نظم الطاقة الكهروشمسية تغزو ضواحي المدن الأميركية

منازل تجهز بمولدات تؤمن احتياجاتها وترسل الطاقة الفائضة إلى شبكات الكهرباء * الخلايا الشمسية ستساهم بحصة فعلية في سوق الطاقة الأميركية تصل إلى نحو 30 في المائة من الاحتياجات بحلول عام 2030

TT

لم تصدق «جيل ستوكس» عينيها، عندما جاء اليوم الذي حولت فيها مفتاح الكهرباء الذي يشغل منزلها بأحد ضواحي مدينة نيو جيرسي، إلى مولد مصغر للطاقة. وفي ذلك اليوم تجمع أمام منزلها عدد من شاحنات شركة الكهرباء والطاقة و16 من الفنيين الكهربائيين، الذين بدا انهم لم يروا من قبل لوحة مفاتيح للطاقة الشمسية، وكان كل ما يريدونه هو رؤية عداد الكهرباء يسير في الاتجاه المعاكس بعدما اداروا المفتاح.

ودوران المفتاح للخلف يعني بيع الكهرباء المتولدة من الطاقة الشمسية للشركة، الامر الذي كان مجرد بدعة جديدة في ضاحية نيوجيرسي في خريف 2001، لكنه الان يتجه ليصبح الاتجاه السائد هناك.

* طاقة شمسية

* يقول بعض الخبراء إن من سخرية القدر ان تحجز الطاقة الشمسية لنفسها موطئ قدم في أغلب المجالات غير المتوقعة مثل عالم السيارات الرياضية العائلية الكبيرة وعالم صناعة الشاشات التلفزيونية الضخمة والثلاجات المزدوجة. وإن استطاعت هذه التقنية أن تحوز القبول الكامل في هذه الصناعات فانها ستنتشر على نحو شاسع. ويرى ريتشارد بيريس ناشر مجلة «هورن بور»، وهي مجلة مهتمة بالطاقة المنزلية المتجددة، أن بعض الضواحي بدأت في الحصول على طاقاتها من الشمس، وأن بعض المنازل الجديدة والمجتمعات الصغيرة أصبحت تصمم لتتواءم مع هذا الاتجاه.

وفي الفترة بين عامي 2000 و2002 استخدم نحو عشرة آلاف شخص من اصحاب المنازل في الولايات المتحدة، وسبعين ألفا في اليابان اضافة الى عشرات الآلاف غيرهم في اوروبا، مولدات الطاقة الشمسية في الحصول على احتياجاتهم من الطاقة كما يقول الخبراء. وربما فعلوا ذلك حرصا منهم على عدم زيادة ظاهرة الاحتباس الحراري على الارض أو مدفوعين بانخفاض أسعار الخلايا الشمسية. ووفقا للاحصاءات فان السعة النهائية للمولدات الشمسية بمن فيها للافراد المعزولين عن الشبكة العمومية، تصل الى عدد من غيغاواط (ألف ميغاواط).

ولكن الزيادة الحقيقية تتمثل في عدد مستخدمي الطاقة الشمسية والمتصلين بشبكات الكهرباء المحلية، فهذه المجموعة لم يكن لها ذكر عام 1990، لكنها اصبحت تستخدم عام 2002 نحو730 ميغاواط على الاقل من الطاقة، وهي تقريبا طاقة محطة متوسطة القدرة لتوليد الكهرباء تعمل بطاقة الفحم الحجري.

وبالطبع فهناك الكثير من الشكوك حول استخدامات موسعة للطاقة الشمسية، فمنذ السبعينات وأميركا الجائعة دوما للطاقة، تستمع الى مقولة انه بعد عشر سنوات ستصبح الشمس احد أهم مصادر الطاقة، في حين انها ما زالت الى اليوم لا تمثل سوى 1 في المائة فقط من مجموع الطاقة المستهلكة في الولايات المتحدة. ويفترض تقرير صدر اخيرا عن صناعات الكهروضوئيات الأميركية أن الخلايا الشمسية ستساهم بحصة فعلية في سوق الطاقة الأميركية بحلول 2020 وانها ستساهم بحوالي 30 في المائة من احتياجات السوق بحلول عام 2030 أي ما يعادل طاقة 180 مليون برميل من النفط في ذلك العام. ولكن من أجل الوصول الى هذا التصور فمعناه أن هناك ملايين من اصحاب المنازل والاعمال سيتحولون لاستخدام الخلايا الشمسية، ويؤدي الاقبال الشديد على هذه الخلايا الى ضرورة توفيرها. وعلى الرغم من ان اسعار الطاقة الشمسية ما زالت مرتفعة مقارنة بالطاقة التجارية ومصادرها المتنوعة، الا ان اسعارها في ذات الوقت انخفضت بحوالي 90 في المائة عما كانت عليه في السبعينات. واذا حدث وانخفض سعر الواط الشمسي عن سعره الحالي وهو 4.50 دولار ووصل الى دولارين فقط للواط، فستحدث قفزة سحرية وستصبح الطاقة الشمسية أرخص كثيرا من المصادر التقليدية، وقد يرتفع الطلب عليها ارتفاعا هائلا. وحتى عهد قريب كان التحول الى استخدام الطاقة الشمسية يعني الاستعداد لتقبل حياة خشنة بعيدا عن الشبكة التقليدية. لكن ولاية ماساتشوتس وبعض الولايات الاخرى تمهد الطريق اليوم امام أصحاب المنازل للقيام بالدور المنوط بهم في حماية البيئة من دون التخلي عن شاشاتهم التلفزيونية العملاقة. وبعد الزيادات الكبرى في استخدامات الطاقة، وضعت 38 ولاية أميركية في حيز التنفيذ قوانين «قياس الشبكة» خلال السنوات الخمس الماضية وبمقتضاه تلتزم شركات الكهرباء والطاقة بادخال مولدات الافراد التي تعمل بالطاقة الشمسية ضمن نطاق الشبكة وان تتقايض الشركات مع الافراد حول فائض انتاجهم من الطاقة، أي انهم يدفعون ثمن استهلاكهم من الشركة بفائض انتاج مولداتهم الشمسية من الطاقة.

والخلاصة ان اصحاب المنازل عندما ينتجون طاقتهم من الخلايا الشمسية، وفي نفس الوقت يبقون على اتصال بشبكة الطاقة، فهم بذلك كمن يصنعون الفطيرة الشمسية ويأكلونها، فهم يستغنون عن الطاقة الناتجة عن مولدات الوقود الحفري (النفط)، ويبقى بامكانهم تشغيل الأجهزة التي لا تشبع من الطاقة مثل مجففات الشعر واجهزة التكييف. وبالاضافة الى هذا فان حوالي 15 ولاية تعتمد اليوم برنامجا يسمى «تمويل المنفعة العامة»، وبمقتضاه تقوم الولاية بتمويل ودعم برامج الطاقة البديلة المتجددة عن طريق استقطاع سنتات قليلة من كل فاتورة كهرباء، وهناك 24 ولاية أخرى تتبع اسلوب البرامج المخفضة من اجل مساعدتها في تغطية نفقاتها المتزايدة، فكاليفورنيا وماساتشوتس تصل فيها التنزيلات الى نصف القيمة وإلى 70 في المائة في نيوجيرسي ونيويورك.

* كهرباء منزلي

* يقول آيان ستوكز زوج جيل، إن نظام الخلايا الشمسية بمنزله والذي يعمل بسعة 2.5 كيلو واط كلفه حوالي 21 ألف دولار بما فيها قيمة التركيب نفسه، دفع منها 9 آلاف دولار فقط نقدا. وخفض هذا النظام قيمة فاتورة الكهرباء بمنزله الى الثلث تقريبا وانه يتوقع ان يصدر الطاقة للشركة خلال عشر سنوات وان يحصل على عائد مادي مقابل ذلك خاصة وان الكيلو واط الواحد يكلفه نحو 13 سنتاً. اما جوان وستيفن هالس فهما زوجان من ناتك بولاية ماساتشوتس وقد انتهيا للتو من تركيب نظام لتوليد الطاقة الشمسية بمنزلهما وكلفهما ذلك حوالي 18 ألف دولار لكنهما حصلا على تخفيضات من الولاية غطت نصف التكلفة، وقام الزوجان بتركيب مصابيح موفرة للطاقة بكافة لوازمها. وآل هاسلي وآلاف غيرهم انضموا الى شبكة شمسية تجارية طاقتها 40 ميغاواط مستخدمة في الولايات المتحدة منذ عام 2000. واذا اصبحت مولدات الطاقة الشمسية تباع في المتاجر العادية، واذا حدث وانخفضت اسعار هذه المولدات فان أميركا بأسرها ستلحق بآل هاسلي.

وعلى الرغم من أن النظام الشمسي لم يصبح من صميم الشبكات بعد، الا ان بعض الولايات تفكر فيه جديا خاصة في أجواء الجدال الدائر في اسواق الكهرباء أو عندما تتكرر انقطاعات الكهرباء، أو أن يأتي حاكم جديد تروقه الفكرة، فكاليفورنيا مثلا هي اكثر الولايات الأميركية اتجاها نحو هذا النظام الى جانب ان لديها شمسا مشرقة مما ادى لوجود بعض البنائين الذين يبنون مجمعات سكنية تعمل بالطاقة الشمسية. ويواجه البناؤون مشاكل عديدة مثل ارتفاع اسعار العقارات والمنافسة الضارية، ولهذا فهم لا يستطيعون تحميل سعر المولد الشمسي على المشتري، فالمولد الواحد تبلغ تكاليف تركيبه حوالي 20 الف دولار ويخفض حوالي 90 في المائة من فاتورة الكهرباء.

* خدمة «كريستيان سايانس مونيتر»: خاص بـ«الشرق الأوسط»