مشروع إعلان عالمي حول أخلاقيات جمع البيانات الوراثية واستخدامها

تحذيرات من ممارسات التمييز ومخالفة حقوق الإنسان بسبب التركيب الجيني للأفراد والشعوب

TT

ينظر المؤتمر العام الثاني والثلاثون لمنظمة اليونسكو، المنعقد في باريس حتى السابع عشر من شهر اكتوبر(تشرين الأول) الجاري في مشروع اعلان عالمي خاص بالبيانات الوراثية، بهدف وضع المبادئ الأخلاقية التي يجب أن تتحكم بجمع البيانات والمحافظة عليها واستخدامها. تحتل البيانات الوراثية البشرية التي يتم جمعها من خلال العينات البيولوجية مثل الدم والأنسجة واللعاب والمنى وغيرها حيزا متزايدا في حياتنا، فقد أخذ الباحثون يدركون مسبقا، بفضل هذه البيانات الأمراض التي يمكن أن تصيب الانسان وآمال الشفاء منها. و في نواحي العالم الأربع، أخذت بنوك المعلومات تتزايد عددا وحجما. كذلك باشرت بعض الدول مثل إيسلاندا وإستونيا قريبا ولاتفيا وتونغا بعد ذلك، بالقيام بإحصاء وراثي لسكانها. كما أن هذه المعلومات توفر الإجابة على أسئلة مثل إثبات الأبوة أو تحديد هوية الجانحين وهي أسئلة مطروحة على العدالة والشرطة.

وتفصح البيانات الوراثية البشرية عن الكثير، وتعد بان تفضي إلى المزيد من الاكتشافات، غير أنها مثل العديد من مظاهر الثورة الجينية تثير عددا من المخاوف من مغبة فتحها الباب لممارسات التمييز المرتكزة إلى المعلومات المتوفرة عن التركيب الجيني، وأن تؤول إلى ممارسات مخالفة لحقوق الإنسان وللحريات الأساسية. وترى اليونسكو ان الحاجة، في هذا المجال الذي يشهد تطورا سريعا، اصبحت ملحة لوضع مرتكزات أخلاقية واضحة وجلية. وقد قامت اليونسكو، التي سبق لها أن أعدت نص وثيقة الإعلان العالمي بشأن الجينوم البشرى وحقوق الإنسان ، المعتمد منذ العام 1997، بصياغة نص حول البيانات الوراثية في العام 1993 من خلال لجنتها الدولية لأخلاقيات البيولوجيا، وكرست اللجنة تقريرين لهذا الموضوع: «السرية والبيانات الوراثية» يوني (حزيران) 2000 و«البيانات الوراثية البشرية دراسة أولية للجنة الدولية لأخلاقيات البيولوجيا حول الجمع والمعالجة والحفظ والاستخدام»، مايو (أيار) 2002.

وقامت اللجنة الدولية لأخلاقيات البيولوجيا نفسها، أو بواسطة فريق صياغة شكل خصيصا لهذا الغرض، عملت خلال أشهر من أجل بلورة هذا النص المطروح على المؤتمر العام. وعمدت اللجنة إلى الاستماع إلى عدد من الجمعيات والمؤسسات التي تمثل السكان المحليين وكذلك جمعيات المعاقين والمؤسسات الطبية. كما استشارت ممثلين من القطاع الخاص. وبعدها، انكب خبراء يمثلون 57 دولة عضوا في اليونسكو على تحضير نص، في إطار لجنة الخبراء الحكوميين التي التأمت في شهر يونيو (حزيران) الماضي.

* حماية الإنسان

* ويبدأ النص المقترح على المؤتمر العام بتأكيد عدد من الاعتبارات العامة، فالهدف المعلن عنه بوضوح تام هو ضمان احترام الكرامة الإنسانية وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية وخصوصا حرية الفكر والتعبير بما في ذلك حرية البحث العلمي. وجاء في مشروع الإعلان ما يلي: «إن كل فرد يتمتع بتكوين جيني متميز، غير أن هوية الفرد لا تختصرها الخصائص الجينية لأنها تبنى بفضل العوامل التربوية والبيئية والشخصية المعقدة، و كذلك بالاستناد إلى العلاقات الاجتماعية، الروحية والثقافية مع الغير، كما أنها تتضمن عنصر الحرية». ويتضمن النص كذلك تحديدا لخصوصية البيانات الوراثية البشرية والأهداف من جمعها ومعالجتها واستخدامها وحفظها. ويشدد، في الحيز الإجرائي، على الشفافية وعلى تشجيع السعي لإيجاد لجان أخلاقية مستقلة. ويحرص الجزء الأول من النص الذي يركز على حماية حقوق الإنسان، على رفض التمييز لكافة أشكاله، بتأكيده على «القيام بكل ما يلزم لضمان عدم استخدام البيانات الوراثية والبروتينية البشرية في أغراض تنطوي على تمييز بطريقة يقصد منها، أو يترتب عليها، انتهاك لحقوق الإنسان وللحريات الأساسية وللكرامة الإنسانية لفرد، أو لأسرة أو فئة أو جماعة».

يشير النص، بالنسبة إلى مرحلة الجمع، إلى مسألة منح الموافقة من قبل الطرف المعني. ويجب أن تكون الموافقة سابقة، حرة، واعية ومقصودة. ولكن ثمة قبول ببعض القيود على منح الموافقة هذه بشرط ألا تتناقض والقانون الدولي وحقوق الإنسان. ويمكن، في مرحلة الجمع، أن تثار مشاكل مثل سحب الموافقة أو حق الفرد في الإطلاع على نتائج الاختبارات الوراثية والحاجة إلى استشارة متخصصة في هذا الميدان.

وفي مرحلة المعالجة، تبقى المشكلة الكبرى مسألة السرية. هل يتم التعريف بهوية أصحاب العينات و البيانات أم لا؟ وفي حال جرى التعريف، كيف يصار إلى احترام مبدأ السرية بعد ذلك؟ إذا كان التعريف عن بيانات معينة ضروريا في بعض الحالات مثل ملفات أجهزة الشرطة، الاختبارات الوراثية وخلافها. إلا أنه يفترض بذل جميع الجهود الكفيلة باحترام أقصى درجة من السرية عموما في سائر الحالات. ويطرح مشروع الإعلان مبدأ أن «البيانات الوراثية، والبيانات البروتينية والعينات البيولوجية التي يمكن نسبتها إلى شخص ما يجب ألا تسلم أو أن يتم الوصول إليها من قبل الآخرين و تحديدا أرباب العمل و شركات التأمين ومؤسسـات التعليم أو العائلة، إلا لسبب هام يتعلق بالمصلحة العامة في الحالات التي ينص عليها حصرا القانون الداخلي، بما يتفق والقانون الدولي لحقوق الإنسان».

في مرحلة الاستخدام، فإن السؤال الذي يطرح هو معرفة الغاية من جمع العينات. ويتطرق النص إلى مسألة احتمال تغير غايات وأهداف البحث العلمي أو الطبي. فإذا كانت ثمة رغبة في القيام ببحوث جينية على عينات من أنسجة رئوية مأخوذة من ضحايا وباء الزكام لمائة عام خلت، فمن يعطى الإذن بذلك؟ ومن يجيز هذا الاستخدام غير المتوقع وغير الموافق عليه بالطبع؟ ويأتي مشروع الإعلان كذلك على تقاسم المنافع. اما في مرحلة الحفظ، فتطرح بعض الاسئلة الشائكة مثل: أي نظام لإدارة البيانات الوراثية البشرية يمكن أن يضمن الحماية المناسبة لحقوق الإنسان و للحريات الأساسية؟ وما الذي يتعين حفظه أو إتلافه، خصوصا لدى جمع البيانات خلال تحقيق جنائي أو دعوى قضائية؟ وتفضل بعض الدول أن تبقى البيانات الوراثية التي يتم الحصول عليها لأغراض الطب الشرعي للأغراض القضائية بعيدا عن أي إعلان محتمل.

إن المشاكل التي تطرحها البيانات الوراثية البشرية معقدة وتختلف الأوضاع بين بلد وآخر، إن من الجانب التكنولوجي أو لجهة التشريعات، لأن ثمة بلدانا تتوفر لديها تشريعات خاصة بهذا الحقل وأخرى لديها تشريعات غير مباشرة مثل القوانين التي تتعلق بالمعلومات المخزنة إلكترونيا بما في ذلك البيانات الوراثية لأنها تحفظ بهذه الطريقة. وهناك دول لديها تشريعات لكنها حديثة وربما تركز على جانب ما مثل توفير وإدارة بنك للمعلومات على المستوى الوطني.

ويمكن الرجوع الى تقارير اللجنة الدولية لأخلاقيات البيولوجيا على العنوان الانترنتي: www.unesco.org/ibc