البروفيسور ناجي الصغير لـ«الشرق الأوسط»: الكشف المبكر عن سرطان الثدي يرفع نسبة الشفاء إلى 90 في المائة

المرض يصيب النساء الأصغر سنا ومعوقات سياسية ومالية وديموغرافية تحول دون تأسيس سجلات للسرطان في الدول العربية

TT

سرطان الثدي من اكثر السرطانات انتشاراً في لبنان والدول العربية لدى النساء اللواتي تتراوح اعمارهن بين 30 و50 عاماً. ويشكل ثلث الحالات في جميع البلدان التي سجلت احصاءاتها، الا ان الملاحظ في هذا الامر لبنانياً هو اصابة النساء الاصغر عمراً وبنسبة كبيرة تصل الى 49 في المائة، في ما لا تتجاوز هذه النسبة في الولايات المتحدة ودول اوروبا الغربية ربع الاصابات.

هذه المعلومات اوردها طبيب امراض الدم والاورام والاستاذ المحاضر في الجامعة الاميركية في بيروت البروفيسور ناجي الصغير خلال حديث اجرته معه «الشرق الأوسط». ورداً على سؤال عن سبب الاصابة المبكرة بسرطان الثدي لدى نساء لم يتجاوزن الاربعين قال الصغير: «لا نزال نبحث عن الاسباب بشكل علمي، ربما للاصابة علاقة بالوراثة والتلوث، ونحن حالياً في طور دراسة هذين العاملين في الجامعة الاميركية في بيروت. وتتمحور الابحاث حول امور الوراثة والتغييرات التي تطرأ على بعض الكروموزومات التي يكمن ان تنتج حماية من سرطان الثدي.

* لكن لدينا هذه النسبة الزائدة تحت سن الخمسين. كيف يمكن تدارك خطرها؟

ـ هنا نشدد على أهمية الحماية والكشف المبكر والتوعية، وكلها في بلادنا لا تزال مبادرات فردية، رغم الحملات الموسمية للتوعية. يجب ان نصل الى اكثر من ذلك، يجب ان يكون لدينا برنامج متواصل للكشف المبكر، يتم تطبيقه وفق ارشادات اولها التوعية والفحص الذاتي مرة كل شهر ابتداء من سن العشرين حتى الثلاثين، ومع ان تعليمات المنظمات العالمية تحدد الاربعين سناً للفحص العيادي مرة كل سنة، الا ان حالات الاصابة المبكرة في منطقتنا العربية تفرض مزيداً من الحرص ولذا يجب ان تعمد النساء الى الفحص السريري في العيادة مرة كل عام ابتداء من سن الثلاثين والالتزام بالتصوير الشعاعي للثدي مرة كل سنة، ابتداء من سن الاربعين. وهنا أهمية توفير برنامج تعده وزارات الصحة في الدول العربية، يتضمن اولاً المراقبة والترخيص السنوي لمراكز التصوير الشعاعي وفق ارشادات ومواصفات علمية حتى تكون الاستفادة من التصوير الشعاعي اكثر من الضرر، ذلك ان التفاصيل التقنية المتعلقة بكمية الاشعة اثناء التصوير ونوعية تظهير الصورة وقراءتها للتقييم قد تسبب اضراراً وتؤدي الى عمليات جراحية لا لزوم لها. وللأسف فإن في معظم الدول العربية لا توجد رقابة على مراكز التصوير ونوعية المواد العلمية المفترض توفرها فيها، ولا ارشادات او تسهيلات للنساء بحيث يتوجهن الى المراكز الجديرة بالثقة لحمايتهن. لذا يجري العمل في لبنان وبالتنسيق مع بعض الجمعيات العلمية والجهات الرسمية، للوصول الى افضل الوسائل في هذا المجال. وثانياً نحن نسعى لتكوين سجلات طبية لكل امرأة، بحيث يتم متابعة حالاتهن الصحية والتذكير بمواعيد التصوير السنوية. والأهم ثالثاً هو تغطية التكاليف عبر شركات الضمان الرسمية والخاصة، التي لا تلتزم حتى الآن بأي تغطية لنفقات الكشف المبكر من دون وجود عوارض المرض.

*ً يتكلم الاطباء دائما عن الكشف المبكر ماذا عن العلاج؟

ـ الكلام عن الكشف المبكر يكتسب اهميته الكبرى لأن من شأنه ان يرفع نسبة الشفاء من سرطان الثدي الى اكثر من 90 في المائة. وهذه النسبة مبنية على احصاءات لدى الدول الصناعية المتطورة. اما في بلادنا فما زلنا للأسف نرى حالات كثيرة وصلت الى مرحلة متقدمة، تتدنى منها نسبة الشفاء التام، بسبب عدم لجوء المرأة الى الكشف المبكر وعدم وجود المراجع المهتمة بتذكيرها وتشجيعها على هذا الامر. اما وسائل العلاج فقد اصبحت تشمل الجراحة الجزئية، ولم يعد ضرورياً استئصال الثدي بالكامل والغدد الابطية والمتابعة بالعلاج بالأشعة والعلاج الكيميائي والهورموني وفق مواصفات الفحص النسيجي ومرحلة المرض والجراحة الجزئية للثدي تتطلب مهارة وخبرة ودقة ومتابعة، ذلك ان احتمال عودة موضعية للمرض بنسبة ضئيلة خلال فترة طويلة قد تصل الى 15 عاماً يبقى موجوداً، لكنه وفي حال اكتشافه مبكراً يعالج ولا يؤثر في حياة المصابة.

والجديد في العلاج الوقائي بعد الجراحة وفق دراسة عالمية اثبتت تخفيض احتمالات عودة المرض هو اعطاء السيدة دواء توموكسفين ُTomoxifen المضاد للهورمونات لمدة خمس سنوات يتبعه دواء جديد هو Letrozole المانع للهورمونات لمدة خمس سنوات اخرى. وذلك لدى النساء اللواتي تجاوزن سن اليأس (Menaupause).

* ما هي صعوبات تقديم افضل عناية للحماية من سرطان الثدي؟

ـ تعترف منظمة الصحة العالمية بصعوبات كثيرة لتأسيس سجلات السرطان في البلدان النامية. هذه الصعوبات اسبابها متعددة، منها السياسية او المالية او الديموغرافية (التوزيع السكاني) او بسبب اولويات صحية اخرى. ومثل معظم البلدان في الشرق الأوسط والدول النامية، فإن لبنان لا يملك سجلاً وطنياً متكاملاً للسرطان ويعتمد على الاحصائيات والتقديرات من مستشفياته ومؤسساته الصحية الكبرى. وكذلك نذكر ان سجلات واحصائيات الموتى غير متوفرة الا اننا نقدر عدد حالات السرطان الجديدة بـ 3500 الى 4000 حالة جديدة سنوية من العدد الاجمالي للسكان الذي يقدر بحوالي 3.5 الى 4 ملايين. سرطان الثدي هو السرطان الاكثر شيوعاً عند النساء في لبنان.

* هل يمكن توضيح واقع المرض في لبنان؟

ـ المركز الطبي للجامعة الاميركية في بيروت هو مستشفى عناية اولية واكاديمية وسعته 450 سريراً، وهذا المركز هو من اكبر المستشفيات في لبنان ويشرف على عناية ثلث حالات السرطان في لبنان. كما ان مستشفى الجامعة الاميركية في بيروت يملك سجلاً متكاملاً للأمراض السرطانية وسجلت فيه 16.421 حالة من سنة 1983 الى 2000، ومن هذه هناك 8007 عند النساء منهن 33% (2673 حالة) سرطان ثدي، حسب الدراسة الجديدة التي نشرناها في المجلة الطبية اللبنانية.

معدل العمر عند هؤلاء النساء المصابات بسرطان الثدي هو 49.8 سنة وقد تم احتساب نسبة الاصابة مع العمر المعدل 30.6(ASR) لكل مائة الف امرأة، مع نسبة خامية غير معدلة 27.7. وكانت اعلى نسبة اصابة معدلة هي 69 لكل مائة الف 100000 سيدة في عمر 50 الى 59 سنة، تليها 79 لكل 100000 امرأة في عمر 40 الى 49 سنة، ثم حالة 77 لكل 100000 سيدة من عمر 60 الى 69 سنة. وهكذا نبين أن سرطان الثدي يصيب السيدات في لبنان في عمر أصغر من السيدات في دول اميركا وأوروبا. وهذه النسبة الاعلى لسرطان الثدي عند السيدات الأصغر عمراً تم ايضاً رصدها من احصائيات البلدان المجاورة وعدد من البلدان النامية الاخرى.

وتختلف نسبة الأصابة بين مجموعة بشرية وأخرى. ونلاحظ هنا ان الولايات المتحدة لديها نسبة كبيرة من المتحدرين من اصول عربية وشرق اوسطية ونشير الى اهمية دراسة هذه الفئات العرقية خاصة في ديترويت وميتشيغان حيث تقطن نسبة كبيرة منها. واذا تم اكتشاف تغييرات عند هذه الجماعات المهاجرة فسوق يكون لذلك اهمية كبرى لاعتماد التوعية والكشف المبكر والوقاية.

* ما هي العقبات التي تواجه تحسين نوعية العلاج لمرضى السرطان في لبنان؟

ـ مثلما يحصل في معظم الدول، فإن الاطباء والجمعيات الطبية في لبنان مثل نقابة الاطباء والجمعية اللبنانية لأطباء التورم الخبيث والاتحاد اللبناني ضد السرطان يبذلون جهوداً كبيرة لتحسين الاداء الطبي ونوعية العلاج لمرضى السرطان. ولكن للأسف فإن السياسة والبيروقراطية والادارات الموروثة تجعل هذه المهمات صعبة. هناك برامج علاجية ومراقبة نوعية ومساندة للابحاث جيدة جداً في المؤسسات الخاصة المعروفة ولكن هذه البرامج ما تزال ناقصة في المراكز الصغيرة او البعيدة عن المدن الكبيرة. ان وزارة الصحة تخصص جهوداً واموالاً كثيرة على تقديم المساعدات للاستشفاء وتأمين الادوية للمرضى غير المضمونين وعددهم كبير. اما برنامج سجل السرطان في لبنان فما زال يعاني من صعوبات كثيرة.

* ما هي انواع السرطان التي تهدد اللبنانيين عدا سرطان الثدي؟

ـ عدا سرطان الثدي تسجل في لبنان اصابات بسرطان الرئة والمبولة لدى الرجال وللاثنين علاقة وثيقة بالتدخين. وقد تصل نسبة الاصابة بهما الى 85 في المائة من الحالات في صفوف المدخنين. ففي لبنان سبب سرطان المبولة هو التدخين، اما في مصر مثلاً فالنسبة الاكبر للاصابات هي بسبب التهابات البلهارسيا.

ونسبة الشفاء من سرطان الرئة متدنية جداً، ولا تتعدى 10 في المائة في معظم الحالات لصعوبة اكتشاف الاصابة مبكراً، رغم الابحاث العديدة في هذا المجال، يبقى الامتناع عن التدخين وحث الدول العربية على اصدار قوانين رادعة للترويج للتدخين عبر وسائل الاعلام من خلال الاعلانات المباشرة وعبر الافلام والمسلسلات من اهم عوامل الوقاية.

ويجب الاشارة الى ان الدراسات الجديدة تشير الى ارتفاع في نسبة سرطان البروستات لدى الكبار في العمر، وسببه اضافة الى الشيخوخة، الكشف المبكر عبر فحوصات الدم.

* كنت دائماً من المهتمين بالجانب النفسي لمرض السرطان كيف تطور هذا الاهتمام؟

ـ من المهم الاشارة الى الناحية النفسية لمرض السرطان، ففي بلادنا هناك نقص فادح وفاضح للمساندة النفسية لمريض السرطان، المريض يحتاج الى هذه المساندة خلال التشخيص وخلال العلاج وبعد العلاج وايضاً بعد الشفاء. لا يمكن انكار وجود بعض المجموعات التي يبقى تأثيرها محدوداً. ويفترض ان يقوم كل من الطبيب والممرضة والاهل والاصدقاء بهذه المساعدة، ولكن يجب توفير مجموعات تطوعية من قدامى المرضى والعاملين في حقلي المساعدة الاجتماعية والنفسية.

وفي لبنان مجموعة ناشطة هي «وعينا مواجهة» تهتم بالعناية بمرضى السرطان، من خلال دعوتهم الى اجتماعات دورية، اسبوعية في غالب الاحيان، واستعراض تجاربهم ومعاناتهم في اطار من التفهم والمساندة.

وغياب الدعم النفسي لمريض السرطان لاسيما لدى تشخيص المرض وبداية العلاج يسلب المريض قدرته على المواجهة ويحول دون شحذ ارادته للشفاء التي لها تأثيرها الايجابي ويزيد من فرص الشفاء ويحول دون الاستسلام للمرض.