الجيش الأميركي يتوجه إلى هوليوود للبحث في تصاميم تخترق نمط التفكير التقليدي

دبابات مجزأة وأزياء مدرعة خفيفة ومجسات استطلاع إلكترونية تشبه الحشرات * العلماء يحلون معضلة بوضع افتراض لحلّها ثم تطبيقه أما الفنانون فأسلوبهم هو العكس، إذ يضعون الحل على شكل رؤية يعملون على تجزئتها والعودة إلى أصولها لتحقيقها

TT

قبل بضع سنوات اجتمع بعض القادة العسكريين معا وتساءلوا إن كان بإمكان هوليوود أن تلعب دورا في الدفاع عن أميركا. ولم يكن هؤلاء القادة يبحثون عن أفلام دعائية، يمكنها أن تفوز بقلوب وعقول العالم العربي، أو عن فنانين لتسلية الجنود أو عن أفلام مجانية يرسلونها لحاملات الطائرات، بل كانوا يبحثون عن أفكار جديدة تدخل في تصميم جيش المستقبل. وما زاد الأمر غرابة، أنه كان لهوليوود أفكار عديدة، بعضها كان جيدا جدا. وداخل مبنى قديم، عقد اجتماع بين أفضل سينمائيي هوليوود، وبعض الرواد الأكاديميين، وعلماء الكومبيوتر في الجيش، للتفكير في الجيل المقبل من الأسلحة والمعدات. وكانت هذه الاجتماعات تعقد حــوالي مرتــين بالشـــهر لأكــثر من سنتين، وأصبحت أكثر تكرارا بعد هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001 .

* هوليوود والمعركة

* وحتى مع نمو المعارضة في هوليوود لخطط واشنطن لخوض الحرب مع العراق، فما تزال مجموعة صغيرة من فناني هوليوود تعالج أسئلة تتعلق بالمعركة مثل: كيف يخلى الجنود الجرحى من ميدان معركة تحت نيران الرصاص؟ وما هي معدات الاتصالات التي سيحتاجها الضباط لاتخاذ قرارات أفضل في الميدان؟ وكيف تجري عمليات عسكرية في مراكز مدنية محتشدة؟

ويقول ريتشارد لندهايم المدير التنفيذي لمعهد التكنولوجيا الخلاّقة، ان الفنانين يفكرون بطريقة تختلف عن أساليب التفكير التقليدية في مجال العمل والعلوم. ويضيف أن العلماء عندما يواجهون معضلة، فانهم يضعون افتراضا يمثل الحل، ثم يطبقون ذلك الحل. أما الفنانون فأسلوبهم هو العكس، حيث يضعون الحل على شكل رؤية، ثم يعملون على تجزئة الرؤية والعودة بأثر رجعي الى الخلف، ليكتشفوا كيف بامكانهم تحقيق تلك الرؤية. واختير فنانون من عينة عشوائية للعمل في المعهد. وهم يقدمون أفكارهم بصورة أفلام قصيرة لتلخيص تصاميم لمعدات جديدة، أو ألعاب فيديوية لغرض التدريب، أو بشكل رسم أو نماذج. ومن الأفكار التي عرضوها وقاموا بتصميمها كحلول محتملة لمشاكل عرضها المخططون العسكريون:

ـ دبابات مجزأة يسهل نقلها وتجميعها في الميدان.

ـ تروس على النمط الروماني تركب على ألواح متزلجة، تخزن في جوانب الدبابات، تستخدم لحماية الجنود عند قطع شارع في مدينة تحت النيران.

ـ زي عسكري خفيف الوزن معزز من الداخل ليصبح درعا خارجيا.

ـ مجسات إلكترونية تشبه الحشرات التي يمكنها التحرك وتجميع المعلومات وبثها.

ـ ناقلات آلية دون سائق تستخدم لنقل الجنود والمعدات وللكشف عن حركة العدو.

ولم تظل العديد من هذه الأفكار في مجال الخيال، فمثلا، تلقى تصميم رون كوب للناقلة الآلية بعض التشكيك من الجيش، الا انه فوجئ عندما عرف أن الجيش قد طلب من شركة «بوينغ» أن تصمم آلية تشبه ما صممه هو.

ويعتبر برنامج معهد التكنولوجيا الخلاّقة جزءا صغيرا من الجهاز العسكري الضخم للبحث والتكنولوجيا. وهو برنامج بميزانية 9 ملايين دولار سنويا. ويقوم مختبران عسكريان آخران ببحوث شبيهة في معهد ميشيغان للتكنولوجيا وجامعة تكساس. ولكن حتى داخل شبكة الجيش، تتميز مشاريع هوليوود بطبيعتها غير العادية وهدفها الغريب.

ومع أن العديد من الخلافات المحتملة تناقش في غرف الحرب داخل الجيش، فان الكاتب جيمس كوريس تساءل علنا إن كانت هناك فائدة من الاستفادة من أفكار مجموعة أشخاص ليسوا مدربين عسكريا.

وبسرعة نما مشروع معهد التكنولوجيا الخلاّقة في الحجم والنطاق. وتحولت عملية إنتاج أفلام تدريبية واستعراضية قصيرة إلى وحدة إنتاج كاملة. ويتطلع كوريس لتحويل بعض أفكاره لبرامج تلفزيونية. ويضم المعهد حوالي 55 موظفا. ويستخدم خبراء الكومبيوتر الذين يطورون الأفلام التدريبية ممثلين افتراضيين لا يمكن تمييزهم في الصورة عن الممثلين البشر. وآخر فيلم ينتجه المعهد يبين مجموعة جنود يدافعون عن جسر ضد مشاغبين. والقصة في الفيلم قائمة على حادثة فعلية حدثت في البوسنة، إذ أمر سبعة جنود بالدفاع عن جسر ضد مجموعة مشاغبين أرسلتها السلطات الصربية لخلق حادثة دولية. وتم أمر الجنود بعدم إيذاء المشاغبين ولذلك اضطروا لأن يتحملوا ثماني ساعات بينما أخذ المشاغبون برميهم بشظايا من الزجاج.

ويفترض الفيلم كيف يمكن لتكنولوجيا مستقبلية أن تساعد الجنود في أداء واجبهم بشكل أفضل، فالجنود يلبسون خوذا مجهزة بشاشة تبين موقعهم الجغرافي ويحتوي زيهم على مجسات تراقب نشاطاتهم الحيوية، في حال إصابتهم بأذى. ويوجد مع الجنود آلية كوب. وينفصل عن الآلية قرص ليطير بهدف الاستطلاع، ويرسل المعلومات للجنود. وعندما يقترب المشاغبون يحذرهم أحد الجنود بالتوقف، ويتم تكبير صوته وترجمة كلماته للغة الصربية.

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»