكك عدد من العلماء بمن فيهم الدكتور روبرت ستيرنبيرغ في جامعة ييل والدكتور هاورد جاردنر في جامعة هارفارد، في تكوّن فكرة الذكاء العام ذات قيمة ما، ولذلك فهما يستحسنان قياس قدرة الشخص او ذكائه في نشاطات مختلفة.

ولكن الدكتور إيرل ميلر أستاذ علم الأعصاب في مركز بيكور للتعلم والذاكرة في معهد ماستشوستس للتكنولوجيا، صرح أن الدراسة الجديدة مفيدة لأنها تحدد أجهزة قد تساهم في الذكاء العام.

* خدمة نيويورك تايمز ـ خاص بـ «الشرق الأوسط»