شكوك حول دور فيروسات معينة في الكآبة وانفصام الشخصية لدى الإنسان

عوامل نفسية ووراثية وفيروسية وراء نشوء هذين المرضين الأكثر شيوعا بين الأمراض العصبية

TT

تسبب الفيروسات الكثير من الأمراض الجسدية التي تمتد بين الانفلونزا والايدز والتهاب الكبد، إلا ان العلماء الألمان سلطوا الضوء اخيرا على احتمال تسبب الفيروسات ببعض الأمراض النفسية ايضا. إذ نجح علماء الفيروسات (الفيرولوجي) الألمان والسويديون في عزل نوع من الريتروفيروس Retrovirus في أدمغة المرضى المعانين من الكآبة وانفصام الشخصية (الشيزوفرينيا)، وهو ما عزز شكوكهم بوجود عامل فيروسي يضاف الى العاملين النفسي والوراثي في نشوء هذين المرضين.

وتتعامل منظمة الصحة الدولية مع الكآبة وانفصام الشخصية كأكثر الأمراض النفسية والعصبية شيوعا على المستوى العالمي.

وذكر الطبيب والباحث الألماني يوهانيس شرودر، من جامعة هايدلبيرغ، والباحث السويدي هيكان كارلسون انهم توصلوا الى عزل الريتروفيروس من سوائل الخلايا العصبية في أدمغة مرضى يعانون من حالات انفصام الشخصية (شيزوفرينيا) واكتئاب حادة. ويزيد من شكوكهم بدور هذا الفيروس الداخلي المنشأ Endogenous، ان فريقي العمل المشكلين من الاطباء المختصين، لم يعثروا على هذا الفيروس في أدمغة أفراد مجموعة المقارنة الذين لا يعانون من أمراض نفسية أو عصبية. وتحدث شرودر عن علاقة ممكنة بين الاصابة بالمرض وبعض العوامل التي نشطت هذه الفيروسات في أدمغة المصابين.

وتصنف الريتروفيروسات الداخلية المنشأ في عائلة الفيروسات التي «تسللت» شفرتها الجينية الى خريطة الانسان الجينية منذ زمن طويل وتركزت فيها. وهذا يعني انها تنمو وتتكاثر وان شفرتها الجينية تنتقل في الانسان كأي موروثة بشرية اعتيادية. ويعتقد العلماء بوجود الكثير من الاجزاء الموروثة الفيروسية التي تسللت الى خريطة الانسان الوراثية على مدى الاربعين مليون سنة الماضية من حياة الانسان.

والمعتقد ايضا ان بعض هذه الاجزاء الفيروسية صارت مع مرور الوقت تضطلع بوظائف مهمة في جسم الانسان. إلا ان العدد الأعظم منها «يدور» بهدوء مع دورة حياة البشر الوراثية ويبقى غير فاعل الى ان تحفزه بعض العوامل مجددا. ويقول العلماء الألمان والسويديون ان الريتروفيروس التي عزلت في أدمغة مرضى انفصام الشخصية والكآبة كانت فاعلة، إلا انهم لم يتوصلوا للكشف عن العوامل التي ايقظتها من سباتها الطويل.

ويخشى شرودر ان يقود النقاش الآن بين العلماء الى حالة من الجدل الأزلي حول اسبقية البيضة والدجاجة. هذا لأن من المحتمل ان يكون «انفجار» الحالة المرضية الحادة (الكآبة وانفصام الشخصية) هو العامل الذي فعّل الريتروفيروس مجددا في أدمغة المصابين.

وسبق ان أشار العلماء بأصبع الاتهام الى فيروس «بورنا» وحملوه مغبة التسبب بحالة الحزن والاكتئاب. وهو فيروس يصيب أدمغة الخيل ويتسبب بإصابتها بمرض «بورنا» القاتل. وسمي الفيروس بهذا الاسم نسبة الى مدينة بورنا السكسونية الألمانية التي شهدت أول انتشار للمرض بين الخيول في نهاية القرن التاسع عشر. وأصيبت خيول المنطقة حينذاك بعارض جنون فسره أطباء ذلك الزمان على أساس المرض.

ولم يتم عزل فيروس في أدمغة الخيول الميتة إلا بعد فترة طويلة. وظهر بعدها انه لا يكتفي بإصابة الخيول وانما ينتقل ليصيب القطط والخراف أيضا. وكشفت الفحوص المختبرية على الفئران والأرانب ان فيروس «بورنا» يمكن ان يصيب الانسان بأعراض مماثلة.

ويعتقد العلماء حاليا بوجود أوجه شبه بين مرض «بورنا» وحالات انفصام الشخصية والكآبة التي تصيب البشر. وهذا يعني ان الريتروفيروس الداخلي المنشأ قد يكون بقايا فيروس قديم انتقل من الحيوانات الى البشر واستقر في خريطتهم الوراثية. ويأمل الباحثون الألمان والسويديون ان تكشف الابحاث المقبلة عن صلة أكثر وضوحا بين الفيروس ومرضى الكآبة وانفصام الشخصية.