الاهتزازات والحركة مصدران جديدان نظيفان لا ينضبان من الطاقة

هواتف جوالة وأجهزة كومبيوتر محمولة تشحن طاقتها ذاتيا أثناء السير والعمل داخل المدن

TT

لن تصبح الحركة الدائمة للسيارات وغيرها من المركبات التي تكتظ بها المدن والعواصم مصدر ازعاج للناس واصحاب المهن ورجال الأعمال، بعد الآن. فضجيجها سيصبح مصدراً جديداً للطاقة المتبعثرة في الهواء جراء حركتها الشديدة، حيث توصل العلماء إلى تقنيات جديدة تحيل هذه الطاقة الضائعة لتكون مفيدة بعد التحكم والسيطرة عليها لشحن الاجهزة المحمولة كالجوال والكومبيوتر الدفتري والمنظم والراديو، اضافة الى تشغيل اجهزة الإنارة في الشوارع والأضواء المرورية وغيرها، لذلك يؤمل أن تكون هذه الطاقة المنتجة أكثر مرونة من أنواع الطاقة التقليدية الأخرى لعدم حاجتها إلى أسلاك وكابلات كهربائية.

* طاقة مستحدثة

* تشير السيرة الذاتية لإنجازات العلماء إلى توصلهم في السابق إلى وسائل لإنتاج الطاقة من الرياح والمياه الجارية، وفي خلال السنين الثلاثين الماضية، أثمرت جهودهم في توسيع استخدام خلايا الطاقة الشمسية لتشغيل الاجهزة المنزلية بعد تركيب ألواح شمسية على أسطح هذه المنازل. ومع تغيير وتيرة الحياة البشرية، لم تعد هذه الأساليب في توفير الطاقة تلبي متطلبات وتطلعات الإنسان في العصر الحديث، فالطموحات والأهداف التي يسعى إليها العلماء في المستقبل هي في ابتكار معالجات متناهية الصغر وذات طاقة فائقة الانخفاض لتزرع بسهولة في كل مكان كالثلاجات والملابس وأقفال الأبواب الإلكترونية والإشارات المرورية، كذلك عند مواقف الباصات. وتمتلك هذه المعالجات القدرة على الاتصال مع بعضها، وكذلك مع الاجهزة مثل الهواتف الجوالة لتشغيلها باستمرار لتكون عملية شحن الطاقة لهذه الأجهزة متواصلة على مدار الـ 24 ساعة.

* تحويل الحركة الاهتزازية إلى طاقة

* يسعى الباحث شاد راوندي من جامعة كاليفورنيا إلى تحويل الحركة الاهتزازية الحاصلة في كل مكان إلى طاقة كهربائية مفيدة لتستخدم في تشغيل اجهزة الإنارة العالية التي يصعب الوصول إليها أو الاضواء المرورية في التقاطعات التي يصعب العمل فيها لخطورة مكانها، حيث توصل هذا العالم إلى افضل مصادر وأرخصها لإنتاج هذه الطاقة من بينها ربط مقاييس تعجيلية حساسة Sensetive Accelerometers مع عدة أنواع من الاجهزة كالمايكروويف ومثيلاتها. ويعود ذلك لاكتشافه ان الاهتزازات العالية تولد ترددات بنسب تتراوح ما بين 75 و150 هيرتز، التي قادته الى التركيز في ابحاثه على الاجهزة والمعدات التي تولد مثل هذه الاهتزازات كمحركات السيارات والمكائن الصناعية واجهزة التكييف ومكائن غسيل الملابس وتقطيع الأكل.

* حصاد الطاقة الضائعة

* استخدم راوندي في سعيه لحصد وتجميع الطاقة المتبعثرة بالهواء اثنتين من القطع الرفيعة المصنوعة من معدن خاص التي يرمز لها بـ PZT لتكوين عند ارتباطها ما يعرف بمادة الـ «بيمورف» المعينية بسمك يقل عن نصف ملليمتر، يعمل هذا التكوين المعدني كأداة اجهاد كهربية لتوليد فولتية على سطحها عند انضغاطها وتمددها. وقام العالم المذكور باختبار مادة الـ «بيمورف» على محرك سيارة التي قامت عند اهتزازها بتوليد فولتية انتجت تياراً ضمن دائرة كهربائية. أثمرت هذه التجربة عن تكوين 80 مايكرووات فقط، لكنها كانت كافية لتزويد الطاقة لمجسات صغيرة تعمل في اجهزة ضغط الدهن او اجهزة قياس حرارة المحرك لعرض قراءة المؤشر على الشاشة.

* تقنيات متطورة لاستخراج الطاقة

* يسعى المهندس غاري هندرسون من نيويورك لاستخدام تقنيات اكثر تطورا لاكتساب الطاقة المبعثرة والاستفادة منها، وذلك بزرع ونصب مضخات خاصة داخل شوارع المدن وعلى مسافات منتظمة لتوليد الطاقة الكهربائية لدى مرور السيارات ومثلها من المركبات على هذه المضخات. تحتوي كل من هذه المضخات على لوحة معدنية عريضة تجلس على كيس مملوء بسائل. فلدى مرور السيارة على سطح المضخة المزروعة تنخفض لوحتها المعدنية مسافة 1 إلى 2 سم لتضغط على السائل المخزون بداخلها إلى خارج الكيس الحاوي لها وباتجاه محرك توربيني لتدويره. وبذلك يمكن لكل مضخة توليد ما يعادل 80 واطا من الطاقة الكهربائية لكل مرة تمر فيها سيارة فوق المضخة المزروعة بالشارع، ليتم تجميع هذه الطاقة المتحررة وخزنها داخل بطاريات قابلة لإعادة الشحن. وفي أثناء ذلك يعود السائل إلى مخزنه داخل المضخة بعد توليده للطاقة ليكرر العملية نفسها جراء الحركة القائمة في الشارع.

* بوادر نجاح..

* تشير حسابات المهندس هندرسون إلى توليد طاقة بمقدار 3 جيجاوات لدى قيام %10 فقط من سائقي ولاية كاليفورنيا بالسير على اثنتين من هذه المضخات الممتدة على عرض الشارع لكل ميل يسيرونه. وهناك بوادر على نجاح التجربة، حيث باع هذا المهندس الكثير من مضخاته لمزارعي مدينة مونتانا في اوريجان لدفنها في حقولهم لتوليد طاقة تكفي لضخ الماء فيها جراء سير الأبقار باستمرار على المضخات، لذلك يعتقد هذا المهندس ان ابتكاره ستكون له فوائد محلية لتوليد طاقة ذاتية وخزنها لتشغيل اضواء الشوارع والاشارات المرورية وغيرها. ويؤمل المباشرة باختيار هذه التجربة هذه السنة لتقييم ادائها ومعرفة تأثير هذا النظام المتقدم في توليد الطاقة.

* توسيع التجربة وتنويعها

* يأمل المهندس هندرسون في توسيع مجال استخدام اسلوبه المبتكر في توليد الطاقة بزرع مضخاته داخل طرق سير المشاة لإنتاج طاقة تقدر بـ 2 كيلووات لتشغيل الخدمات المحلية العامة، كما توصل الباحث رون من مؤسسة SRI للأبحاث بكاليفورنيا، الى طريقة جديدة لإنتاج الطاقة من الحركة، وذلك بتصميم نوع جديد من الأحذية لتوليد الطاقة عند المسير جراء وجود اقراص في كعوب هذه الاحذية تعمل بنظام مماثل لـ PZT الذي طوره المهندس راوندي، فلدى الضغط على كعب الحذاء عند المسير يتولد مصدر غير متوازن للشحنات الكهربائية، وبوجود الاقطاب داخل الاقراص المزروعة يتم توليد فولتية متغايرة لإنتاج تيار لدائرة كهربائية، ويتوقع بيلراين ان تنتج كل من احذيته المتطورة 0.8 واط لتصل إلى 2 واط في الأحذية العسكرية التي تكفي لتشغيل اجهزة الجندي بالمعركة كالراديو والمعدات الملاحية واعادة شحنها ذاتيا من دون الحاجة لحمل اجهزة شحن تقليدية لهذا الغرض.

* طموحات المستقبل

* يسعى العلماء إلى استخراج وتحرير الطاقة من موجات AM الراديوية بواسطة البلاطات السقفية للأبنية والمنازل التي ستصمم بشكل خاص لهذا الغرض. ويؤمل ان تؤدي هذه التقنية المبتكرة الى توليد ضعف الطاقة المطلوبة لتشغيل المعالجات الصغيرة حتى وإن كانت الإشارات الراديوية تنبعث من مسافة كيلومتر واحد. وفي ولاية كولورادو الأميركية يقوم برين بيرلاند من مؤسسة ITN لنظم الطاقة، بتصميم هوائي خاص يمكنه امتصاص الضياء المرئي اضافة الى موجات الراديو لتقوم الخلايا الشمسية فيه بتجميع الطاقة الكهرومغناطيسية المتجمعة وخزنها ضمن ترددات واسعة، ويؤمل تحقيق مكاسب كبيرة إزاء هذه الطريقة لجمع الطاقة، لكنها ما زالت في مراحلها الأولية.