هل يجوز للطبيب قبول الهدايا المقدمة من قبل شركات الأدوية؟

TT

تفرض ممارسة المهنة على الطبيب في عيادته أو على الطبيب المتدرب في مكان تدربه اللقاء مع مندوبي الدعاية الطبية أو ممثلي الشركات المنتجة للمواد والأجهزة الطبية بأنواعها المختلفة والذين يسوقون منتجاتهم باستخدام بعض الوسائل التي قد تشمل فيما تشمل تقديم الهدايا، مما يطرح التساؤلات ويثير الجدل حول مدى مشروعية هذه الممارسات و انسجامها مع أخلاقيات المهنة و لعل أهم التساؤلات التي تحتاج إلى إجابة هو ما مدى العلاقة بين سعر المنتج الطبي للمستهلك وحجم الأموال التي أنفقتها الشركة المصنعة على الدعاية و الترويج لهذا المنتج؟ وهل يتوجب على المرضى المساكين أن يحملوا تكاليف إقامة طبيب ما في منتجع في هونولولو، أو نفقات سفر طبيب آخر لحضور مؤتمر في باريس؟ وإذا طرحنا السؤال بشكل آخر ما هو ذنب المريض الذي يصف له طبيبه مجموعة من الأدوية لمعالجة حالة مرضية بعض هذه الأدوية مفيد لحالته فعلا والبعض الآخر وجد مكانا له في الوصفة بعد أن وجدت الهدية التي قدمها مندوب الشركة المصنعة مكانا على مكتب الطبيب؟ لقد غدت عادة تقديم الهدايا إلى الأطباء من الشيوع بحيث أصبحت هي القاعدة وبالتالي فإن الشركة التي قد لا تتمكن من تقديم هدية بشكل ما قد لا تحظى من قبل بعض الأطباء بنفس الإهتمام أو لا تولى العناية ذاتها التي تحصل عليها الشركة التي تغدق على هؤلاء الأطباء الهدايا والمنح. من جهة أخرى فإنه من المسلم به أن العلاقة ما بين الطبيب ومندوب الدعاية الطبية واللقاءات الدورية بينهما تعتبر ضرورية لمصلحة المريض، لأن هذه اللقاءات إذا ما جرت بحسب التعريف الأكاديمي لمهنة الدعاية الطبية وهي قيام المندوب بإطلاع الطبيب على مزايا المنتج الطبي وفائدته بالنسبة للمريض فإنها تعتبر من الوسائل الأساسية لتحديث معلومات الطبيب حول المستجدات في الحقل الطبي و إطلاعه على بعض التعديلات التي قد تطرأ على المنتج الطبي (تعديل جرعة الدواء، تعديل الفاصل بين جرعة وأخرى واستخدام جديد للدواء، الخ...)، كما أن بعض الهدايا (العينات الطبية، المجلات الطبية والنشرات الدورية) يمكن أن تكون ذات فائدة علمية لكل من الطبيب و المريض.

و بالتالي فإن ما نسعي إليه في هذه المقالة هو محاولة إيجاد مجموعة من الخطوط العريضة من المبادئ التي تساعد على إبقاء العلاقة بين الطبيب ومندوب الدعاية الطبية والتفاعل المتبادل بينهما داخل منظومة من القيم والمبادئ الأخلاقية التي تضمن مصلحة جميع الأطراف المريض، الطبيب، والمندوب. ولعل هذه الخطوط التي نقتبسها من الجمعية الطبية الاميركيةAmerican Medical Association تساعدنا على ما نصبوا إليه:

1 - إن أية هدية أو أعطية يقبلها الطبيب يجب أن تنطوي على ما يحقق منفعة المريض و يجب ألا تكون قيمتها المادية كبيرة.

وبناء عليه فإن الكتيبات العلمية و المنشورات الطبية أو الدوريات، ودعوات الطعام، وغيرها من الهدايا تعتبر مقبولة إذا كانت بهدف علمي وتثقيفي بحت، وأية دفعات نقدية مباشرة تعتبر مرفوضة حتما، كما أن استعمال عينات الأدوية المجانية للاستخدام الشخصي من قبل الطبيب أو أحد أفراد عائلته مسموح به طالما لا يحرم المرضى من هذه العينات أي أن الأولوية في استخدام العينات المجانية هي للمرضى ومن غير المقبول أن يطلب الطبيب عينات مجانية لاستخدامه الشخصي أو لاستخدام أي من أفراد عائلته.

2 - إن الهدايا الشخصية التي تقدم للطبيب مقبولة إذا كانت قيمتها المادية في الحدود الدنيا وطالما كانت لها علاقة بعمل الطبيب (أقلام، مفكرات، إلخ...) .

3 - تعرف هيئة الشؤون القانونية و الأخلاقية في الجمعية الطبية الاميركية الاجتماع أو المؤتمر بأنه أي نشاط يعقد في مكان مناسب ويكون التجمع فيه مكرسا من ناحية الوقت و الجهد لفعاليات و أنشطة علمية تثقيفية وموضوعية ويجب أن تكون واحدة أو أكثر من المحاضرات التثقيفية المقدمة هي محور هذا التجمع ، ويكون الهدف الأساسي لهذا التجمع هو لتعميق معرفة المشاركين بالموضوع أو المواضيع المطروحة في المؤتمر. كما يجب التصريح عن أي دعم مالي مقدم لهذا المؤتمر أو الإجتماع وعن أي اختلاف فيما لو وجد في الدوافع بين المشاركين والجهات الداعمة لهذا المؤتمر أو الاجتماع.

4 - تعتبر المنح النقدية المقدمة لمؤتمرات التعليم الطبي المستمر أو المؤتمرات التخصصية المهنية التي تساهم في خفض نفقات المشاركة فيها وتؤدي إلى تطوير وتحسين مستوى الرعاية الطبية المقدمة للمريض، مسموحة، ولكن بما أن المنح النقدية المقدمة مباشرة من مندوب الدعاية إلى الطبيب يمكن أن تخلق نوعاً من العلاقة التي لا بد لها أن تؤثر على مدى تركيز الطبيب على منتج الشركة المعنية في ممارسته فإن هذه المنح يجب أن تقدم إلى الجهة المسؤولة عن تنظيم المؤتمر أو التجمع و التي بدورها تستخدم هذه المنح النقدية لتخفيض نفقات الإشتراك في المؤتمر و يجب أن يمتنع الطبيب عن قبول أي عرض نقدي مباشر من شركة لتغطية نفقات مشاركته في مؤتمر .

5 - إن المنح النقدية المقدمة من الشركات سواء بشكل مباشر أو غير مباشر تعتبر مرفوضة فيما لو كان الغرض منها هو تغطية نفقات السفر والإقامة أو غيرها من النفقات الشخصية للطبيب الذي يحضر مؤتمرا اجتماعيا علميا أو كتعويض عن وقت الطبيب الذي سيقضيه في المؤتمر.

كما أن المنح النقدية المقدمة لأنشطة الضيافة تعتبر غير مقبولة إلا إذا كانت ضمن مجال وجبات الطعام أو الأنشطة الاجتماعية التي تقام على هامش أعمال المؤتمر أو الاجتماع.

و تعتبر المكافآت النقدية المعقولة المقدمة لكلية من الكليات الجامعية أو لهيئة علمية مشاركة في المؤتمر أو الإجتماع مقبولة شأنها في ذلك شأن البدلات النقدية المعقولة المقدمة لها لتغطية نفقات السفر والإقامة والإطعام، وينطبق الأمر نفسه على الاستشاريين المشاركين في الاجتماع أو المؤتمر إذا كانوا سيساهمون في إغناء أنشطته حيث أنه من المقبول بالنسبة لهم أن يتسلموا تعويضا «معقولا» ويحصلوا على بدل نقدي معقول لتغطية نفقات سفرهم وإقامتهم و إطعامهم.

6 - تعتبر المنح الدراسية أو غيرها من أشكال المساعدات التي تمكن طلاب كليات الطب أو الأطباء المقيمين أو زملاء الكليات من حضور بعض المؤتمرات العلمية التي يتم اختيارها بعناية مقبولة طالما أن اختيار الطالب أو المقيم أو الزميل الذي سيتسلم المنحة يتم بواسطة المعهد أو الهيئة الأكاديمية أو التدربيبة التي ينتسب إليها. ويمكن تعريف المؤتمرات العلمية المختارة بعناية بأنها تلك المؤتمرات أو الاجتماعات الكبرى التعليمية أو العلمية أو التي ترسم السياسات والتي تعقدها الجمعيات الإقليمية أو العالمية أو التخصيصية الطبية.

7 - يجب أن ترفض أية هدية تقدم كمقابل أو حافز للطبيب على أداء فعل ما، على سبيل المثال أي هدية تقدم للطبيب في مقابل قيامه بكتابة وصفات طبية بالمنتج الطبي من الشركة المعنية.

كما أنه يجب الحذر عند قيام الشركات بالمشاركة في تغطية نفقات مؤتمر طبي أو محاضرة علمية لجهات أخرى و التأكيد على أن مسؤولية اختيار الموضوع والجهات المشاركة والوسائل التعلمية المستخدمة هي من صلاحيات الجهات المنظمة للمؤتمر أو المحاضرة فقط. وفي النهاية لا يسعنا إلا ان نتذكر ما يقوله ابقراط في قسمه.

* صيدلي بوزارة الصحة في دولة الإمارات العربية المتحدة