عالم فلكي يسعى لإعادة بناء مرصد عراقي كلف 170 مليون دولار

د. عبد العظيم السبتي يدعو مستثمرين عربا لتمويل عمليات عربية وأوروبية لاستكشاف الفضاء

TT

في اعوام السبعينات كان لديه طموح ان يبني مرصداً فلكياً في العراق يرصد فيه متغيرات الفضاء والكون, وربما حلم بارسال قمر صناعي لابحاث الفضاء والعلوم، ولم لا فالعراق آنذاك كان ينعم في فورة اموال النفط بعد ان ارتفعت اسعاره بمعدلات غير مسبوقة. ولاقت الفكرة حينها قبولاً من اتحاد الفلكيين الدولي، وجرى تخصيص الاموال لها من الحكومة العراقية لألق الفكرة ووفرة الاموال وخصص لها فعلا مبلغ مقداره 170 مليون دولار. وانجز من المرصد ما نسبته 80 في المائة ولكنه ضرب في الحرب العراقية الايرانية وأتت عليه آخر الحروب التي تلت.

وكان على رأس فريق العمل آنذاك الدكتور عبد العظيم السبتي زميل جامعة لندن للعلوم الفلكية وعضو اتحاد الفلكيين الدولي حاليا، الذي طرح مجدداً فكرة اعادة انشاء المرصد وتسخيره للاغراض الفلكية والعلمية اضافة الى ما طرحه من فكرة تبدو مغرية ومشجعة للمستثمرين الكبار من اثرياء العرب لغزو الكوكب الاحمر.

التقيناه قبيل رحلته الى بغداد للبحث عما تبقى من المرصد ومناقشة المسؤولين في امكانية مواصلة بنائه منذ مغادرة العراق في التسعينات فكان هذا الحوار:

* حوار فلكي * هل لنا ان نعود بالذاكرة الى فكرة انشاء المرصد سابقا؟

ـ بدأت الفكرة في السبعينات حيث كانت الطموحات كبيرة والاموال وفيرة، وعلى أثرها فاتحنا اتحاد الفلكيين الدولي فرحب بالفكرة وعرضت على جهات دولية اخرى فكان التجاوب كبيراً، وشرعنا في فحص واختيار المواقع على مدى عام كامل لمعرفة تأثيرات البيئة والطقس على الرؤية. تفحصنا جبل سنجار ومنطقة الجزيرة شمال غرب العراق وجبل كورك في اربيل ومنطقة سامراء، ووقع الاختيار على جبل كورك في محافظة اربيل.

* وكيف تم اختياره من حيث النوعية والاهداف والكفاءة؟

ـ وقع اختيارنا ايضا على نموذج لمرصد فلكي اسباني عملاق يبلغ قطر المرآة فيه 3.5 متر يعود لوكالة الفضاء الاوروبية، وكان يبنى حينها في جنوب اسبانيا وعلى خط عرض مشابه لموقع خط عرض في العراق وهذا يؤكد صحة اختيارنا من ناحية علمية. وهو يحتوي بالاضافة الى المرصد العملاق، مرصد آخر بقطر 1.2 متر وتلسكوب راديوي، وقررنا انشاء مرصد مشابه لذلك وتم التعاقد ونقل الاجهزة التكنولوجية والشروع ببناء المرصد الذي كلف 170 مليون دولار.

* وهل انجز العمل؟ بمعنى هل بدأتم باستثماره علمياً؟

ـ للاسف لم يستكمل المشروع وتم انجاز ما نسبته70 الى 80 في المائة من المشروع، واندلعت الحرب العراقية الايرانية ليصبح المرصد واحلامنا نهباً لما تفرزه لغة الحروب والقنابل من دمار. وحاولنا انقاذ ما يمكن انقاذه، فنقلنا بعض الاجهزة العلمية من المرصد الى بغداد حفاظاً عليها.

* وهل تعرف ما إذا كانت هذه الاجهزة ما زالت سليمة أو محفوظة لحد الآن ؟

ـ كان المرصد تابعا لمجلس البحث العلمي وما تبقى من اجهزته التكنولوجية بقي بحوزته حتى نهاية التسعينات، حيث تركت العراق وانقطعت التفاصيل كما تعرف لظروف البلد في تلك الفترة. ولكنني عاودت الاتصال الان بعدد من المسؤولين والشخصيات الحكومية في اربيل، وأبدوا اهتماما بالموضوع ووعدوا بالبحث وتحركت على مستوى آخر، فبصفتي عضواً في اتحاد الفلكيين الدوليين، اقنعت زملائي بمعاودة الاهتمام بالموضوع لما يشكله من محطة علمية تفيد ابحاث الفضاء لا في العراق فحسب بل وفي العالم. وأرسل الاتحاد رسائل تستفسر عن سلامة تلك الاجهزة وعرضنا فكرة ارسال وفد الى بغداد. وبسبب الاوضاع الامنية، يتردد الكثير من زملائي بالذهاب،ولكنني قررت الذهاب أولاً لان العراق بلدي وثانيا لان المشروع مشروعي ويهمنى جداً اعادة انطلاقته وحصلت على تفويض ورسائل من اتحاد الفلكيين.

* علينا أولا الحديث عن المرصد نفسه هل بقي منه شيئاً, هل هناك كادر لادراته؟

ـ اعتقد ان بالامكان اصلاحه. واذا ما توفرت تلك الاجهزة وبقيت سليمة فان ذلك سيساعد حتما. اكثر من هذا حصلنا في لقاء الجامعات العراقية مع البريطانية على 90 منحة دراسية وسنسعى الى الحصول على بعض منها للدراسات الفلكية.

* مرصد علمي * مرصد فلكي! في العراق؟ ماذا يمكن ان يفيد العراقيين أو المنطقة في هذه الفترة؟

ـ المراصد الفلكية هي للنفع المباشر وغير المباشر يمكن استخدامها لدراسة الكواكب السيارة. وبالنسبة للشرق الاوسط الذي اصبح جزءاً من منظومة الاتصالات العالمية سيكون مفيداً، في عالم أصبحنا فيه جزءاً من تكنولوجيا الفضاء. واقترحت على جامعة اربيل ان تتولى الاشراف عليه كمؤسسة اكاديمية ولقربها من موقعه, حيث تتأسس ادارة للموقع تستفيد من قرب الموقع والعلاقة الاكاديمة بالجامعة التي أرتأى ان تؤسس قسما خاصا بابحاث الفلك والفضاء وابديت كامل مساعدتي في تأسيسه.

* هل هناك جانب استثماري في المرصد؟

ـ رغم ان المرصد فلكي ومختص بشؤون الفضاء لكننا نحاول ان نوجد مرصدا زلزاليا ايضا لان العراق يحتوي على منطقة جبلية وتقع بين ايران وغيرها من المناطق التي شهدت زلازل وبالرغم من ان اتجاه عمل المرصد هو للفضاء لكن ذلك يشمل ايضا الاقمار الصناعية والاتصالات ودراسة الطقس والانواء الجوية والموارد الطبيعية.

* لكن ذلك سيدخلنا من عالم الفضاء وفي ظل وجود اسرائيل ستعاود طرح مخاوفها الامنية؟

ـ في السابق واجهتنا مضايقات, وطرحت مسألة النوايا العراقية، وبالاخص في موقعي الاكاديمي وكعضو في اتحاد الفلكيين اواجه السؤال المتجدد ذاته: لماذا يريد العراق مثل هذا المشروع؟ لانه سيتبع بقمر صناعي والقمر الصناعي يحتاج الى صاروخ لوضعه في الفضاء وهكذا. لكنني من خلال علاقتي بالمشرفين على الوكالة الفضائية الاوروبية وبالاخص ديفيد ساوثوود والبروفيسور كيلينجر صاحب مشروع «بيغل 2» (السفينة الفضائية الاوروبية التي هبطت حديثا على سطح المريخ) اشعر باطمئنان ودعم كبيرين لانهما كزملاء في نفس الجامعة يعرفان نواياي الشخصية, كما ان الوكالة الاوروبية في صراع مع وكال «ناسا» الفضائية الاميركية, ولذلك تجدها تبحث عن حلفاء لها في الصين والهند وروسيا ـ التي زودت الوكالة الاوروبية بالصاروخ الذي اطلق اقمارها ـ لكي تمضي بمشروعاتها.

* وماذا عن العراقيين والعرب الا تجد دعماً لمشروعك؟

ـ هذا موضوع مهم جداً، لانني طرحت فكرة تمويل مشروع ارسال وحدتين استكشافيتين على غرار «بيغل 2»، احداهما اوروبية واخرى عربية وأسعى حاليا الى البحث عن ذلك العربي أو الاثرياء العرب المتحمسين الى دعم هذه الفكرة؟

* وكم يمكن أن يكلف دعم مثل هذا المشروع؟

ـ لدينا دراسة اولية، اذا كان الهدف ارسال وحدة استكشافية فانها تكلف 250 مليون دولار لكن لو ارسلنا اثنتين فان المبلغ سيكون منخفضا نسبيا لتشابه التصاميم حيث سيكلف 350 مليون دولار، ولذلك اعتزم مفاتحة بعض المستثمرين العرب بالموضوع والامر متروك لهم عبر هذه المقابلة.

* شيء واحد اود طرحه وارجو الا يحبطك؟ ربما ستذهب للعراق بعد طول غياب وستجد خرابا كبيراً فتسأل: الا يشكل مشروعك «بطراً» وأمرا خارج المألوف في الوقت الحاضر؟

ـ هذا متوقع جداً وقد سألت نفسي قبل أن أسال زملاء وجامعيين التقيتهم أخيرا، وشجعني رئيس جامعة بغداد موسى الموسوي بالقول: صحيح ان ظروف العراق صعبة الان وحاجة العراقيين الى مستشفى ربما اكثر الحاحا من هذا المشروع, لكن اذا بقينا نتردد في طرح تلك المشروعات فلن يتحقق تقدم علمي في العراق، ولذلك اذهب للعراق وبعقل مفتوح يدرك كل الطروحات.