من يدير الإنترنت؟

د. أحمد عباس سندي*

TT

يجتمع ممثلو شعوب العالم في جنيف من 10 إلى 12 ديسمبر (كانون أول) الحالي، وذلك للمرحلة الأولى من القمة العالمية لمجتمع المعلومات، تأكيدا لرغبتهم المشتركة والتزامهم ببناء مجتمع معلومات جامع يرتكز على الناس، غايته تحسين نوعية حياتهم بطريقة مستدامة، ويسخر إمكانيات تقنية المعلومات للوصول لأهداف التنمية. ويتبنى المجتمع الدولي مجموعة من البرامج والمبادرات التي تهدف إلى نشر تقنيات الاتصالات وتطبيقات تقنية المعلومات، وبخاصة الإنترنت على مستوى مختلف شعوب العالم وشرائح المجتمع المختلفة، بغض النظر عن وجودها في القرى أو المدن، وبغض النظر عن مداخيلها أو تركيباتها الاجتماعية والديموغرافية. وهو الأمر الذي يستلزم استثمار المليارات في أجهزة وبرامج وشبكات الاتصالات وتقنية المعلومات، وكذلك في أتمتة الإجراءات وتبسيطها، بالإضافة إلى تغييرات كبيرة في السياسات التحفيزية وبرامج التعليم والتدريب، والهدف تغيير المجتمع برمته بطبقاته المختلفة، وبتدخل الحكومات والقطاع الخاص والمجتمع المدني في صورة شراكات فاعلة، لنقله إلى مجتمع معلومات مبني على اقتصاد رقمي معرفي.

هذه الاستثمارات الهائلة في تقنية الاتصالات والمعلومات تقع الإنترنت فيها موقع العامل اللاحم (والتي لم تكن لتوجد إلا على شبكات اتصالات حديثة متطورة منتشرة) الذي يربط الأفراد والأنظمة ببعضها البعض ويجعل التواصل السلس بينها ممكناً.

في هذا المجتمع ظهرت الإنترنت كأحد أهم البنى التحتية التي تمكن البشرية من التواصل والوصول إلى المعلومات، ونقلها والمشاركة فيها بصورة تؤهلها لأن تدفع عجلات الكثير من الأنشطة الاقتصادية، بدءا من عمليات البيع والشراء فيما يسمى بالتجارة الإلكترونية، وانتهاء بتمكين المواطن من الحصول والوصول للخدمات الحكومية، كالحصول على جواز سفر أو رخصة قيادة من منزله فيما يسمى بتطبيقات الحكومة الإلكترونية.

لذلك أصبحت إدارة الإنترنت قضية محورية على الأجندة الدولية، وبالتالي على جدول قمة مجتمع المعلومات، وان إدارتها يجب أن تكون متعددة الأطراف وشفافة وديمقراطية، تكفل التشغيل الآمن المستمر للإنترنت وتوزع الموارد توزيعا ًعادلاً. ولقد أصبح هذا الموضوع محور انقسام كبير بين معسكرين، المعسكر الأول يرى أن إدارة الإنترنت الحالية التي تتم عن طريق شركة خاصة تقوم بتحديد أسماء وعناوين نطاقات الإنترنت، ولا تخضع للمعاهدات الدولية يجب أن تستمر كما هي عليه، وانه لا مشكلة من الوضع الحالي. ومعسكر ثانٍ أغلبه من الدول النامية، التي هي في طور النمو، يرى أن هذا الوضع لا يمكن من الاستمرار، وأن الحكومات يجب أن يكون لها دور جوهري فاعل في إدارة الإنترنت، مع الاعتراف بدور القطاع الخاص والمجتمع المدني. ولكن لابد من أن يكون للحكومات القول الفصل فيما يتعلق بالسياسات العامة المتعلقة بالإنترنت والتي تهمها خصوصاً أنها سوف تقوم بضخ المليارات لتحويل حكوماتها ومؤسساتها واقتصادياتها إلى اقتصاديات رقمية ترتكز على استخدام الإنترنت، الأمر الذي يجعل من الأهمية بمكان المحافظة على هذه الاستثمارات وعدم تعرضها لأخطار محتملة، من أسلوب إدارة الإنترنت أو أمنها، وتستشهد بحوادث مثل إلغاء الاسم المخصص لدولة من الدول وإعطائه إلى شركة تبيع موسيقى الروك اند رول، بحيث يمكن حرمان جميع مواطنيها من الحصول على خدمات تم استثمار مئات الملايين فيها.

دفع هذا الخلاف حول إدارة الإنترنت بالموضوع على الطاولة العالمية، وأصبح من أهم النقاط التي يتم التباحث بشأنها في إطار القمة العالمية لمجتمع المعلومات، والسؤال هو هل سيبقى الوضع كما هو عليه؟ أم سيعاد النظر فيه بطريقة تحمي استثمارات هذه الدول في إطار التحول إلى مجتمعات رقمية؟ أم أن تقوم منظمة دولية تحت مظلة الأمم المتحدة بهذا الدور؟

وبغض النظر عما سيؤول إليه القرار، إلا أن الوضع أصبح ساخناً جداً، وان الإنترنت قد جلبت الاهتمام العالمي، وان العديد من خيارات التنمية قد أصبحت مرتبطة بها. والكل الآن في انتظار قرار قادة العالم في مؤتمرهم المقبل في جنيف، الذي ستتجاوز اهتماماته الاتصالات وتقنية المعلومات، لتتعداها إلى التنمية والمصالح الاقتصادية والسياسية.

* متخصص سعودي في الاتصالات والمعلوماتية E-mail:[email protected]