ناسا تدرس مستقبل مكوك الفضاء في الرحلات المقبلة

التفكير بمكوك مخصص فقط لنقل المعدات من دون رواد فضاء إلى مدارات أعلى

TT

بعد بنائها لطائرة الفضاء المدارية الجديدة (او اس بي) لنقل رواد الفضاء الى مدار الارض واعادتهم ستعول ناسا على اسطول المكوك القديم لديها لا لنقل الرواد، بل لنقل البضائع الثقيلة فقط.

«هذه ناحية نضعها في حسابنا»، يقول غاري مارتن، المهندس الفضائي لناسا في واشنطن، ولكنها ليست الناحية الوحيدة.

بعد حصول مأساة المكوك كولومبيا تجدد النقاش حول المنحى المستقبلي الذي ستتخده ناسا والاجهزة التي ستحتاجها وكالة الفضاء هذه لكي تصل بها الى هناك.

على الرغم من ان هذا الاحتمال ليس منقوشا على الحجر إلا انه الارجح تحقيقا وهو ان ناسا ستفصل تماما بين نقل البشر ونقل البضائع الى المدار الارضي في تطويرها لمركبات الاطلاق المستقبلية.

«ان هذا الموضوع خاضع للنقاش دائما»، يقول مارتن موضحا ان مركبات الاطلاق مثل اطلس 5 ودلتا 4 تبدو مثالية لحمل طائرة «او اس بي» الى مدار الارض مع روادها بينما تحل الاجهزة المأخوذة من المكوك المشكلة الاكبر ألا وهي نقل البضائع.

مارتن يعلق على الـ «او اس بي» بشكل خاص وعلى حاجات ناسا في النقل الفضائي بشكل عام: «نحن مستعدون لتأمين نظام اكثر امانا واكثر موثوقية يعتمد على التقنيات الحديثة، وهو في نفس الوقت سيخفض الكلفة الاجمالية».

كم ستكلف اية فكرة من هذه الافكار من ناحية البناء او التشغيل لم يتحدد تماما بعد والدعم في الكونغرس لبرامج مثل الـ «او اس بي» يواجه بعض التحديات حاليا.

ويقول مارتن انه من المرجح ان ناسا «لم توضح الصورة جيدا. اعتقد ان الكونغرس يطلب معرفة كيفية تماشي برنامج الـ «او اس بي» مع الصورة الاكبر ونحن الآن بصدد القيام بذلك».

ويقول مارتن: «اذا ارادت الولايات المتحدة ان تكون أمة ترود الفضاء وان تستمر في استكشاف النظام الشمسي فإنها ستحتاج الى نظام متطور موثوق. والخطوة التالية هي تخطي ما كان عليه المكوك من حيث التطور التكنولوجي، وذلك من اجل السير قدما في هذا المضمار».

لكن اذا اعتمدت الـ «او اس بي» على اساس انها السفينة الفضائية المأهولة المقبلة ـ سواء أكانت ذات جناحين او بشكل كبسولة على طراز ابوللو ـ فإن ناسا ستحتاج مع ذلك لأن تنقل كميات كبيرة من البضائع الى المدار الارضي.

ما هي كمية البضائع المراد نقلها؟

يقول مارتن ان بعض الدراسات التي اكتملت دراستها تختص بالعودة الى القمر تتطلب اطلاق ما بين 265000 و 440000 رطل (120 ـ 200 طن متري)، وذلك فقط كخطوة اولى للمباشرة بالمشروع. الهدف هو اطلاق هذا الوزن في اقل عدد ممكن من الرحلات املا بتخفيف المخاطر والاكلاف ـ ولكن لا اجوبة سهلة هناك.

ومما قاله مارتن: «نحن ننظر بتمعن الى كل الامكانيات من دون اي استثناءات. وللاجهزة المأخوذة من المكوك اهمية كبرى في هذا المجال، اذ انه له بكل صراحة قدرة كبيرة على الرفع».

المكوك الفضائي كما هو الآن مصمم ليحمل ما يصل الى 65000 رطل (29480 كلغ) كحد اقصى الى مدار منخفض وهو مدار الارض المنخفض. ويتناقص هذا الرقم بسرعة عند التحليق على ارتفاعات اعلى اي حيث المحطة الفضائية العالمية تدور حول كوكبنا.

وبالمقارنة، فإن اقوى طراز من اطلس 5 يستطيع، حسب ما اعلن، ان يرفع 45238 رطلا (20520 كلغ) الى المدار الارضي المنخفض.

بوجود المكوكات المدارية الثلاثة في الفضاء حتى بعد ان تبدأ الـ «او اس بي» بالعمل، بالاضافة الى مركز الاطلاق وعدة مصانع في البلاد مخصصة لاجهزة المكوك، يقول مارتن: انه من المنطقي دراسة سبل الاستفادة من البنى التحتية هذه الموجودة.

* عودة الى لوحة الرسم

* ان فكرة تخصيص مكوك لنقل البضائع فقط ليست بالجديدة. ففي السبعينات والثمانينات درست هذه الفكرة وطورت الى حد ما في مركز مارشال للطيران الفضائي في هانتسفيل، آلاباما. وعرفت هذه المركبة الفضائية بالمكوك سي.

الخطة كانت استعمال نفس الهيكل الخارجي ودافعات الصاروخ الصلبة والمحركات الرئيسية لرفع علبة الشحن الصغيرة ـ التي لا اجنحة لها ـ الى المدار الارضي المنخفض، حيث يمكن للرواد المنتظرين هناك استعمال مركبة مناورات مدارية او سفينة فضاء من دون رواد مجهزة بذراع آلي لاستقبال الحمل المرسل.

ومثلما حصل في برنامج المكوك، فإن الهيكل الخارجي سيتم التخلي عنه وسيحافظ على الدافعات الصاروخية. وانطلاقا من هذا المفهوم سيتم الاحتفاظ بالمحركات الرئيسية للسفينة الفضائية لتعود الى الارض كجزء من حاضنة مجهزة بواق من الحرارة ومظلات.

تم بناء نموذج بالحجم الطبيعي لقطع الشحن و«جرابها الداسر» في مركز مارشال بهدف ارساله الى مركز كينيدي الفضائي لتحديد ما اذا كان مناسبا للعمل، وذلك على منصة الاطلاق، الاطلاق الاولي كان متوقعا في سنة 1995.

ولكن في عام 1990 مع سعي ناسا الى سبل لتمويل مكوك جديد (اصبح يعرف باسم انديفور) وكلفة المحطة الفضائية فريدوم الغت هذه الوكالة الفضائية عملها على المكوك سي.

اعتمادا على تشكيلاتها الدقيقة، فإنه بمقدور المكوك سي ان يرفع اوزانا تتجاوز الاوزان التي يرفعها المكوك العادي بنسبة الضعفين او الثلاثة اضعاف.

الجدير بالذكر انه بينما يتحسر المدافعون عن الابحاث الفضائية على خسارة الصاروخ القمري ساتورن 5 القادر على رفع الاحمال الثقيلة، فإن كثيرين منهم لا يرون ان المكوك هو فعلا دافع اضافي لرفع الاوزان الثقيلة في الصواريخ من فئة ساتورن 5. في الحقيقة ليس هناك سوى 100 طن من تلك الحمولة تعود الى هذا الجسم المداري المجنح الذي يمكن اعادة استعماله.

حسب رأي مارتن فإن فكرة المكوك المخصص لنقل البضائع فقط تبقى خاضعة للبحث، لكن ليس بالضرورة كما اقترح اساسا للمكوك سي.

* الجسم المداري المستقل

* «كل شخص يستعمل كلمة المكوك سي حتى أنا» يقول مارتن: «ولكن ما تعنيه هذه الكلمة حقيقة هو النظرة الاكثر عمومية بشأن القطع التي يتألف منها المكوك. وينوه مارتن بأن محركات المكوك الرئيسية المطورة والتجربة التي اجريت اخيرا لاطلاق المحرك الصاروخي الصلب ذي الاجزاء الخمسة ساعدنا على جعل المكوك اكثر جاذبية.

يقول مارتن: «انها مجموعة من القدرات مبنية على الاجزاء الموثوقة للمكوك التي نعرفها ونفهمها جيدا».

حقيقة الامر هي، كما يقول مارتن، اننا نعرف المكوك جيدا لدرجة انه حتى لو استغنينا عن نقله للبشر، فإن ديسكافيري واتلانتيس وانديفور قد تستمر في الخدمة بشكل آلي من دون رواد ـ وهذا ما تسميه ناسا الجسم المداري المستقل.

وعلى الرغم من عدم برهنة ذلك خلال الطيران، فإن المكوك قادر على الهبوط من تلقاء نفسه ما عدا تفصيل واحد مهم: مفتاح الهبوط يجب ان يخفض بواسطة الرائد. هذا المفتاح لم يحصل ان كان تلقائيا وذلك حسبما قيل، لكي تؤمن للرائد سلامة العمل.

«واذا حصلت مشاكل غير اعتيادية، فإنه من غير السهل حلها»، يقول مارتن متكلما عن المكوك في آخر مرحلة الطيران ومع اقترابه من المدرج. «هذه المرحلة التي يستطيع فيها الانسان اتخاذ قرارات سريعة، وهذا عمل قابل للتنفيذ».

ليست عملية الهبوط، بالضرورة اصعب مرحلة بالنسبة لطيران المكوك من دون رواد. فإن التقاء المكوك بالمحطة الفضائية والتحامه بها يدعو الى القلق بدرجة اكبر.

«الذي نحاول فعله هو فهم مدى صعوبة ذلك» يقول مارتن: «هذه ليست مسائل تافهة. الالتحام المستقل للمكوك الذي له هذا الحجم الكبير ينطوي على مخاطر كبيرة».