أمراض الكبد الأكثر انتشاراً في مصر بسبب البلهارسيا والالتهاب الفيروسي

18 مليون شخص مصابون بالبلهارسيا في مصر 10 بالمائة منهم يصابون بالفيروس الكبدي و130 ألفا في حاجة إلى زراعة كبد

TT

أمراض الكبد هي الأكثر انتشارا بين أمراض المصريين، والأكثر خطرا على حياتهم وأعمالهم منذ زمن بعيد، وصراعهم مع البلهارسيا ـ أكثر أسباب اصابة أكبادهم بالمرض ـ هو صراع درامي، لأن البلهارسيا تعيش في الارض التي يفلحون فيها، ليأكلوا منها، ويأكل غيرهم، البلهارسيا التي اكتشفها العالم الالماني تيودور بلهارس سنة 1858 اثناء تشريحه لجثة متوفى في قصر العيني، واطلق عليها «البلهارسيا» نسبة إليه، أصبحت الآن تحت السيطرة والتحكم بفضل الجهود الحكومية، وانتشار الوعي الصحي وسبل الوقاية والعلاج بين الفلاحين، لكن ما ان تم القبض بيد من حديد على البلهارسيا حتى ظهر وباء جديد هو إلتهاب الكبد الفيروسي وبخاصة فيروس «سي» الذي اكتشف عام 1989، والذي أصبح مشكلة قومية أولى بالرعاية لان نسبة المصابين به بلغت 12.8 في المائة من عدد السكان، وهي نسبة تماثل عشرة أضعاف المصابين به في أوروبا. سألنا الدكتور محب مسعد استشاري الجهاز الهضمي والكبد بجامعة الكويت عن البلهارسيا بين الأمس واليوم، وكيفية الاصابة بها؟

فقال: لا تزال البلهارسيا مشكلة رئيسية في مصر، لأنها تصيب حوالي 18 مليون شخص، ولا تتوقف مضاعفاتها اذا لم يتم علاجها، ومشكلتها انها في الأرض التي يعمل فيها الفلاح، وفي المياه والترع التي تروي أرضه، وبينما يعمل الفلاح في الماء الملوث تخترق السركاريا وهي الطور المعدي جسم الانسان، ثم تسير مع الدم حتى تصل الى الأوعية الدموية في الرئة ثم الكبد ثم تبلغ الوريد البابي في الكبد، ويستمر الصراع بين الخلايا الدفاعية في الجسم وبويضات البلهارسيا، ينتج عنها في النهاية تكون ألياف، وارتفاع الضغط في الوريد البابي مما يؤدي الى ظهور دوالي المريء وحدوث النزف والقيء الدموي، بينما تسبب البلهاريا البولية البول المدمم، والمؤلم، وتؤثر على المثانة والكلى، وتسبب ضيقاً شديداً في الحالبين، وقد ينتهي الأمر بالاصابة بسرطان المثانة. وفي كل الحالات فالمريض منهك، وخامل، ويشكو من ارتفاع في درجة حرارته وضيق في التنفس، وتضخم في الطحال، والكبد، وأنيميا، وضعف في المناعة، وسرعة النزف، وهذا في حالة البلهارسيا المعدية.

* ما العلاقة بين البلهارسيا وفيروس «سي»؟

ـ لوحظ ان 10 في المائة من مرضى البلهارسيا يعانون من الاصابة بفيروس «سي» وأرجع هذا الى ان هؤلاء كانوا يستخدمون إبر حقن ملوثة أثناء علاج البلهارسيا بعقار تارتر امتيك (الطرطر المقئ) الذي كان حملة قومية وقتها، وتقول ابحاث حديثة انها اثبتت ان الفيروس «سي» يسكن في بويضة البهارسيا، وهو أمر غير مؤكد بعد. إن البرازي كوانتيل هو عقار معالجة البلهارسيا المعوية وتؤخذ جرعة واحدة هي عبارة عن أربعة أقراص، ويشكل والبلتارسيد جرعة واحدة أيضاً ستة أقراص لعلاج البلهارسيا البولية، لكن الأهم هو الوقاية بعدم التبول والتبرز في الترع والمصارف، والافضل أن يكون هناك اجراء عام يمنع الناس عن الخوض في المياه الملوثة لمدة تزيد على 48 ساعة لأن هذه المدة كافية تماما للقضاء على طور «اليراسيديوم» الذي يسبب السركاريا وهو الطور المعدي في البلهارسيا، ولو امتنعت الناس في مصر عن دخول المياه الملوثة في هذه المدة لقضينا على البلهارسيا. في مصر.

* التهاب فيروسي * هل لنا أن نتعرف على فيروس «سي»؟

ـ هو فيروس لا نعرف له صورة ولا شكل على وجه الدقة، ولهذا فلا يوجد طعم له مثل فيروس مثلا، لان التطعيم يعتمد علي فكرة ان تخلق اجسام مضادة، لكن الاجسام المضادة في فيروس «سي» لا تستطيع التأثير على الفيروس لأنه دائم الهروب منها، وهذه في رأيي صفته الأساسية، انه يجيد الهرب والاختفاء، والتنكر، وقد بذلت محاولات لمدة عشرين سنة أو أكثر بحثا عن اختبار لتشخيصه، لكنه ينشط أطوارا، ويخمل في أطوار أخرى ويخمد، وله قدرة كبيرة على التحايل أمام الجهاز المناعي والعقاقير. وهو يتكون من الحامض النووي الريبوزي RNA على شكل كروي وتركيب نووي داخلي، ويوما بعد يوم تزداد أنواعه عددا، منها الآن ما لا يقل عن عشرين نوعا جينيا، عدا الانواع الفرعية التي تندرج تحت هذا العدد، وتتفاوت حدتها وشراستها، ووداعتها، ومن الطريف ان النوع رقم 1 منتشر في اميركا، وهو الأشرس ربما باعتباره يتعامل مع القوة الأولى في العالم، بينما النوع المنتشر في مصر هو النوع رقم 4 وهو فيروس يبدأ كسولا بطيئا، ولا تظهر أعراضه واضحة إلا بعد الاصابة بسنوات قد تصل الى العشرين عاما.

* من هم أكثر الناس اصابة به؟

ـ الفئة العمرية بين 20 ـ 39 أكثر اصابة من الفئات العمرية الأخرى، والرجال أكثر اصابة من النساء. والأهم من هؤلاء هو كل من يعرض دمه السليم لدم ملوث حتى لو كان وخز إبرة التي تسبب 4 في المائة من حالات الاصابة سواء بنقل دم ملوث الى شخص سليم، أو باستخدام آلات جراحية ملوثة وغير معقمة، وكذا آلات الاسنان، أو الإبر الصينية الملوثة، وحتى العدسات الملوثة، باعتبار انه قد ثبت وجود الفيروس في الدموع، وكذلك استخدام أدوات الأظافر الملوثة أو أمواس الحلاقة الملوثة في محلات التجميل، وأمشاط الشعر وأدوات الوشم الملوثة، وليس لهذا كله من سبيل إلا تجنبه بالتعقيم.

* والمطهرات والغليان؟

ـ لا تجدي، ولا يقتل الفيروس غير التعقيم، بينما المطهرات كالسافلون والديتول والغليان لا تقتل فيروس «سي».

* هل الجنس من وسائل الاصابة بالفيروس «سي»؟

ـ اذا حدث ان جرح أحدهما وكان مصابا، ووقع دم هذا على جرح الآخر السليم حدثت الاصابة، لكن هذا غير مؤكد الحدوث في العلاقات السوية بل يكاد يكون معدوما، إلا اذا كانت العلاقات شاذة باستخدام عنيف للشرج أو الفم الذي يؤدي الى جرح ـ ولو بسيط ـ يصل بين دم المريض والسليم.

* هل ينتقل «سي» من الأم للجنين؟

ـ الحق ان هذه الحسنة الوحيدة التي لا يفعلها الفيروس «سي» بينما يفعلها الفيروس «بي» لكن الأمر يختلف قطعا بعد الولادة فيسري على الطفل ما يسري على أي شخص من حيث طرق الاصابة.

* هل ينتقل الفيروس «سي» عن طريق أدوات المائدة أو الأكواب أو الطعام؟

ـ الفيروس «أيه» هو الذي ينتقل بهذه الطريقة، وهو نوع يتم شفاؤه سريعا ولا يترك أية آثار، لكن اذا حدث وكان مريض بالفيروس «سي» قد ترك دما على أي من الأكواب أو أدوات المائدة، واستخدمها شخص آخر لديه جرح، نفذ منه هذا الدم، فانه يصاب بالفيروس هو الآخر.

* ما وجه الاختلاف بين الفيروس «بي» و«سي»؟

ـ يعتبر «بي» فيروساً كبدياً مئة في المائة لا يصيب إلا الكبد، بينما «سي» يصيب أماكن أخرى مثل البنكرياس والكلى، ونحن نعرف شكل وصورة «بي» ونعرف طعما واقيا له عكس «سي»، الذي ينتقل بالدم فقط بينما «بي» ينتقل بالدم، وعن طريق الجنس، ايضا، وان 15 في المائة من الحالات المصابة بالفيروس «سي» تتحسن تلقائيا ودون علاج، مقابل 90 في المائة من حالات الاصابة بالفيروس «بي» تتحسن تلقائيا ودون علاج.

* أعراض الإصابة

* ما هي أعراض الاصابة بفيروس «سي»؟

ـ في الأحوال الغالبة فإن «سي» لا تظهر له أعراض إلا بعد سنوات عديدة، وان 70 في المائة من الاصابات تكتشف مصادفة عند اجراء تحليل دم روتيني لوظائف الكبد، عن طريق الانزيمات، التي قد تكون مرتفعة، وقد تكون طبيعية رغم الاصابة. ان 15 في المائة ممن يصابون بالفيروس «سي» يمكنهم التخلص منه مبكرا ودون علاج، وربما دون أن يعرفوا أو يعرف أحد بالاصابة، وهؤلاء الناجون لديهم مناعة قوية، وهو ما نعمد إليه في العلاج عموما، بينما يصبح الباقون حالات مزمنة، ويظل الفيروس في أجسادهم مدى الحياة، وعند ظهور الأعراض فإنها تكون في صورة ارتفاع في درجة الحرارة، وتغير في لون البول، وفقدان الشهية، وزيادة ساعات النوم، وألم في المفاصل، والشعور بالتعب والإعياء والخمول بشكل متقطع، ثم يحدث تليف في الكبد بعد 10 الى 15 سنة وحتى بعد عشرين سنة، ثم يرتفع ضغط الوريد البابي، وتظهر الصفراء، والاستسقاء ونزيف المريء والفشل الكبدي بعد تليف الكبد الذي تتعطل وظائفه. وفي 5 في المائة من الحالات يحدث سرطان نتيجة التآكل في بعض الخلايا، نتيجة التليف، وتكون خلايا تعويضية جديدة ترص بطريقة غير طبيعية.

ان الصراع مع المرض همٌ في حد ذاته، لكن الصراع للحصول على الدواء والمتابعة المستمرة لدى أطباء ومعامل التحاليل همٌ أكبر، خاصة أن العقاقير والمعامل ليست في متناول أيدي كثيرين من المرضى، خاصة هؤلاء الذين لا تظلهم مظلات التأمين الصحي، وفي حوارنا مع الدكتور علي زكي حلمي استاذ الكبد بطب عين شمس ذكر أرقاما تصيب بعض المرضى بالاكتئاب فضلا عن أن عقار مثل الانترفيرون نفسه يصيب بالاكتئاب.

* كيف يتم تشخيص المرض بفيروس «سي»؟

ـ عن طريق التحليل باثبات اصابة المريض بالفيروس وليس بالاجسام المضادة، وهو تحليل يسمى PCR، وكذا عن طريق أخذ عينة من الكبد وتحليلها لتحديد مرحلة المرض، واذا ثبت ان الكبد غير متليف فإن نسبة التحسن قد تصل الى 70 في المائة.

* وما هو العلاج المناسب؟

ـ غذاء قليل الملح خال من الدهون ذو أهمية كبرى، ثم تقوية الكبد باعطاء فيتامينات ومعادن تساعد على تجديد خلاياه، وكذا اعطاء مضادات الأكسدة التي تحمي خلايا الكبد، وعلاج الاعراض مثل تورم القدمين بمدرات البول، ثم العلاج بمضادات الفيروسات مثل الانترفيرون.

* ما دور الانترفيرون في العلاج، وهل هناك علاج أحدث؟

ـ له دور مهم عندما تتوافر شروط اعطائه التي تخضع لقواعد علمية محددة يجب مراعاتها حماية للمريض أهمها أن تكون الانزيمات اربع أضعاف المعدل الطبيعي وان تظل في ارتفاع مستمر، وان يكون الفيروس عالي النشاط وألا تكون هناك مضاعفات للحالة مثل دوالي المريء أو الاستسقاء مثلا، ولا بد من الاعتماد على عينة من الكبد تبين درجة التليف التي يجب ان تكون محدودة جدا، لكن الانترفيرون سريع التكسير ولا تثبت نسبته في الدم مما يؤدي الى هروب الفيروس منه، ولذا كان يعطي ثلاث مرات اسبوعيا، بينما ظهر حديثا عقار انترفيرون طويل المفعول يسمى «بيج انترون» يحقق ضعف النتائج التي يحققها انترفيرون ويستمر العلاج به 48 اسبوعا، وهو عبارة عن حقنة تحت الجلد كل اسبوع وقيمتها 1400 جنيه مصري. ويشترط لاعطائه أن تكون كتلة الجسم أقل من 25 وكتلة الجسم هي وزن الجسم بالكيلو غرام مقسوما على مربع طول المريض بالمتر.

* نسبة 5% من المرضى المصابين بفيروس «سي» يصابون بسرطان الكبد، كيف يمكن الاكتشاف المبكر لهذا المرض؟

ـ هناك ضرورة قصوى أن يظل مريض الكبد على علاقة مستمرة بمعامل التحاليل، لأنها الأكثر كشفا لحالة الكبد، وهناك تحليل هام يشخص أورام الكبد وهو ألفافيتوبروتين في الدم، لكنه غالي الثمن، ولذا انصح بعمل تحليل مبدئي رخيص، وهو سرعة الترسيب في الدم الذي يعطي صورة لكنه لا يجزم بوجود سرطان الكبد، فاذا رأى الطبيب في مرحلة ما ضرورة عمل التحليل فلا بد منه ظروف المريض الاقتصادية لأن هذا المرض يكلف كثيرا.

* أحدث الطرق في علاج سرطان الكبد وعمليات وزراعته

* ما أحدث الطرق في علاج سرطان الكبد؟

ـ التردد الحراري، وهو استخدام إبرة توضع في جهاز معين، يكوى بها الورم المحدد الحجم فيحرقه، وتتم العملية تحت الموجات فوق الصوتية، وتتكرر كل ثلاثة أشهر اذا عاد الورم للظهور، لكن هذا العلاج لا يوجد في أماكن كثيرة، فالجهاز لا يقل ثمنه عن مائة وخمسين ألف جنيه مصري، والإبرة قيمتها حوالي ثلاثة آلاف جنيه مصري.

* هل يمكن التنبؤ بالغيبوبة الكبدية؟

ـ هناك مرحلة ما قبل الغيبوبة، تتميز بعدم وجود ردود أفعال حركية للجهاز العصبي والحركي والحسي، وظهور رائحة التفاح العطن من فم المريض، وأحيانا ما تملأ تلك الرائحة حجرته، وهي رائحة ناتجة من انتشار مادة الميثونين نتيجة تعطل وظائف الكبد واصابته بالفشل، وهناك اختبار بسيط بأن يطلب من المريض مد يديه أمامه، فتحدث رفرفة، وهو ما يعطي مؤشرا أنه في حالة ما قبل الغيبوبة.

* وما وسائل تجنب الغيبوبة؟

ـ علاج الامساك، وتطهير الأمعاء بشكل مستمر لكي يقل مستوى الأمونيا، وعدم تناول الكثير من البروتينات، يكفي غرام واحد لكل كيلو غرام من الجسم، وفي بعض الحالات ينصح بالامتناع عنها كليا.

* ما معنى الفشل الكبدي؟

ـ تليف كامل بالكبد، وحدوث ارتفاع في أنزيماته وفي الببلوربين، ووجود الصفراء، والاستسقاء، ثم غيبوبة متكررة، وحدوث دوالي بالمريء تسبب النزف.

* من الذي يحتاج الى زراعة الكبد؟

ـ كل من يعاني الفشل الكبدي يلزمه اجراء عملية زراعة لكبد لأنها العلاج الوحيد.

* يبدو أن الأمر ليس بهذه السهولة؟

ـ قطعا، فهناك موانع تتعلق بالمريض نفسه كأن يكون كبير السن أو يعاني من فشل في أجهزة أخرى مثل الكلى أو القلب، أو إن كان مصابا بالايدز، أو أن كانت هناك اورام سرطانية منتشرة في مكان خارج الكبد. وهناك موانع أخرى تتعلق بالقانون الذي لا يسمح حتى الآن بعمليات النقل من متوفين حديثي الوفاة الى أحياء يحتاجون الزرع، وما يتم من عمليات الآن في مصر هو نقل جزء من كبد متبرعين أقارب الى ذويهم المصابين. وهناك المشكلة الأخرى التي تتمثل في ارتفاع تكلفة عملية زرع كبد، إذ تتراوح ما بين ربع الى نصف مليون جنيه مصري، ثم تكاليف أدوية تثبيط المناعة بعد الزرع.

* ما عدد المرضى الذين يحتاجون عملية زرع الكبد في مصر؟

ـ حوالي 130 ألف مريض.

* كيف بدأت عمليات زرع الكبد، وكيف وصل حالها الآن؟

ـ بدأت في العام 1955 على يد الجراح ويلش، لكن أول جراحة ناجحة تمت في اميركا سنة 1967 حين قام دكتور توماس استرزل باجراء أول عملية نقل كبد من متوفى حديث وزرعه في انسان مصاب، وفي مصر والسعودية تجري الآن ومنذ سنوات عمليات ناجحة، تتعدى نسبة النجاح فيها 80 في المائة يعيش المريض بعدها مدى قد يصل الى 15 عاماً وأكثر. الأمل الذي نتطلع إليه الآن هو استنساخ كبد بالهندسة الوراثية أو استثارة خلايا الكبد المتليفة بديلا عن زراعة الكبد، وذلك باستخدام منشطات كيميائية بشرية وهي تجارب أظهرت نجاحا مبشرا في أميركا.