الروبوتات لا تزال بعيدة عن حلم الإنسان بتطوير آلات مفكرة واعية

الإنسان آلة مدهشة والتقدم التكنولوجي سيتيح صنع آلة قريبة من الصفات البشرية

TT

بدأ ميدان الذكاء الصناعي بأحلام تهدف الى صنع آلات مفكرة، وواعية إن أمكن، ولكن حتى الآن بقيت الانجازات متواضعة. ولم يستطع احد حتى هذا الوقت ان ينتج برنامج كومبيوتر حائزا على شهادة التأهيل من امتحان «تورنغ».

في عام 1950 تخيل ألن تورنغ الرائد في علم الكومبيوتر، انه يمكن اعتبار الكومبيوتر ذكيا اذا اجاب بطريقة لا تختلف عن إجابات الانسان. ولكن هذا الميدان تطور للتركيز على حل مشاكل عملية مثل البرمجة المعقدة، اكثر منه على «منافسة» الاجوبة التي يعطيها الانسان.ولكن مع استمرار تحقيق مكاسب في القدرة الحسابية، فان العديد من الخبراء ما زالوا يعتقدون أن الأهداف الأساسية للذكاء الصناعي ستكون قابلة للتحقيق خلال عقود قليلة. بعض الناس امثال الدكتور هانس مورافيك، بروفسور علم الرجل الآلي في جامعة كارنيغي ميلون في بتسبورغ، يعتقدون ان الانسان ليس اكثر من آلة مدهشة وانه مع التقدم التكنولوجي سيصبح ممكنا صنع آلة لها نفس الصفات البشرية، اذ لا يوجد شيء سحري في ما يتعلق بالدماغ او اللحم البيولوجي! ويقول مورافيك «انا واثق من استطاعتنا صنع رجل آلي يقوم بنفس الاعمال البشرية بكل تفصيلاتها، وتستطيع ان تمتحنه اذا شئت كما يحلو لك عن حياته العقلية الداخلية وسيجيبك كأي شخص عادي». وفي سياق البحث عن آلات واعية يطرح السؤال نفسه: هل باستطاعة الرجل الآلي ان «يعقل»؟ انه سؤال ثلاثي التشعب. ما هو الوعي؟ هل تستطيع زرعه في آلة؟ وان استطعت، فكيف لك ان تتأكد من ذلك؟

الوعي مختلف عن غيره من المسائل العلمية الاخرى، أي وعي الشخص بالعالم المحيط به، يوجد في عين الناظر. انا استطيع ان اعلم انني مدرك، أي واع، ولكن كيف لي ان اعلم ان كان المقابل لي، مدركا ام لا؟ هل يمكن لاصدقائي وزملائي ومنقحي كتاباتي وزوجتي وولدي وكل الناس الذين أراهم في شوارع نيويورك ان يكونوا آلات متحركة «غير عاقلة» ولكن يظهرون وكأنهم أناس مدركون؟

قد تجعل هذه النقطة الموضوع مدارا للبحث. ومن خلال المشابهة المنطقية ، أي بما انني انسان مدرك فأنت ايضا انسان مدرك، استنتج انني على الأرجح لست الدمية البيولوجية الوحيدة المدركة في هذا العالم. اذا وسعنا هذا السؤال الى الوعي عند مخلوقات اخرى، يبدأ الشك بالنمو. هل يعقل الكلب؟ السلحفاة؟ الذبابة؟ شجرة الدردار؟ الصخرة؟

«ليس لدينا المقياس الأسطوري للوعي،» يقول د. دايفيد جي. شالمرز، البروفسور في الفلسفة ومدير مركز دراسات الوعي في جامعة اريزونا. ويضيف «كل ما يمكننا العمل به مباشرة هو التصرف»، ومن دون مفهوم اولي للوعي، فان فكرة غرسه في آلة، او التوصل الى فهم كيفية تنمية الآلة لهذا الوعي، تصبح تقريبا امرا غير واضح كلية. ولكن، وبالنسبة للدكتور مورافيك فإن من يتصرف بوعي يكون واعيا، وأي سؤال اضافي لا معنى له. يعتبر شالمرز الوعي احدى الخصائص التي لا تمحى، لهذا فانه من غير المجدي البحث عنها او رصدها، ويقول: «علينا ان نقر ان بعض الاشياء اساسية ولا يمكن تبسيطها اكثر. ان هناك وعياً بدائياً سابقاً، نجده في اصغر المخلوقات واكثرها بدائية حتى البكتيريا مثلا».

ولا يرى شالمرز أي فارق أساسي بين مخلوق من لحم ودم، وآخر مصنوع من المعدن والبلاستيك والدوائر الالكترونية، وهو يقول انه متقبل تماما لفكرة صنع آلة واعية في نهاية الأمر، رغم كونها غريبة. ويضيف انه اذا دخلت في حديث مع الرجل الآلي حول موضوعات بدءا من الفيلسوف إيمانويل كانت الى لعبة البيسبول، «سنكون على ثقة من أنه واع تماما كغيره من الناس العاديين». ونجد آخرين يعتقدون انه مهما بلغت درجة تطور الآلات فانها لن ترقى الى مستوى الانسان.

قد تتحول النقاشات الى ألغاز. ففي كتابه «ظلال الفكر» يضع د. روجر بنروز عالم الرياضيات في جامعة اوكسفورد في انجلترا، نظرية «عدم الاكتمال» في الرياضيات، وهو يستعمل هذه النظرية التي تقول ان اي نظام من النظريات تدخل فيه طروحات لا يمكن برهنتها، ليقول ان أي آلة تعتمد على الحسابات، كما في حال الرجل الآلي، ستقصر حتما عن انجازات علماء الرياضيات. ويضيف ان الوعي هو تأثير ميكانيكا الكم الذي يتناول ادق التكوينات في الدماغ، الذي تفوق امكاناته امكانات اي كومبيوتر.

* خدمة نيويورك تايمز: خاص بـ«الشرق الأوسط»