أفضل بوصلة في حرب الصحراء في العراق كانت «تحدق في السماء»

تكنولوجيا تحديد الموقع العالمي تحولت إلى أداة ملاحة رئيسية للقوات الأميركية في الميدان * في العراق يحمل كل قائد فصيل يضم تسعة جنود جهازا لتحديد الموقع الجغرافي ويمتلك الجيش أكثر من مائة ألف جهاز

TT

في احد ايام الحرب ضد العراق واثناء زحف القوات الاميركية الغازية عبر الصحراء بالقرب من منطقة النجف، وصل الى علمها خبر يحذرها من تحرك قافلة تتكون من قرابة 60 آلية بما فيها اثنتا عشرة دبابة على طريق قريبة منهم. واعتقد بعض الجنود أن هذه القافلة قد تكون من قطعات الحرس الجمهوري.

وأخذ الجنرال القابع في آليته، يدرس شاشة كومبيوتر تكون جزءا من نظام الاتصالات اللاسلكية، بعد ان أدخل إحداثيات موقع هذه القافلة الغامضة. وظهرت على الشاشة نقاط زرقاء اللون ترمز للقوات الحليفة، عوضا عن رموز اخرى حمراء تعني في العادة القوات المعادية. وتأكد القائد ان تلك هذه القافلة لم تكن من الحرس الجمهوري، وإنما كانت فرقة أخرى من القوات الأميركية. خلال الحرب الباردة وحتى حرب الخليج في عام 1991 لم تكن تكنولوجيا الأقمار الصناعية جزءا من حياة جنود المشاة اليومية، ولكن في صحراء العراق أصبحت هذه التكنولوجيا وبالأخص تكنولوجيا تحديد الموقع العالمي، أداة ملاحة رئيسية وشائعة ضمن القوات الميدانية.

وأصبحت أجهزة تحديد الموقع العالمي جزءا من حياة الجيش مثل أي أداة أخرى سواء إن كانت مدمجة بالآليات أو محمولة باليد. ويساعد كل جهاز الجنود على تحديد موقعهم، والأهم هو تحديد الموقع بدقة حتى يستطيع الجنود تحديد موقع وحدات أخرى. وتساعد هذه الدقة في تحديد الموقع، على خفض حوادث القتل بالنيران الصديقة، بعد ان كان الخطأ البشري يتدخل في الماضي في تحديد الموقع، الأمر الذي كان يسفر أحيانا عن وفيات لقوات حليفة.

وتظل الملاحة بواسطة الأقمار الصناعية ضرورية للأسلحة البعيدة المدى مثل الصواريخ الجوالة. وتعتبر أجهزة تحديد الموقع مهمة في الطائرات الآلية والتي استخدمت لأول مرة في أفغانستان. وعلى النقيض منها، فان جهاز تحديد الموقع الذي تستخدمه القوات البرية ليس بنفس درجة من التقدم، اذ ان فائدته في التنقل داخل الصحراء المفتوحة تقل، عندما تدخل القوات المدن لأن الطرق والعلامات الأرضية ليست مبرمجة فيه.

ويعتبر الاستخدام المتزايد لأنظمة الملاحة القائمة على تكنولوجيا الأقمار الصناعية من أكبر التغييرات في العمليات البرية للقوات العسكرية الأميركية منذ حرب الخليج في عام 1991. وأثناء تلك الحرب كانت شبكة أقمار تحديد الموقع الصناعية ما زالت في طور نموها وكان يتم صرف جهاز تحديد المواقع لكتيبة جيش كاملة والتي قد تضم قرابة 180 جندي مشاة. والآن يقول الجيش أنه يملك أكثر من مائة ألف جهاز تحديد الموقع. وفي العراق يحمل كل قائد فريق والذي قد يضم تسعة جنود، جهازا.

ولكن القوات البرمائية تبنت هذه التكنولوجيا بحذر، إذ قامت قيادة القوات البرمائية بشراء 5400 وحدة تم توزيعها على مستوى الكتيبة التي تضم ما بين 3 إلى 5 فصائل. وقد يكون هذا السبب وراء شراء بعض أفراد القوات البرمائية أجهزة مدنية لتحديد الموقع. ومع أن هذه الأجهزة لا تضاهي دقة الأجهزة العسكرية ولكنها تفي بالغرض.

ولكن فائدة هذه التكنولوجيا تعتمد على ذكاء الإنسان الذي يستخدمها. ومثلا في شهر مارس (آذار) الماضي تم إرسال وحدة عسكرية أميركية لأخذ بعض الأسرى العراقيين، وتم تجهيز الجنود بإحداثيات الموقع. واستطاع الجنود أن يصلوا للموقع بواسطة الجهاز ولكنهم لم يجدوا أي اسرى وإنما تعرضوا لهجوم قذائف هاون. وفي هذه الحالة يكون الذكاء البشري هو الذي قصر، وليس الجهاز.

* خدمة نيويورك تايمز ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»